المغامرات التعيسة للديمقراطية

المغامرات التعيسة للديمقراطية

31 مارس 2015
+ الخط -
مقتطف من كتاب مشترك بين إدغار موران وطارق رمضان : "تحت خطر الأفكار"
- طارق رمضان : ثمّة نقطة لا أظننا متفقين حولها. وأود أن أعرف وجهة نظرك بصددها. حين أتمعّن في أزمات العالم العربي، ينتابني القلق، بل الذهول. يتواجه العلمانيون والإسلاميون عبر نقاش عقيم، حيث يبرّر كل طرف صحّة موقفه من خلال نقد المعسكر المضاد. لكن الأمر لا يعدو أن يكون، مجرد سياسة انفعالية، وتغذية للمخاوف، ومزايدات على مواقف الضحية : ففي تونس ومصر وفي كل المنطقة، تدور نقاشات مزيفة أيديولوجيّاً ومشبعة بنكهة شعبوية. يتمّ كل ذلك بينما تضرب الأزمة تلك البلدان في الصميم. لا نجد حديثاً عن محاربة الرشوة، ولا ذكرًا للاختيارات الاقتصادية، أو للنماذج التربوية، أو لدور النساء، أو لدور الثقافة، إلى آخره. ونتيجةً لذلك، فإن الأسئلة والقضايا الحقيقية تظلّ غائبة ومغيبة، فيما يحتدم النقاش حول بنى الدولة وتحرير الدساتير.
إلى حدّ ما، انتهينا جميعًا إلى قبول الدور الرئيس الذي تقوم به مؤسّسات بريتون وودز، أقصد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. على الديمقراطية أن تخرج منتصرة من هذا التطور، الذي لا يعدو كونه في الواقع مجرد استلاب في ثوب جديد.
أعيش في الغرب كما أنني أوروبي، وألاحظ يوميًا واقعين لا يمكن التغاضي عنهما إن أردنا الحديث عن الديمقراطية أو الحرية ؛ الأوّل هو الهيمنة الكبيرة للدورالاقتصادي على باقي البنى السياسية. نستطيع الكلام عن الديمقراطية وعن سلطة الدولة، لكن تبقى هذه السلطة نسبيةً، مقابل "سلطة" الشركات المتعددة الجنسيات، والمصارف والتكنوقراط التي هي في الحقيقة سيدة اللعبة. أمّا الواقع الثاني فوثيق الارتباط والصلة بالأوّل: كان من نتائج العلمانية، فصل الدين عن الدولة، وكانت تلك خطوة هائلة.
لكننا نلاحظ اليوم، أن مكانة الدين لم تبقَ شاغرة، وأن سلطة الاقتصاد هي التي تفرض "عقائدها" على الدولة. بيد أن هذه السلطة تمثّل كلّ شيء ما عدا كونها ديمقراطية. إذ إن القرارات أبعد من أن تكون شفّافة وقائمة على التشاور. وقد سبق للرئيس، بيل كلينتون، أن صرّح يومًا بأن واحداً في المائة من السكّان هم الذين يحكمون الولايات المتحدة الأميركية، وكان يشير بذلك إلى الأثرياء، إلى عالم المال والاقتصاد. كنا نطمح إلى دولة متحرّرة من مراقبة الدين، وها نحن نراها، اليوم، واقعةً تحت مراقبة "الكنيسة الجديدة" للاقتصاد والمال. فكلّ الدول تجد نفسها مخنوقة الأنفاس وذات هامش حرية ضيّق.
ونتيجة ذلك مخيفة جدًا : تفويض الدولة للسلطات الممنوحة إلى المواطنين يبقى نسبيًا، إن لم يكن هامشيًا وتخيليًا. أمّا الشفافية فهي مفقودة. والجوهر الديمقراطي لمسلسل القرارات، غالبًا ما يكون خدعةً. لقد أصبح غياب الأخلاق في السياسة للأسف هو القاعدة.

- إدغار موران: المسلسل الديمقراطي في بلداننا متكلّس، ويفتقد التعددية. لقد بلغت الرشوة درجات قصوى. لم يصب المواطنون بالإحباط فحسب، بل أصبحوا يفتقدون وسائل إخبار ومعلومات عن قضايا علمية وتقنية مثل القضية النووية على سبيل المثال. لو عدنا إلى "الربيع العربي"، فإن العناصر النشطة والمحركة لهذه الصحوة، كانت قبل كلّ شيء، الشباب "الحديث". فلنطلق عليه اسم الشباب "العلماني" لأنه ليس متدينًا. فالشباب المصري الذي شاهدناه في أحد أفلام يوتيوب كان يجرّ أشخاصًا بالغين إلى ميدان التحرير. هو الذي أنجز الثورة التي أفضت إلى تنظيم انتخابات. وهذه الأخيرة أدّت إلى صعود أحزاب ذات توجهات دينية إلى السلطة، تمامًا كما توجد في أوروبا أحزاب ديمقراطية - مسيحية. وكان التخوّف أن تحاصر الأحزاب الإسلامية، بمجرد وصولها إلى السلطة، المسلسل الديمقراطي.
وفي الجزائر مُنع الإسلاميون باسم الديكتاتورية من إقامة ديكتاتوريتهم، هنا المفارقة الكبرى. إن وضعية هذه البلدان اليوم، وضعية اعتباطية، قلقة، مهزوزة. فالأزمتان الاقتصادية والسياحية تستفحلان باستمرار. وفي العمق، فإن المعضلة ليست معضلة دين، بل هي تخص، في ظنّي، قضية التوازن بين التقليد والحداثة، بين التقليد والتنمية. ولكلّ من هذه المفاهيم، محاسنها ومساوئها. بيد أن تطبيق النموذج الحداثي الغربي وهدم القيم الأساسية والثروات الثقافية لبلدٍ ما، مسألة بشعة. وأظنّ أن الحلّ يكمن في إنقاذ ما هو حسن من التقاليد. انظروا لما يحدث في المغرب، الذي بدأت تتآكله عقلية الربح والفائدة. إذن ثمة قيم لا بدّ من إنقاذها، وأهم هذه القيم في نظري ؛ حقوق الإنسان والحريات، وأيضًا شرطة وعدالة غير فاسدين، وهي قيم مضافة لا توجد حتّى في الغرب.

ترجمة المعطي قبال

المساهمون