المغرب: جبهات بنكيران من الحكومة إلى "العدالة والتنمية"

المغرب: جبهات بنكيران من الحكومة إلى "العدالة والتنمية"

06 فبراير 2018
أكد بنكيران أن "العدالة والتنمية" لم ولن يتغير(جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -


عادت المواقف السياسية التي تحمل بصمات رئيس الحكومة المغربية المعفى والأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" الأغلبي، عبدالإله بنكيران، إلى الواجهة لتثير مخاوف من تأثيرها على تماسك الحكومة المشكّلة من ستة أحزاب، وحتى على الانسجام في البيت الداخلي للحزب الأغلبي.
ويبدو أن "المعركة" السياسية التي كان يخوضها بنكيران خلال رئاسته للحكومة طيلة خمس سنوات ضد حزب "الأصالة والمعاصرة"، خصوصاً زعيمه إلياس العماري، الذي كان يعتبره الخصم العنيد للحزب وأحد واجهات ما يسميه "التحكم السياسي"، تحوّلت إلى الهجوم على أحد مكونات الحكومة الحالية وهو "التجمع الوطني للأحرار" في شخص زعيمه عزيز أخنوش.
وبعد أن كان بنكيران يصف أخنوش بالوزير الناجح في قطاع الزراعة والصيد البحري، وبأنه فعل خيراً عندما انضم حزبه إلى الحكومة باعتبار أنه قدّم إضافة قوية في قطاعات الاقتصاد، تحوّلت بوصلة بنكيران، خصوصاً بعد إعفائه من رئاسة الحكومة، ليهاجم أخنوش ويحوّل خصومته من "الأصالة والمعاصرة" إلى "التجمع الوطني للأحرار".

استهداف بنكيران لأخنوش تحديداً، وأيضاً لمحيط الملك محمد السادس، من دون أن يسمي أحداً من مستشاريه، لم يأت بعد إعفاء الملك له من تشكيل الحكومة بسبب تأخره في تشكيلها طيلة ستة أشهر، بل جاء الهجوم الجديد يوم السبت الماضي بمناسبة انعقاد مؤتمر شبيبة حزب "العدالة والتنمية"، حين دشن بنكيران سلسلة انتقادات لاذعة لحزب "الأحرار".
اختيار توقيت هجوم بنكيران على أخنوش، اعتبره مراقبون غير اعتباطي، وإلا كان بإمكان بنكيران أن يفعل ذلك خلال فترة سابقة حين كان أميناً عاماً لـ"العدالة والتنمية"، غير أنه ابتعد كثيراً عن الأضواء، وتراجع عن إطلاق المواقف، لتكون تصريحاته الجديدة أقوى موقف لبنكيران ضد حليفه السابق أخنوش.

القصف السياسي ضد أخنوش أفصح بنكيران عن دوافعه بالحديث عن تسبّب زعيم "الأحرار" في إعفائه بطريقة غير مباشرة من تشكيل الحكومة بعد أن حاول فرض إشراك حزب "الاتحاد الاشتراكي" فيها، وهو ما رفضه بنكيران حينها باعتبار أنه حزب لم يحصل على نتائج في الانتخابات التشريعية تسمح له بدخول الحكومة. وطالب بنكيران صراحة خلال مؤتمر شبيبة "العدالة والتنمية"، أخنوش، من دون أن يسميه، بالكف عن المبالغة في بخس قيمة الحزب ذي المرجعية الإسلامية، وبأنه على الرغم من قبول خلفه سعد الدين العثماني بمشاركة "الاتحاد الاشتراكي" في الحكومة، غير أن "العدالة والتنمية" لم ولن يتغير، بحسب بنكيران.

ولم يقف بنكيران عند هذا الحد، بل هاجم أخنوش لكونه تحدث عن ثقته في أن حزبه سيتصدّر الانتخابات التشريعية المقبلة لعام 2021، ليزيح "العدالة والتنمية" عن الصدارة في محطتين انتخابيتين متواليتين، وهو ما أشعل غضب بنكيران وسأله من أين استمد تكهناته، مبرزاً أن "العدالة والتنمية" لا زال محافظاً على ثقة الشعب على الرغم من الهزات التي تعرض لها، وعلى الرغم من النتائج المخيبة التي سجلها في الانتخابات الجزئية أخيراً.


