المغرب والمنظمات الحقوقية الدولية: هل يستمر سوء الفهم الكبير؟

المغرب والمنظمات الحقوقية الدولية: هل يستمر سوء الفهم الكبير؟

08 يوليو 2020
يحق للمغاربة الاطلاع على تفاصيل القضية (فاضل سنة/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال شدّ الحبال بين المغرب ومنظمة العفو الدولية مستمراً، من دون أن تلوح في الأفق أي انفراجة قريبة في العلاقات المتوترة بين الطرفين، على خلفية الأزمة التي فجّرها تقرير للمنظمة، صدر في 22 يونيو/ حزيران الماضي، واتهم السلطات المغربية باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" التابع لمجموعة "أن أس أو" الإسرائيلية، لوضع الصحافي المستقل عمر راضي تحت المراقبة غير القانونية. وكانت السلطات المغربية قد أعلنت رفضها لما أوردته "العفو الدولية" من استخدام الرباط لتكنولوجيا "أن أس أو" للتجسّس على هاتف راضي، مطالبة المنظّمة الحقوقية بتزويدها بالأدلة على هذا الاتّهام. وتطرح أكثر من علامة استفهام حول مآل هذا التوتر، وما إذا كان سينتهي بإغلاق مكتب "العفو الدولية" في المغرب. ويعيد الجدل الذي أثاره تقرير "أمنستي"، إلى الواجهة، النقاش حول علاقة الرباط ببعض المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، والتي شهدت خلال السنوات الماضية توترات علنية، وتبادل اتهامات في بيانات رسمية، كما حدث مع منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية.

شهدت العلاقة بين الرباط ومنظمات حوقية دولية خلال السنوات الماضية، توترات علنية وتبادل اتهامات

وخلال مواجهته للانتقادات التي تضمنتها تقارير بعض المنظمات الحقوقية الدولية، ظلّ المغرب يقول إنه يمثل حالة استثناء في محيطه الإقليمي، بدليل أنه فتح ذراعيه أمام كل الفاعلين الحقوقيين المهتمين بحقوق الإنسان، وأنه قطع أشواطاً مهمة منذ إقرار تجربة العدالة الانتقالية، وأنه يتعامل بكل أريحية مع كل المؤسسات الحقوقية التي تعمل بحيادية، ولم يتخذ يوماً وضعية "المعادي لها" كما تفعل بلدان مجاورة للمغرب.

وعلى هذا الأساس، ظلّ المسؤولون المغاربة، في مواجهة بعض التقارير الحقوقية، يرددون أن بعض المنظمات العالمية تتعامل بمنطق الانحياز والكيل بمكيالين في ما يخصّ قضايا حقوق الإنسان، وهو ما يتكرر مرة أخرى، بحسب تصريحات المستشارة في الدبلوماسية العامة في السفارة المغربية في لندن، نجلاء بن مبارك. وأبدت بن مبارك، في مواجهة تقرير "العفو الدولية"، استغرابها من المعايير المزدوجة التي تنتهجها المنظمات الحقوقية في تعاملها مع البلدان، موضحة على سبيل المثال، أن أعضاء المنظمات الحقوقية يجتمعون مسبقاً مع المسؤولين في بريطانيا لتقديم الحقائق والأدلة، في احترام تام لقوانين البلاد. وقالت المستشارة في الدبلوماسية العامة، في تصريحات صحافية، نهاية الأسبوع الماضي، إن المغرب يسمح منذ عقود للمنظمات الحقوقية بالعمل بكل حرية، على نحو ميّزه عن غيره من بلدان الجوار، لافتة في هذا الصدد، إلى أن أعضاء "منظمة العفو الدولية في المغرب لا يحتاجون إلى تصريح من السلطات المحلية للانتقال من مدينة إلى أخرى، على عكس بلدان أخرى".
وبحسب بن مبارك، فإن المغرب يعتبر أنه من صلاحيات المنظمات الدولية أن ترصد المظاهر المتعلقة بوضعية الحريات في البلدان، كما يؤمن بأنه من صلاحيات هذه المنظمات انتقاد الدول، ولكن في إطار توحيد الممارسات في ما يخص جمع المعلومات وتحليلها، مشيرة في المقابل، إلى وجود تعاون وثيق بين السلطات والعديد من المنظمات الحقوقية في المملكة.
لكن هذه الانتقادات التي توجهها السلطات المغربية إلى المنظمة الدولية، وشد الحبل المستمر منذ أيام معها، يثير مخاوف لدى بعض الهيئات الحقوقية المحلية. وبحسب رئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان" (أقدم جمعية حقوقية مغربية مستقلة)، عادل تشكيطو، فإن صراع الحكومة المغربية مع منظمة حقوقية مشهود لها بالريادة في مجال حقوق الإنسان لن يكون إلا على حساب سمعة المغرب الدولية، لافتاً إلى أن ذلك الصراع قد يؤثر على مجموعة من المجالات وخصوصاً الاقتصادية منها. ويذكر تشكيطو بأن العديد من المستثمرين يراهنون على السمعة الحقوقية للبلدان التي ينوون الاستثمار فيها، ويعتمدون تقارير بعض المنظمات الحقوقية الدولية، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية.

