المعلّمون... ما بين قوانين الاحترام وتعميمات "الإهانة"

المعلّمون... ما بين قوانين الاحترام وتعميمات "الإهانة"

27 ابريل 2016
معلمون يطالبون بإعادة هيبة المعلم وتحسين وضعه المالي (Getty)
+ الخط -
مفارقة تبدو عجيبة للوهلة الأولى ما بين إصدار قوانين من شأنها "تعزيز" احترام المعلمين في المجتمعات، وما بين تعميمات تقلل من "هيبة" المعلم داخل المدرسة أمام طلابه، وصلت إلى حد وقوفه في قفص الاتهام، والشاكي هو طالبه الذي يتتلمذ على يديه.

هذه المفارقة، عبرت عن الفجوة في"الثقافة المجتمعية" كما يراها مراقبون وخبراء، ما بين المجتمعات التي تسعى إلى تعزيز العملية التعليمية وربطها بأسس الحضارة المستقبلية، وفي مقابلها الاهتمام برسم معالم "قرارات" لا تخدم الرسالة السامية.

ففي الأرجنتين، كان لاقتراح وزير التربية والتعليم فرض عقوبة إضافية بمقدار 25% على كل من يهاجم أو يعتدي على معلم، اهتمام خاص ضمن المقترحات المقدمة لرفع مكانة التعليم.

ووفقا لما نشرته "بي بي سي"، فإن وزير التعليم "استيبان بولريتش" وضع خطة ستضيف عقوبة أعلى بنسبة 25٪ إذا كانت جريمة ضد المعلم، حيث يعتقد أن تمنح المعلمين أول مرة حماية قانونية خاصة، وتدفع الجمهور لإظهار "الاحترام" بشكل أكبر للمعلمين.

وفي حال اعتماد القانون من قبل الكونغرس الأرجنتيني فإن ذلك يعني أن أي هجوم ضد مدرس يصبح جريمة يعاقب عليها بعقوبة مشددة، سواء بالحكم بالسجن لفترة أطول أو بغرامة مما يوازيها من مخالفات قد يقوم بها أولياء الأمور أو الطلاب بشتم وتهديد المعملين.

وهذه الخطة وضعها وزير التعليم بالتنسيق مع الرئيس الأرجنتيني، موريسيو ماكري، ضمن حملة دعم "ثورة التعليم" الحكومي في البلاد، في أعقاب انخفاض نسب الاحترام وتراجع صورة المعلمين داخل المجتمعات، فبدون المعلمين لن يكون لدينا وزراء أو رؤساء. وفقا لتصريحات الوزير بولريتش.

وتظهر دراسة حديثه لنقابة المعلمين الدوليين ATL "نشرت مؤخرا أن أربعة من أصل 10 معلمين يدعون تعرضهم للعنف في العام الماضي. وشمل ذلك التعرض للضرب والركل أو إلقاء أجسام عليهم.



معلمون بقفص الاتهام
المعلم (أ. ن)، المدرس بإحدى المدارس الفلسطينية بالضفة الغربية، والذي رفض نشر اسمه الصريح، تحسبًا للملاحقة القانونية، لم يكن لديه من الكلمات الكثير ليصف بها حال المعلمين بعد القرارات التي تم تعميمها على إدارة المدارس، والتي جعلت من بعض المعلمين يقفون في قفص الاتهام أمام شكوى طلبتهم.

يقول المعلم لـ "العربي الجديد"، في السنوات الأخيرة تم تعميم دليل "الحد من العنف بالمدارس" والذي يتضمن عدم اللجوء لبعض وسائل العقاب بحق الطلاب على التصرفات المختلفة، إلا أن مضمونها كان أكثر من ذلك، فقد سمحت هذه التعميمات للطلبة بالتطاول على المعلمين وإهانتهم.

ويتحدث عن حادثة شخصية تعرض لها، بعد أن قام بتوبيخ أحد الطلبة بسبب التأخر في الحضور الصباحي، فما كان من الطالب إلا أن استدعى أفرادا من عائلته بعد رفع شكوى لدى الشرطة.

ويضيف بالقول: بعد جلسات عدة لدى الشرطة، وتدخل العديد من الأطراف، وطلب من مديرة التربية تم التوافق على إنهاء المشكلة بإسقاط حق المعلم أمام الشرطة، وهو ما يعني فعليا عملية إذلال إضافية للمعلم.

