المغرب إلى الاتحاد الأفريقي

المغرب إلى الاتحاد الأفريقي

29 ديسمبر 2016
+ الخط -
انشغلت قمة الاتحاد الأفريقي في يوليو/ تموز الماضي في العاصمة الرواندية، كيغالي، بإعلان المغرب عودته إلى الاتحاد، تبعه طلب رسمي في سبتمبر/ أيلول، لكن عوائق تحفّ طريق العودة، ابتداء من وجود جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) في الاتحاد، والتي أردف المغرب طلباً آخر بطردها منه، وليس انتهاءً بتعنت رئيسة هذا التجمع، نكوسازا دلاميني زوما، المتهمة بتأجيل توزيع الطلب على الدول الأعضاء، حتى تعوق حضور المغرب القمة الأفريقية في يناير/ كانون الثاني 2017 في أديس أبابا. وترى الرباط أنّ زوما تخدم أجندة بلدها جنوب أفريقيا، والجزائر ونيجيريا، الدول الداعمة "بوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب، وتقف في وجه عودة المغرب إلى الاتحاد الذي انسحب منه في 1984 احتجاجاً على قبول عضوية "الجمهورية الصحراوية" التي شكلتها "بوليساريو".
يعمل المغرب حثيثاً على تعزيز الجهود الشعبية والدبلوماسية لتوطيد علاقاته مع القارة الأم بعد طول جفاء. وقد زار الملك محمد السادس رواندا وتنزانيا وإثيوبيا، شرق القارة السمراء، والتي لا تُصنّف ضمن المجال التقليدي للعلاقات المغربية الأفريقية. ولم يكتفِ الملك بدقّ الطبول هناك، وإنّما أمر بالتمدّد الدبلوماسي، بتعيين سفراء في دول أفريقية كانت بلاده شبه غائبةٍ عنها. كانت فرصة للمغرب أن يظهر بثوبه الأفريقي، ذي الألوان الحارّة، والذي طالما تلون بألوان أخرى. هذه الجهود حرّكها إدراكٌ تأخّر 32 عاماً، حتى وصل المغرب إلى اكتشاف ضرورة العودة إلى مكانه الطبيعي في أفريقيا، ووداع الكرسي الشاغر في الاتحاد الأفريقي.
وعلى الرغم من تعقيداتٍ كثيرة، تبدو عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي شبه مؤكدة. وكان المغرب، زمناً طويلاً، أوروبي الهوى، بحكم القرب الجغرافي، والتواصل على كل المستويات مع أوروبا. وفي الوقت نفسه، لم تستطع القارة السمراء تجاهل أفريقية المغرب، العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الأفريقية، والناشط في تعاون دول (جنوب – جنوب).
وإذا كان سبب تصاعد النزعات الانفصالية السعي إلى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الذي تغذّيه دول معينة، حتى يتم رسم حدود العالم من جديد؛ فإنّ "بوليساريو" تقف أبرز الأمثلة الانفصالية في المغرب العربي، وتُوصف بأنّها صنيعة دولة جارة، للحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي. ولهذا تتصدّى الجزائر لعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، ما يظهر الجزائر وكيلاً "للجمهورية الصحراوية"، يعلو صوتها بالتراشق الإعلامي نيابة عنها. وتذهب الجزائر إلى أكثر من ذلك بصياغة مبرّرات رفض الاتحاد الأفريقي عودة المغرب وإرجاعها إلى مبادئ الاتحاد، إضافة إلى مواقف رسمية ومواد في الدستور المغربي تعبر عن "أطماع توسعية"، تتعارض مع المبادئ التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية، والاتحاد الأفريقي لاحقاً. كما تدخل قضية تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الأفارقة مزايدة سياسية بين الجارتين. وفوق هذا وذاك، يبدو أنّ المغرب يتحرّك وفق استراتيجية تفعيل عضويته في الاتحاد مرحلة أولى، ثم جمع توقيعات دول أعضاء، في سبيل طرد "بوليساريو"، على اعتبار عدم الاعتراف بها من الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من حصول المغرب على دعم 28 دولة طلبه العودة إلى الاتحاد الأفريقي، إلّا أنّه بحاجة إلى مجهود إضافي لتغيير القانون التنظيمي للاتحاد. وقد قدّمت هذه الدول طلباً إلى إدريس ديبي، الرئيس الحالي للاتحاد، لتجميد عضوية "الجمهورية الصحراوية"، فعودة المغرب تعني خروج الأخيرة، حيث يرى المغرب أنّ "بوليساريو" التي تحتضنها الجزائر تتجه نحو التقرّب من المجموعات المتطرّفة. في حين يرى بعضهم أنّه لن يتم عزل "بوليساريو" أفريقياً. ولكن، يُحتفظ بالكيان الذي يلقى تشجيعاً غربياً لإيجاد نوعٍ من التوازن في إقليم المغرب العربي والقارة الأفريقية.
يستمدّ موقف المغرب قوته من الظروف الدولية والإقليمية بالتوسّع الدبلوماسي الذي حققه في غرب أفريقيا، وصولاً إلى الدول الأفريقية الناطقة بالإنجليزية. ويُحسب لصالح المغرب طرحه مبادرة الحكم الذاتي، مع الاحتفاظ برموز السيادة المغربية لإنهاء نزاع الصحراء، ما يعكس جدية المشروع الذي يجمع بين مطلبي الوحدة والاستقلال في مقابل الركود الذي يطبع مواقف الطرف الآخر.
قد يعود المغرب، وقد تبقى "بوليساريو" في كنف الاتحاد الأفريقي. ولكن، لن يخمد النزعة الانفصالية سوى العمل على تقوية كيان دول المغرب العربي في ظل الاتحاد الأفريقي على نسق كل التحالفات الإقليمية التي أثبتت نجاحاً، وضمنت استقراراً لشعوبها.

8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.