المعارضة المصرية والكيان "المنشود"

المعارضة المصرية والكيان "المنشود"

07 مارس 2017
+ الخط -
استعرض مقال سابق لصاحب هذه السطور في "العربي الجديد" أبرز الإشكاليات الفكرية التي تواجه المعارضة المصرية في الخارج، وفي القلب منها المعارضة الإسلامية. هنا محاولة لتسليط الضوء على الإشكاليات التنظيمية التي تواجهها بعد ست سنوات على ذكرى تنحّي حسني مبارك.
وإذا بدأنا بتحالف دعم الشرعية، والذي تشكل قبل فترة وجيزة من انقلاب "3 يوليو" في العام 2013، باعتباره أول كيان تم تشكيله لتمثيل القوى الرافضة للانقلاب في الداخل، فسنجد أنه، منذ تدشينه، كان قاصرا على القوى ذات المرجعية الإسلامية بشتى توجهاتها الإخوانية والسلفية والجهادية والجماعة الإسلامية، والوسط وغيره، فالتحالف بدأ بعشرة أحزاب وقوى إسلامية، هي الإخوان المسلمون، البناء والتنمية (الجماعة الإسلامية)، الأصالة، الفضيلة، الجهاد الإسلامي، الإصلاح، بالإضافة إلى أربع قوى أخرى، انسحبت لاحقاً لأسباب مختلفة، هي الاستقلال (حزب العمل)، بسبب الموقف من إسرائيل والصهاينة، والوسط، والوطن، بسبب الرغبة في البحث عن مظلة أوسع من الإسلاميين، وانسحبت الجبهة السلفية بعد رفض التجاوب مع انتفاضة الشباب المسلم 2015، ورفض الآخرين المشاركة، كما أن الجماعة الإسلامية هددت بالانسحاب، بهدف تشكيل الكيان الأوسع، لكن قرار التصويت لجمعيتها العمومية جاء بالأغلبية لصالح البقاء في التحالف الذي ظل يقود كل الفعاليات المناهضة للانقلاب في الداخل، حتى تم التضييق عليه، سواء كأحزاب، بعد قرار اعتبار أحزابه إرهابية، أو من خلال اعتقال قيادات عديدة فيه، ممثل "الإخوان" محمد علي بشر، وممثل حزب الاستقلال مجدي قرقر، وغيرهما.

