المقاطعة وشرعية الصناديق الفارغة في مصر

المقاطعة وشرعية الصناديق الفارغة في مصر

21 أكتوبر 2015
أكبر نسبة من المقاطعين هي للشباب (فرانس برس)
+ الخط -
لم تفلح محاوﻻت نظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في تجميل صورة انتخابات مجلس النواب؛ فعلى الرغم من الحشد الإعلامي، وإجبار الموظفين الحكوميين على التصويت، في يوم الاقتراع الثاني من المرحلة اﻷولى، لكن المشاركة ظلت متدنية، وسُجلت في بعض الدوائر التي من المفترض أن تكون محتدمة، نسبة غير مسبوقة تراوحت ما بين 10 في المائة و20 في المائة، وحتى الدائرة الوحيدة التي شغلت الرأي العام المصري وهي دائرة الدقي والعجوزة، لم تتعد نسبة التصويت فيها 22 في المائة.

اقرأ أيضاً: مسلسل الانتخابات المصرية: تجاوزات واشتباكات... والزحمة في المقاهي

واستنفدت السلطة كل حيلها، بعد إصدار تعليمات لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية بالحشد والتخويف من توقيع غرامة 500 جنيه مصري على المقاطعين. غير أنّ الشارع المصري المهموم بمشاكله الاقتصادية، والذي كان قسم كبير منه يستجيب لنداءات السيسي المتكررة بالنزول سواء للتظاهر أو التصويت، خذله هذه المرة، على الرغم من دعوته للمشاركة شخصياً في خطاب عاطفي عشية يوم الاقتراع اﻷول.

حوّل هذا الخطاب بما تضمنه من إلحاح على النزول للمشاركة، الانتخابات إلى استفتاء جديد على شرعية السيسي ونظامه، وجاءت النتيجة واضحة: لامباﻻة المصريين بالاستحقاق الانتخابي أو إكمال انتخاب مؤسسات الدولة الدستورية.

في المقابل، لم يشهد الشارع المصري حملات منظمة لمقاطعة الانتخابات المصرية، على عكس الحملة الضخمة للمشاركة، التي ساهمت فيها جميع أجهزة الدولة والإعلام الخاص، وتم الاستعانة فيها بممثلين ومطربين ولاعبي كرة قدم، وشهدت إنتاج 4 أغاني خصيصاً للحدث.

وفشلت الدولة بجدارة في إدارة الحدث، فالإجراء الاقتصادي اﻷبرز، الذي اتخذه البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه المصري، في أول أيام الاقتراع، كان مقصوداً به الاستفادة من العملية الانتخابية وعدم التسبب في هزّ السوق. غير أن العكس حدث، وبات المصريون يتندرون على عملتهم التي تفقد قيمتها باضطراد. واعتبروا ذلك دافعاً إضافياً لعدم النزول وتكلّف انتخاب برلمان جديد، في انتظار ارتفاع أسعار السلع والوقود وإعادة هيكلة الدعم قريباً.

ويصف مصدر حكومي نافذ لـ"العربي الجديد"، تصرفات النظام في الانتخابات أنها "مؤشر على ضعف الكفاءة وتراجع خبرات القائمين على اتخاذ القرار".

ويرى المصدر نفسه، أن ما حدث في اﻻنتخابات "نتيجة أخطاء كارثية في قياس نسب الرضا عن النظام"، مؤكداً أن السيسي أعرب أكثر من مرّة عن غضبه بسبب أخطاء تقارير قياس نبض الشارع التي تقدّم له من أجهزة الاستخبارات واﻷمن الوطني وجهات أخرى، فهي جميعاً، بحسب المصدر، غير دقيقة.

وكشف المصدر، أن الحكومة كانت تتوقع بناء على استطلاعاتها، أن تكون نسبة المشاركة أكثر من 40 في المائة، وأن قيادات اﻷحزاب المؤيدة للنظام وقائمة "في حب مصر" شبه الرسمية، التي يديرها المستشار القانوني للسيسي، محمد أبوشقة، كانوا يتوقعون نسبة مماثلة، باعتبار أن القوائم ضمت شخصيات قادرة على حشد الناخبين، وأنّ التركيز على مرشحي العصبيات في القوائم والفردي سيؤدي إلى زيادة المشاركة.

