المغرب على عتبة الحداثة

25 مايو 2014
+ الخط -
القول إن الحداثة توجد حيث توجد الدولة، وحيث يوجد التاريخ (عبد الله العروي) كفيل بإسقاط الفكر القائل إن العرب لم يعرفوا الحداثة، إلا بعدما غزاهم الغرب. ولكن، هناك من يشترط في الدولة أن تكون حديثة، حتى تتسم بالحداثة، وهنا يأتي مثال الدولة القومية في الغرب، لنجد أنفسنا نسقط في صحة الاتهام الغربي للعرب.

لكن، إذا اعتبرنا أن الحداثة قدر كوني وعصر تقني، كما يقول محمد سبيلا، فحينها يتأكد لنا أن وجود الغزو الغربي لم يكن ضرورياً لوجود الحداثة العربية، بل نفهم أن الحداثة احتضان للتقدم الساسي والنهوض الاجتماعي والرفاه المادي والعقل العلمي والتقني، أما الحداثة الغربية فتمثل تهديداً للهوية وللذات الجماعية، وأحياناً، تمثل إغراءات واعية، ولا واعية، وتوقظ رغبة استهلاكية دفينة، وهذا ما سعى إليه الغرب. ومثالاً على هذا النمط، حاول الفرنسيون من وصولهم إلى المغرب أن يجسدوا تلك الإغراءات التي توقظ الرغبة الاستهلاكية، فالحداثة في المغرب تعرضت للتسلط الفرنسي.

المراد قوله إن المغرب، حسب الفكر الفرنسي، كان يعيش حالة من الغربة والتهميش عن باقي العالم، كان ما يزال مرتبطاً بالتاريخ من دون قدرة على الاتصال بالحاضر المعصرن، فجاءت فرنسا مخلصاً من هذه الغربة وهذا التهميش، فأغلبية المفكرين الفرنسيين الذين اهتموا بالمغرب يدعون أن المغرب وضع قدماً أولى فوق عتبة الحداثة، بمجرد ما وصلت إليه فرنسا، وأجرت إصلاحات قصدت الأرض ومن يسكنها. لن نعود هنا إلى الحديث عن الإصلاحات، لأنها تجتاح معظم الكتب المهتمة بالموضوع، لكننا سنحاول أن نعاكس ما جاء على لسان صاحب كتاب "المغرب على عتبة الحداثة"، فرديريك وايسجربر، وغيرهم من الفرنسيين الذين ينظرون إلى المغرب، كمستعمرة دونية.

المتعارف والمتفق عليه دولياً أن لكل بلد ثقافته وهويته وحضارته المنفردة، ولا يمكن لحداثة أن تقوم بمهاجمة هذه الخصوصيات وإقصائها، ففرنسا قصدت أن تحدث انزياحا في هذه الخصوصيات، مدعية أنها تعصرن المغرب وتحدثه. وقد ذكرنا أن الحداثة قدر كوني، فكان بذلك من الطبيعي أن يطرق المغرب أبواب الحداثة، ولكن، بطريقة لن تداس من خلالها الثقافة، ولا الهوية ولا الحضارة. فرنسا أرادت أن تسرع الرغبة الاستهلاكية لدى المغاربة، فأحدثت بذلك للحداثة معنى خاصاً بها. والحقيقة أن فرنسا أحدثت بالمغرب فعل التخريب، مدعية أنه التحديث، وهنا، لا بد أن نستحضر المثال الذي ساقه جاك بيرك في أحد كتبه، عندما تحدث عن الفلاح المغربي الذي كان بمجرد ما يقابل أجنبياً، حتى يبادره بالسلام ودعوته لشرب كأس من الشاي. طبعا كان هذا في السنوات الأولى من الوصول الفرنسي، ولكن، مع مرور الوقت في المغرب، تحولت لغة الفلاح من السلام إلى "بونجور" وضحكة صفراء، وبدل دعوة الشاي يدعوك لتدخن سيجارة برفقته!

هذا دليل يقدمه بيرك، ضمناً، على أن فرنسا خربت الإنسان المغربي، وحولته إلى هيكل أجوف من كل الخصوصيات المغربية، حتى أن ليلى أبو زيد تذكر في روايتها "عام الفيل" أن المغربي الذي لا يعرف كيف يأكل بالسكين والشوكة يصبح مقصياً ومهمشا من الحياة الاجتماعية والعامة. وأبو زيد تتكلم عن هذا المشهد كونه خلاصة للسياسة الفرنسية في المغرب في فترة الاحتلال (الحماية)، فهذا ما فعلته فرنسا بالمغربي. لنعد إلى وايسجربر الذي يسرد تصريحا للسلطان يوسف بن الحسن يقول فيه: "لولا المساعدة التي كانت من فرنساـ لضاع المغرب، فبفضلها أمكن أن يستتب الأمن والنظام، وتقوى السلطة الشريفة، ويتكون مخزن جدير بهذا الاسم"

هذا  يدل على أن فرنسا أمكنها القيام بغسل دماغ للمخزن في المغرب، هي ليست مسألة قوة عسكرية فقط، بل مسألة تأثير هوياتي وثقافي. هذا، وقد حاول الجاسوس الكاتب وايسجربر أن يهاجم ويدوس قيمة كل من يعتبرون أبطال الوطن، أو من يحملون صيتاً وطنياً، كأحمد الهيبة وأحمد الريسوني، ومولاي عبد الحفيظ الذي يقول عنه: "أضاع الهيبة الشريفة، بتجاوزاته والتسيب الذي طبع حياته الخاصة، وما بدر منه في أواخر حكمه من استخفاف..." هذا الكلام يدل على أن وايسجربر كتب مؤلفه هذا بنزعة عنصرية وإقصائية، بعيدة عن المهنية والنظرة الوازنة.

مؤلفات كثيرة ترى أن المغرب أنقذته فرنسا، وأخرجته من الظلمات إلى النور، لكنها كلها مؤلفات اهتمت بالجوانب السياسية والعسكرية والسوسيو اقتصادية، متناسية الجانب الثقافي والهوياتي والحضاري والسيكولوجي للمغاربة. ووايسجربر من هؤلاء الذين أطربهم العسكر والسياسة الفرنسيون، حتى جعله ذلك يعتبر أن المغرب ولج عالم الحداثة بفضل فرنسا، لكنه نسي أن الحداثة ليست فقط عصراً تقنياً، ولكنها أيضا حفظ للهوية والخصوصية.
 
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي