المعاناة ببئر العبد تتفاقم بسيطرة "داعش" على 5 قرى

المعاناة ببئر العبد تتفاقم بسيطرة "داعش" على 5 قرى

28 يوليو 2020
يأتي إخلاء القرى بطلب من الجيش (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تتفاقم معاناة مئات المواطنين الذين نزحوا من قرى مجاورة لمدينة بئر العبد في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بعد سيطرة تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" عليها منذ أيام، وذلك في أعقاب الهجوم الدموي الذي شنّه على معسكر تابع للجيش المصري في قرية رابعة. ويأتي ذلك وسط غيابٍ تام لقوات الجيش والأمن، وعدم تنفيذها أيّ عملياتٍ لطرد التنظيم من تلك القرى، واستعادة فرض السيطرة عليها. في هذه الأثناء، تتواصل عمليات النزوح من قبل السكان، بالتزامن مع حملات اعتقال وقتل ونهب، تشهدها قرى محيط بئر العبد، وهي رابعة، إقطية، قاطية، المريح، الجناين، والتي باتت تقع تحت سيطرة التنظيم منذ أسبوع تقريباً، فيما تتكاثر الدعوات لإغاثة النازحين، في ظلّ تجاهل المؤسسات الحكومية لمعاناتهم.
وكان تنظيم "ولاية سيناء" قد شنّ يوم الثلاثاء الماضي هجوماً على معسكر 118 في قرية رابعة، بالإضافة إلى هجومه على كمين عسكري فيها، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات العسكريين. وتبعت ذلك سلسلة من الهجمات التي قال التنظيم إنها تأتي ضمن عملية الاستنزاف لقوات الجيش، والتي أدّت إلى خسائر في الأرواح والمعدات في مدن رفح والشيخ زويد وبئر العبد. من جهته، لم يعلن الجيش المصري إلا مقتل عسكريين اثنين وإصابة آخرين، خلال إحباط هجوم معسكر رابعة. ونشر سكان القرية صوراً لمقاتلي "ولاية سيناء" يتجولون داخل القرية، التي خلت من أي وجود لقوات الجيش، بعد انتهاء هجوم المعسكر. وأمس الاثنين، أكدت مصادر طبية عسكري في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أيضاً، مقتل ضابط في الجيش المصري (أمس) بهجوم لـ"ولاية سيناء" في مينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء شرقي البلاد.

تستمر انتهاكات "ولاية سيناء"، من قتل وخطف واستهداف للمواطنين واستيلاء على منازلهم

وقالت مصادر قبلية في مدينة بئر العبد، لـ"العربي الجديد"، إن "ولاية سيناء" لا يزال يسيطر على القرى الخمس، مع غياب تام في المنطقة لقوات الجيش أو الشرطة، وذلك على الرغم من صرخات الاستغاثة التي أطلقها المواطنون الرافضون للنزوح، والذين يطالبون بضرورة التدخل الأمني أو العسكري الرسمي، لإنهاء معاناتهم. وتتفاقم هذه المعاناة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ووقف الخدمات، ونقص الاحتياجات الأساسية، ما يضاف إلى مأساة من نزحوا إلى المجهول، في ظل عدم وجود مأوى لهم، وتجاهل المؤسسات الحكومية المعنية في المدينة والمحافظة بأكملها لمتابعة ملفهم، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين يخضعون لابتزاز المستأجرين، أو المهددين بالمبيت في العراء، ومن بينهم عشرات المسنين والأطفال والنساء والمرضى.

ونفت المصادر كلّ الأحاديث التي جرى تداولها خلال الأيام الماضية حول تحرك الجيش المصري أو القبائل الموالية له لطرد التنظيم من القرى، مؤكدة أن الوقائع على الأرض تثبت عكس ذلك، في ظل استمرار انتهاكات "ولاية سيناء"، من قتل وخطف واستهداف للمواطنين واستيلاء على منازلهم. وبحسب هذه المصادر، فقد تجرأ التنظيم الموالي لـ"داعش" للمرة الأولى في تاريخ وجوده بسيناء، على رفع رايته في مناطق سكنية، وتمكن من قطع الطريق الدولية أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، من خلال نصب الكمائن وتفجير عبوات ناسفة عليها، ما كاد يودي بحياة مواطنين خلال تنقلهم على طريق القنطرة / العريش. كما سجلت إصابات في صفوف السكان، بعد تعرض عدد من السيارات لشظايا العبوات وإطلاق نار.
وبحسب شهود العيان، فإن الطيران الحربي المصري شنّ غارات مكثفة على القرى سابقة الذكر، ما أدى إلى وقوع خسائر مادية فادحة طاولت المنازل والمحال التجارية، وهو ما وثقته الصور التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها. ولم تصب غالبية الغارات مجموعات "ولاية سيناء"، الذي يتخذ من الظهير الصحراوي لتلك القرى ملاذاً آمناً له، إذ إنها تستهدف كثباناً رملية من دون أي وجود لمعالم سكنية أو عسكرية للتنظيم.
ورأى أحد مشايخ سيناء، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري في قرى بئر العبد، هو تكرار لنموذج ما حصل في رفح والشيخ زويد، من وقوع هجمات دموية لـ"داعش"، تبعها نزوح سكاني، وترافقت مع غياب الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية. كما تستنسخ التجربة مع ظهور الحكومة فجأة، بحسب الشيخ القبلي، من خلال تنفيذ قرار بهدم القرى بحجة مكافحة الإرهاب، وملاحقة منفذين الهجمات الدموية، وذلك بغطاء من الإعلام التابع للنظام، ووسط تجاهل لمعاناة آلاف.

مسألة عودة السكان ستكون شبه مستحيلة، في ظل الأحاديث عن رغبة الجيش في إقامة مشروع في المنطقة

ولفت المصدر إلى أن دعوة النزوح جاءت من قوات الجيش، بحجة ترك الساحة لمهاجمة الإرهابيين، في حين أن الطيران الحربي لم يفرق بين مدنيين وإرهابيين خلال تنفيذ غاراته. في المقابل، وجّه مشايخ سيناء، بحسب المصدر، دعوة إلى سكان القرى لعدم تركها، مشددين على أن مسألة عودتهم ستكون شبه مستحيلة، في ظل الأحاديث عن رغبة الجيش في إقامة مشروع حيوي في المنطقة. وقال الشيخ القبلي إنه لم يجرِ البحث في تفاصيل هذه النقطة المهمة، التي تبعث الريبة.
ووصف الشيخ القبلي، الوضع الميداني في بئر العبد بغير المسبوق، لناحية سيطرة "ولاية سيناء" على مساحات واسعة من القرى والمناطق المحيطة بها، ووصوله إلى الطريق الدولي، ونصبه كمائن لقتل عسكريين ومدنيين متعاونين مع الأمن، بالإضافة إلى اختطاف مطلوبين له، وذلك من دون أي حراك من الدولة ممثلة بالجيش الناشط على الأرض، وكذلك وسط غياب المنظومة الإعلامية الرسمية والمحلية عن الأحداث.

المساهمون