ويختم بالقول إن سياسات المؤسسات التعليمية مؤخرا جعلت من الطالب يتساهل مع شخصية المعلم واحترامه، وهذا انعكس على طبيعة العلاقة، وكيفية إعادة مكانة المعلم أمام الطلبة.



محدّدات احترام المعلم
رفعت صباح، نائب رئيس الحملة العالمية للتعليم، وعضو ائتلاف المنظمات غير الحكومية في اليونسكو، يرى أن مفهوم "احترام المعلم يجب أن ينبثق من معيارين رئيسيين؛ أحدهما خارجي وآخر داخلي".

ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن المعيار الداخلي ينبثق من عدة مرتكزات أهمها المنظومة التعليمية التي تتمثل بـ"القيم والقوانين والإجراءات التي تعزز مكانة المعلم، وتعطيه مساحة كمعلم لتطوير استراتيجياته داخل المدرسة".

أما المحدد الثاني فيتمثل في "الثقافة المجتمعية العربية، والتي تعمل في الغالب على التقليل من قيمة المعلم والنظر له بنظرة دونية وقد يكون ذلك سببها الدخل المالي والمستوى المعيشي للمعلم بالمقارنة مع باقي الموظفين".

كما يرى، صباح، أن المحدد الثالث يتمثل في "القضايا الحقوقية، وهي الحد الأدنى من الحقوق النقابية للمدرس والتي تنعكس على الحقوق المعيشية والحاجات الأساسية من خلال وجود جسم نقابي يمثله ويدافع عنه وعن حقوقه، وهذا مفقود عربيا بشكل فعال".

أما المعيار الخارجي الذي يلعب دورا في تحديد أسس احترام المعلم، وفقا لصباح، فإنه مبني على عدة نقاط ينطلق أولها "داخل المدرسة، وطبيعة الإجراءات والسياسات التي تتيح له حرية المعرفة بحيث يواكب المعلم حالة التطور العلمي والمعرفي، فإن لم يتاح للمعلم هذه المساحة فإنه سيعيش حالة من الانغلاق والتعفن المعرفي، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مكانة المعلمة واحترامه".

فيما يأتي محدد "الثقة بالمدرس"، في المرتبة الثانية، بحيث تتولد حالة من الثقة بقدرات المدرس على تنمية الأجيال، وبالتالي يقود إلى حالة من الاحترام له داخل المنظومة التعليمية. وهذا يتوازى مع توفير "المصادر المادية التي تتيح للمدرس مساحة يمكن من خلالها تحقيق الإبداع والتميز".

شروط أساسية
ولتشكيل حالة احترام للمعلم، يرى صباح أنه لابد من توفير عدة شروط أساسية، أولها ديمقراطية النظام السياسي؛ ففي حال وجدت حالة الديمقراطية لاختيار النظام السياسي، هذا ينعكس بشكل مباشر على تقوية النظام التعليمي.

أما الشرط الثاني، فيتمثل في المشاركة المجتمعية في العملية التعليمية، وما يوازي ذلك مشاركة المعلم في رسم استراتيجيات العملية التعليمية، وهنا تحدث حالة من تكاملية البناء المؤسسي التعليمي.

كما يرى صباح أن الشرط الثالث، يتمثل في الإنتاج المعرفي من خلال حالة الانسجام ما بين توفر نظام سياسي ديمقراطي ونظام اقتصادي داعم من شأنهما فتح الأفق للإنتاج المعرفي لدى المعلم.

إضافة إلى ذلك تغير من الثقافة المجتمعية الضاغطة من حالة الاهتمام بالدرجة إلى الاهتمام بمضمون العملية التعليمية، حيث يرى صباح أن ثقافة المجتمعات العربية بشكل عامل تهتم بالدرجة التي يحصل عليها أبنائهم، دون أن يكون هناك اهتمام بالبيئة التعليمية والتي قد تكون أكثر أهمية من الحصول على العلامة.

ويطالب صباح في ختام حديثه بضرورة أن يكون هناك إطار نقابي ديمقراطي يعمل على حماية المعلم، ويساهم في توفير بيئة تساعده في تحقيق حالة الاطمئنان والاستقرار، إلى جانب تعزيز نظام الاستماع والمشاركة.





المساهمون