وقد واجه التحالف عدة إشكاليات، أبرزها فكرة الهيمنة الإخوانية وهاجس عدم الثقة، فالقوى غير الإخوانية فيه اتهمت "الإخوان المسلمين" بالسيطرة عليه، بحشد مؤيديها على أرض الواقع، من دون التنسيق معهم. وفي المقابل، اتهم "الإخوان" هؤلاء بأنهم يقومون بأنشطةٍ من دون علمهم. ومع بروز المجلس الثوري في أغسطس/ آب 2014، استمرت هذه القوى في اتهامها "الإخوان" بسحب البساط من التحالف، لصالح المجلس الثوري الذي تهيمن الجماعة عليه. ولم تكن هذه هي نقطة الخلاف الأساسية، فقد برزت نقطة أخرى، لا تقل عنها أهميةً هي فشل التحالف في ضم الكيانات المدنية الليبرالية واليسارية إليه، بل لوحظ حدوث انسحابات منه لهذا السبب (الوسط والوطن تحديدا)، بل كان ذلك أحد أسباب تفكير الجماعة الإسلامية في الانسحاب منه.
ولعل هذه السلبية هي التي أدت إلى التفكير في إنشاء الكيان الثاني للمعارضة، وهو المجلس الثوري، باعتباره يمثل الجناح الخارجي للتحالف من ناحية، وحرصه على ضم أطياف أخرى من غير الإسلاميين، في إطار توسيع مفهوم الاصطفاف الوطني، من ناحية ثانية. وعلى الرغم من حرص المجلس، منذ تأسيسه، على وجود هيكل تنظيمي، أكثر وضوحاً من التحالف، فضلا عن ضم أفراد من توجهات مختلفه في إطاره التنظيمي الأعلى، إلا أن هذه الأمور لم تدم طويلا، فقد انتقلت إشكاليات التحالف إليه، حيث تم اتهام "الإخوان" كذلك بالهيمنة عليه، كما تم اتهامه بالفشل في تحقيق الاصطفاف، فضلا عن احتكار الحديث باسم الثورة. وبالتالي، بدلا من توسيع المجلس، كانت هناك حالة من الانسحابات، ربما أكثر من التي شهدها التحالف، حيث انسحب منه كل من الحزب الإسلامي، الإصلاح، والأصالة، وكذلك البناء والتنمية. وبمعنى آخر، لم يبق من قوى التحالف في المجلس سوى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الفضيلة، فضلا عن بعض الشخصيات اليسارية والليبرالية، منها مها عزام رئيسة المجلس (ليبرالية) والمهندس محمد كامل (ناصري)، وانسحبت منه شخصيات إخوانية وغيرها، بسبب التباينات بشأن أسلوب الإدار ، فضلا عن بعض التباينات الشخصية، فقد استقال نصف أعضاء المكتب التنفيذي، منهم من "الإخوان" رئيس المكتب السياسي، عمرو دراج، وقطب العربي، ومن الشباب ياسر فتحي، وأحمد البقري، ثم رئيس اللجنة الإعلامية وذو التوجهات اليسارية، أحمد الشرقاوي .
وإزاء هذه التباينات، وتواضع الأداء بالنسبة لهذين الكيانين، بات على قوى المعارضة في الخارج، إذا أرادت لعب دور فاعل في "إسقاط الانقلاب وفق بياناتها العديدة"، البحث عن كيان منشود أكثر اتساعا "قدر الإمكان"، يضم شتاتها، مع تقييم دقيق للكيانات الراهنة. لكن، قبل هذا وذاك، هناك أمور وإشكالات لا بد من أخذها في الحسبان، أبرزها:
أولا، مدى توفر الإرادة السياسية للوحدة والاصطفاف، إذ لا زال ميدان القول غير ميدان الفعل، بدليل عدم تمكّنها من تشكيل كيان أوسع حتى هذه اللحظة، بل التباين حول المبادئ الرئيسة المتفق عليها فيما بينها. ثانيا، إعادة رفع الواقع في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية، ووضع رؤيتها للاصطفاف في إطار ذلك. ثالثا، تحديد أولوياتها بدقة، فعلى سبيل المثال، بالنسبة للإخوان، باعتبارها الفصيل الأكبر والأكثر ضررا، في الوقت نفسه، منذ الانقلاب. بات على الجماعة الإجابة عن تساؤلات مبدئية، ستكون محددة لأجندة الاصطفاف وموقفها منه، أبرزها بشأن أولوياتها في إطار الأوضاع الراهنة، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الانقلاب، هل هدفها الأول حماية الفرد أم الأسرة أم الجماعة أم الحكومة أم الدولة. ولعل الإجابة تحل مسائل شائكة كثيرة مع قوى المعارضة، فلو كان الهدف الفرد أو الأسرة أو حتى الجماعة، لن تكون قضايا الحكم وهوية الدولة والشرعية من القضايا الرئيسية الحرجة، أما إذا كان الهدف هو الحكم والسياسة والدولة، فلا شك أن هذه القضايا الحرجة ستحتاج إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأنها مع باقي قوى المعارضة الأخرى. رابعا: الاصطفاف حول أجندة
مشتركة، والدخول في التفاصيل وعدم الاكتفاء بالمبادئ العامة المشتركة التي تبدو هيمنتها على المشهد حتى هذه اللحظة. خامسا: أهمية البحث عن بدائل وعدم الاكتفاء بالمسار الثوري، فأي خطط لا بد أن تشتمل على خياراتٍ بديلة، لاسيما في ظل ظروف الوضع الراهن، اللهم إلا إذا كان النظر إلى القضية في إطار المعادلة الصفرية الحدية. خامسا: ضرورة معالجة المشكلات الهيكلية، ومنها ضرورة إقامة الكيان الجامع للمعارضة، وما يرتبط به من إشكاليات، مثل نسب التمثيل، طريق اتخاذ القرارات وغيرها. سادساً، فهم إشكاليات العلاقة بين النظم المدنية والعسكرية وكيفية إطاحة الانقلابات على المستوى العالمي، فتحديد إطار العلاقات المدنية العسكرية يتوقف على ثلاث فئات رئيسية، هي العسكر والنخبة المعارضة ثم الشعب، وكلما كانت النخبة المدنية ضعيفة، كانت هناك صعوبة في إطاحة الانقلاب العسكري، أو حتى التوصل إلى صيغة ديمقراطية مقبولة، أو بمعنى آخر، هناك صعوبة في الحديث عن عملية تحول ديمقراطي حقيقي، لا سيما أن أحد أسباب تحديد هذا التحول الانقلابي إلى الحكم الديمقراطي هو طبيعة النظام الذي تم الانقلاب عليه، فكلما كان مدنياً ديمقراطياً، كـ "حالة محمد مرسي"، صارت احتمالية تحول العسكر إلى الديمقراطية محدودة، عكس ما إذا وقع الانقلاب ضد نظام استبدادي. وبصفة عامة، هناك صعوبة في تحول النظم العسكرية إلى مدنية، إلا في حالات نادرة. وفي دراستهما الانقلابات العسكرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945 إلى العام 2008، رصد كونتي دي مارشال ودونا مارشال 247 انقلاباً، تحول 14 منها فقط إلى الديمقراطية. ما يعني، أن مستقبل أي نظام، حتى وإن كان انقلابياً يتوقف على عوامل عديدة، منها قوة المعارضة داخلياً والضغوط الخارجية، بحيث يمكن أن نكون أمام نظام تسلطي أو هجين "ديمقراطية شكلية"، أو ديمقراطية مدنية حقيقية.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.