تصريحات بنكيران الجديدة تأتي في سياق دقيق تعيشه الحكومة كما يعيشه البيت الداخلي لحزب "العدالة والتنمية"، متمثلاً في التعديل الحكومي الجديد بعد إعفاء أربعة وزراء من حزبي "الحركة الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، وأيضاً في خضم تأخر مصادقة الحكومة على "ميثاق الأغلبية"، كما تأتي في سياق المستجدات التي شهدها الحزب بانتخاب العثماني زعيماً له وعدم تمكين بنكيران من ولاية ثالثة.
ويتساءل متابعون إن كانت تصريحات بنكيران التي يهاجم فيها بشكل غير مسبوق زعيم حزب يشارك في الحكومة ويشغل منصب وزير الزراعة والصيد البحري، وأحد المقربين من دائرة صنّاع القرار في المملكة، تهدف لـ"التشويش" المتعمد على مسار الحكومة التي يقودها العثماني بعد أن فشل بنكيران في تشكيلها بسبب حزب أخنوش.

المؤيدون لهذا الطرح يتحدثون عن محاولة بنكيران تسجيل نقاط لصالحه أمام قواعد حزب "العدالة والتنمية"، وفي الوقت نفسه إظهار أنه فاعل سياسي لم يمت بعد، وأنه لم ينسحب من المشهد الحزبي والسياسي، ولم يغيّر استراتيجيته المعروفة بالصراحة الحادة أحياناً في انتقاد خصوم الحزب مهما كان موقعهم، بدليل توجيهه انتقادات صريحة إلى "محيط الملك" عندما دعاهم إلى الكف عن مضايقة الحزب.

هذه الرواية لتفسير تصريحات بنكيران ضد حزب يشارك في الحكومة، وضد "المحيط الملكي"، ترفضها رؤية أخرى لمستجدات الوضع السياسي في البلاد، وذلك بأن هجوم بنكيران لم يكن عملاً فردياً من تلقاء نفسه، بل كان مُعداً له بعناية مع زعيم الحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، في محاولة من أجل لملمة أوراق الحزب المبعثرة.
تبعثر أوراق "العدالة والتنمية" وتراجع قوته الانتخابية غير خفيين عن مراقبي المشهد السياسي، خصوصاً بعد تسجيل هزائم متتالية في عدد من الدوائر الانتخابية في الانتخابات الجزئية المعادة، فيما أحرز حزب "الأحرار" انتصارات حزبية، وهو ما يفسر حديث أخنوش عن يقينه بتصدر الانتخابات المقبلة، فيما يبدو أن بنكيران يحاول العودة إلى المشهد للحد من "زحف" خصمه "الأحرار".

الاتفاق الضمني بين بنكيران وقيادة حزبه على خروجه المثير للجدل في هذا التوقيت بالضبط، يجد البعض مسوغه في أن بنكيران صمت طويلاً ولم ينطق بأي كلمة حيال ما حصل بعد إعفائه باستثناء تصريحات متفرقة له تفيد بأن الإعفاء الملكي كان ضربة قاسية وأنه استفاق منها، بدعوى أنه يرفض توريط خلَفه العثماني، لكنه يبدو أنه قرر أخيراً كسر هذا الصمت ومهاجمة "التحكّم".
وفي محصلة الموضوع لا يمكن أن تمر تصريحات بنكيران الجديدة، التي وجّه فيها اتهامات مشوبة بنوع من التحدي لعدد من الجهات، على رأسها "المحيط الملكي" وحزب "الأحرار" المشارك في الحكومة، من دون أن تثير تداعيات مستقبلية على انسجام الحكومة، كما أنها ستلقي بظلالها على البيت الداخلي للحزب الذي بالكاد التأمت جراحه بعد أن انتهت زعامته إلى العثماني وسحب البساط من تحت قدمي بنكيران.

المساهمون