لم يكن تقرير أمنستي واضحاً بشكل دقيق حول كيفية اختراق هاتف راضي ومتى ومن أي طرف، وكيف تمّ حقن شبكات الاتصال

ويرى المسؤول الحقوقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة قد فقدت بوصلة الصواب في تعاطيها مع تقرير منظمة العفو، إذ كان لزاماً عليها أن تفتح تحقيقاً نزيهاً في الموضوع، وترتيب المحاسبة عن نتائجه، والابتعاد عن المنطق الصدامي الذي لن يخدم مصلحة البلد في شيء". ويلفت تشكيطو إلى أنها "ليست المرة الأولى التي تدخل فيها الحكومة المغربية في جدال مع منظمة حقوقية دولية حول قضية من القضايا ذات الطابع الحقوقي، إذ سبق أن وجه المغرب انتقاداته لعدد من التقارير التي تتحدث عن أوضاع حقوق الإنسان فيه، لكن الأمر يختلف هذه المرة، حيث إن الاتهام الموجه لسلطاته يتعلق باختراق هاتف مواطن مغربي والتجسس عليه وانتهاك خصوصيته والاطلاع على معطياته الشخصية". ويصف المسؤول الحقوقي هذا السلوك بـ"غير المقبول والمرفوض في نظر المعايير الدولية، على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى الفصل 24 من الدستور المغربي، الذي يؤكد على أن لكل شخص حماية حياته الخاصة". ويعتبر تشكيطو أنه لا يمكن انتهاك سرّية الاتصالات الشخصية كيفما كان شكلها، ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها كلّها أو بعضها أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي.
ويرى المسؤول الحقوقي أن "تقرير العفو الدولية وضع السلطات المغربية في موقف حرج، عندما وجّه إليها تهمة إقدامها على هذا السلوك باستخدام تقنية للتجسس تعود لشركة إسرائيلية". لكن في اعتقاد المسؤول، فإن هذا التقرير "يبقى مجرد ادعاء، ما دامت المنظمة لم توضح بشكل دقيق كيف تمّ الاختراق ومتى ومن أي طرف، وكيف تمّ حقن شبكات الاتصال، بالإضافة إلى الكشف عن أسماء المسؤولين الذين تواصلت معهم قبل نشرها لمضمون التقرير، خصوصاً أننا أمام منظمة حقوقية تتبنى مبدأ العلانية في تعاطيها مع كل القضايا الحقوقية".
ويرى تشكيطو أن من حقّ الرأي العام أن يطلع على تفاصيل هذه القضية، وأنه إذا كانت الحكومة قد اختارت منهج العلانية من خلال نشرها لبيانات في شكل إحاطة إعلامية وتنظيم ندوات صحافية، فـ"إننا نتمنى ألا تنجرف في استعمال هذه الآليات للصدام والمواجهة، وإنما في اتجاه تعزيز الحق في الوصول إلى المعلومة، أو ما يسمى بدمقرطة المعلومة كما يضمنها ويؤطرها الفصل 27 من الدستور المغربي".