المفقودون في "رابعة"

الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، والمعتقلون من حين إلى آخر، يخطف من وجوههم نظرات تروى بها قلوب ذويهم، برغم ما ينالهم من تعذيب. المفقودون في الحروب يستردهم ذووهم، ولو أشلاء. تتفاوض دول وتتدخل الأمم المتحدة لمعرفة مصير مواطن واحد، أو استرداد أشلائه لتدفن بين أهله. في مصر لا يوجد تفاوض، جميعنا أبناء دولة واحدة، القاتل والمقتول، الجاني والمفقود. لكن، لا يوجد اعتراف رسمي بأزمة إنسانية، سهلة الحل لو أنهم يفقهون. أهالي المفقودين لا يطلبون إحياء الموتى، ولا إخراج من في السجون، يريدون فقط معرفه مصير أبنائهم، هل ماتوا فترتاح أعينهم التي لا تنام، أم هم معتقلون، فتشفى صدورهم التي تحرقها الحيرة؟

يتجاوز عدد المفقودين في مصر، منذ أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة 250 مصريا، حسب تقارير حقوقية عدة، صدرت عن منظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى. ووثقت مبادرة "ويكي ثورة" ضمن القتلى من المعتصمين في ميدان رابعة 30 جثة لم يتم التعرف عليها، ما يعني أن معظم المفقودين مازالوا أحياء، لو صح العدد المذكور، ولو لم تكن هناك جثث أخرى دفنت سراً. لكن، أين هم مع عدم اعتراف الأجهزة المعنية بوجودهم؟
أحد المفقودين لي به معرفة شخصية، فهو جاري في بلدي الأم، إحدى قرى محافظات دلتا النيل، عبدالحميد محمد عبد السلام، طالب في هندسة طيران إمبابة، والده موظف في وزارة الزراعة. ذهب عبدالحميد إلى ميدان رابعة العدوية، وحتي الآن، أسرته تنتظر عودته. يشهد له الجميع بالخلق، لم أره إلا مستقيم الخطى إلى وجهته. للأستاذ محمد عبدالسلام ولده الوحيد، عبد الحميد، وثلاث بنات. وبعد أن فقد ابنه الوحيد في مذبحة "رابعة"، كان يتمنى أن يعرف مصيره حتى ولو كان الشهادة. احتار وهو يتنقل بين جميع سجون مصر ومعسكرات الأمن التي كانت تحتجز متظاهرين، أنفق جميع ماله في البحث، فقد صحته، وأخيرا فقد حياته. مات حسرة علي ولده الوحيد الذي لم يتعد العشرين عاما.
هل التقت روح عبد الحميد بروح والده الذي مات حسرة عليه؟ أم أن الابن يقبع في أحد السجون الآن؟ سؤال ربما لا يكون هناك أمل في الحصول على إجابة له في المستقبل القريب.
***
الوطن ساكن عشق فينا ولو غبنا/ الوطن للي بنا اللبنةْ على اللبنةْ/ الوطن للي لجل أرضه نذر نفسه ورخص ابنه. شعر عمر الفرا