المعارضة والسلطة في الجزائر: المواجهة إلى الشارع

المعارضة والسلطة في الجزائر: المواجهة إلى الشارع

26 فبراير 2015
آلاف الشرطيين استنفروا في مواجهة المعارضين (فرانس برس)
+ الخط -
لم تستطع المعارضة ولا السلطة في الجزائر، حسم جولة المواجهة الأخيرة، يوم أمس الأول، لصالح أي منهما، بعدما خرجت المعارضة إلى الشوارع، الثلاثاء، احتجاجاً على توجّه الحكومة إلى استخراج الغاز الصخري في الجنوب.

تكتل "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي" المعارض، الذي دفع بقيادته ومناضلي الأحزاب المنضوية فيه إلى الشارع، نجح في إخراج الآلاف من عناصر الشرطة والأمن إلى الساحات لإقفالها أمام أنصار أحزاب التكتل المعارض، أكثر ممّا نجح في حشد وتعبئة الجماهير لمساندة مطالب سكان منطقة الجنوب الرافضين لاستغلال الغاز الصخري.

غير أن المعارضة لم تخفق في تسجيل هدف ثمين لصالحها، في هذه المواجهة، إذ استحوذت على كل الاهتمام الاعلامي المحلي والدولي، على حساب الاحتفاليات الرسمية التي نظّمتها السلطة لمناسبة ذكرى تأميم المحروقات في 24 فبراير/ شباط 1971 من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين.

وقد يُحسب هذا التحرك بمثابة إخفاق سياسي للمعارضة في حال تم الأخذ بعدد المشاركين في التحركات التي نظمتها المعارضة في العاصمة الجزائرية أو في المدن والمحافظات الأخرى، لكن اللافت أن تكتل المعارضة اعترف قبل تنظيم هذه الاحتجاجات، بعدم القدرة على الحشد في الشارع، ليس بسبب عجز سياسي أو شعبي، لكن ظروفاً وعوامل عديدة تمنع الجزائريين، بمن فيهم المتعاطفين مع قوى المعارضة ومواقفها، من الخروج إلى الشارع.

فتذكُّر مشاهد الأزمة الأمنية وتداعياتها الوخيمة على حياة الجزائريين، والمخاوف على نعمة السلم التي تحققت بعد أزمة دامية، والإخفاقات القاسية التي عرفتها تجارب الحراك الشعبي في بعض الدول العربية، تدفع الجزائريين إلى الإحجام عن الخروج إلى الشارع، وهو ما تستثمر فيه السلطة بقوة.

لكن المعارضة تصرّ مع ذلك على مواصلة الانخراط في مسعى قلب المشهد السياسي، والعمل على تقويض شرعية السلطة ومؤسسة الرئاسة، والتشويش على المساعي والخطط السياسية التي تنفذها السلطة، بما فيها تلك المتصلة بإعلان مسودة دستور وصفه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالتوافقي، وبالداعم لحق المعارضة في الاعتراض والتعبير عن مواقفها. غير أن المعارضة لا تثق في وعود بوتفليقة والمؤسسات الحاكمة في الجزائر التي يضيق صدرها بكل حراك تنجزه المعارضة على الأرض.

إقرأ أيضاً: الجزائر: أربعة إخفاقات وراء تأجيل مؤتمر "الوفاق"

ويقول جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد"، العضو في التكتل، "كيف لسلطة تمنع المعارضة من إقامة ندوة داخل فندق، ومن تنظيم مسيرات ووقفات للتعبير عن مواقفها، وتمنع كتل المعارضة في البرلمان من الحق في الممارسة الرقابية ومن تشكيل لجان تحقيق برلمانية، أن تمنح المعارضة حقوقاً في الدستور المقبل؟".

وفي السياق نفسه، يسأل المتحدث باسم حركة "النهضة"، محمد حديبي، "هل يمكن لمعارضة عاقلة أن تصدّق وعود سلطة تمارس عليها كل أنواع التضييق والإقصاء، وترفض السماح لها بالتعبير عن مواقفها بالطرق السلمية في البرلمان أو في المؤتمرات أو الشارع؟".

وترى كتلة المعارضة أن تحركات الثلاثاء الاحتجاجية كانت ناجحة، إذ ثمّنت تنسيقية الانتقال الديمقراطي "المناضلين الذين لبّوا النداء في كل الولايات وخارج الوطن وانضباطهم على الرغم من التحرشات والاستفزازات الممارسة ضدهم وتوظيف وسائل الدولة التي هي ملك للشعب، من هيئات ومنظمات نقابية وطنية ووسائل إعلامية عامة وسلطات إدارية مركزية ومحلية ومال عام من أجل التشويش على هذه الوقفات السلمية".

وجدد تكتل المعارضة دعوته لمواصلة النشاط والنضال السياسي بمختلف الوسائل القانونية والسلمية من أجل تحقيق مشروع الانتقال الديمقراطي، كما دان، في بيان صدر عقب اجتماع لقياداته، ما وصفه "بالظلم الممارس ضد المواطن علي بلحاج ومنعه من التحرك بحرية في غياب أي مانع قانوني، وضد كل المضايقات التي يتعرض لها الناشطون الحقوقيون والسياسيون".

وانتقد "توظيف السلطات العامة لقوات الأمن لخنق الحريات الفردية والجماعية بطريقة تعسفية، على الرغم من رفع حالة الطوارئ، واستعمال مؤسسات الجمهورية خارج صلاحياتها الدستورية والاعتداء الجسدي الذي لم يسلم منه حتى رؤساء الأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية".

وبغض النظر عن المواقف المتشنجة لطرفي الصراع السياسي في الجزائر، فإن تحذيرات من أطراف محايدة، بدأت في البروز بشأن المخاوف من تزايد العنف الكلامي بين الطرفين.

ويرى المحلل السياسي رضوان بن عطاء الله، أن الفاعليات السياسية التي شهدتها الجزائر، الثلاثاء الماضي، بين المعارضة والسلطة والأحزاب الموالية لها، شكّلت منعطفاً لتجدّد العنف اللفظي، محذراً من أن "تزايد هذا العنف بين الطرفين قد يدفع الأمور إلى التأزم وإلى نقطة اللاعودة، ويزيد من تأزم المأزق السياسي في الجزائر، وحينها تتعقد المشكلة، ويصعب الجلوس على طاولة الحوار، وتُسدّ كل منافذ التوافق والإجماع".

ويلفت إلى أن "ما شهدته الجزائر من تظاهرات للمعارضة، واجهتها السلطة بالقمع والعنف، وهو ما يؤكد اتساع الهوّة بين المعارضة والسلطة، في انتظار جولة جديدة من المواجهة السياسية بين الطرفين".