وقد أثمر اﻻعتماد على مرشحي العصبيات زيادة نسبية للمشاركة في القرى والأرياف، مقابل انهيار كامل في نسب المشاركة في المدن، وفي أوساط الشباب والمهنيين والموظفين باﻷماكن الراقية، وهي الأماكن التي كانت تمتاز منذ 2011 بنسب مشاركة عالية.

وأثبت هذا الانهيار عجز الدائرة التي حاول السيسي خلقها حوله وإسناد المسائل السياسية لها عن أبسط أعمال السياسة، وهو الحشد، فقائمة "في حب مصر" فشلت في دفع المواطنين للمشاركة، ومرشحو حزب "مستقبل وطن"، الذي يرأسه الشاب المفضل لدى السيسي، محمد بدران، فشل بدوره، في إنجاح مرشحيه. أما الإعلاميون المقربون من السيسي شخصياً، قبل دوائره اﻷمنية، أمثال إبراهيم عيسى ولميس الحديدي وعمرو أديب، فلم يجدوا بدّاً من افتعال انتقاد النظام، وهم يرون أمامهم حالة العزوف عن انتخابات مجلس الشعب 2010 تتكرر، وأجواء الغضب من النظام تلوح في اﻷفق، في محاولة ﻻمتصاص الغضب الشعبي على الطريقة اﻹسفنجية، بدﻻً من الوقوف في وجهه كما حدث في ثورة يناير.

من جهة ثانية، يفيد رأي في القاهرة، أنّ السيسي لن يكون غاضباً بشأن تشكيل مجلس النواب بأيّ صورة، إذ إن المتوقع أن ينقسم النواب إلى مجموعات تتفق جميعها على إرضاء السيسي، وعدم الوقوف في مواجهة خططه وقراراته. لكن اﻻستحقاق اﻻنتخابي أثبت للسيسي ما كان يتخوف منه، وهو ضعف الظهير السياسي والشعبي له.

على الأرجح، فإن الوقت لن يساعد السيسي على تحسين الوضع قبل المرحلة الثانية من اﻻنتخابات والمقررة الشهر المقبل، على الرغم من أنها نظرياً تضم المحافظات اﻷعلى مشاركة في اﻻستحقاقات اﻻنتخابية اﻷخيرة، واﻷكثر تأييداً للسيسي مثل المنوفية والغربية والدقهلية.

وعندها سيكون أمام السيسي بعد انعقاد البرلمان، خياران ﻻ ثالث لهما: اﻷول هو تشكيل ظهير سياسي جديد من خارج البرلمان يؤدي وظيفة الضغط المستمر على السلطة التشريعية لتحقيق رغبات السيسي بما في ذلك تغيير الدستور، وفي الوقت نفسه بلورة أفكار السيسي في حزب سياسي يحاول ترسيخ تواجده في الشارع وضم ذوي المصالح والشباب والطلبة والموظفين والمهنيين، على شاكلة الحزب الوطني المنحل.

والسيناريو الثاني أن يستمر السيسي في اﻻعتماد على قائمة "في حب مصر" بكل فشلها الجماهيري، وتغيير قيادتها وخططها الجماهيرية لضمان المزيد من الشعبية.

وفي كلتا الحالتين، يواجه السيسي تحديات ضخمة تتعلق برضا الشباب عن نظامه، والذين مثلوا شريحة المقاطعة العظمى. ويأمل السيسي في مشروع برنامج إعداد القادة ومشروع آخر  للأنشطة السياسية يعكف عليه وزير الشباب، خالد عبدالعزيز، إلى تشكيل هيئة شبيهة بمنظمة الشباب في الستينيات، يخرج منها مسؤولون ووزراء ونواب وزراء، وتكون قاطرة تجذب آلاف الشباب للاندماج في نظام السيسي، وهي الفكرة نفسها، التي كان يسعى جمال مبارك لتنفيذها بعنوان "جيل المستقبل"، ولكن أضيف إليها أهداف التوظيف والتصعيد للمناصب القيادية، على أمل جذب المزيد من الشباب.

اقرأ أيضاً‏"نيويورك تايمز": انتخابات مصر تعكس فقدان الأمل بالحياة السياسية

المساهمون