المعارضة السورية تواجه حرب وجود في ريف اللاذقية

المعارضة السورية تواجه حرب وجود في ريف اللاذقية

14 ديسمبر 2015
سيطرت المعارضة سابقاً على عدة مناطق بريف اللاذقية(أمين سنسر/الأناضول)
+ الخط -

يشهد ريف اللاذقية حرباً وجودية تهدّد مقاتلي المعارضة السورية، بعد مضي أكثر من شهرين على أعنف حملة عسكرية برية وجوية بدأها النظام السوري مع روسيا لاستعادة مناطق الساحل السوري المحررة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات.

أدركت روسيا مبكراً أن الهدف الذي جاءت من أجله، وهو منع سقوط النظام السوري، لن يتحقق إلا بإبعاد المعارضة عن المناطق التي سيطرت عليها الأخيرة في ريف اللاذقية، خصوصاً بعد سيطرة "جيش الفتح" على مساحات واسعة في الشمال السوري خلف جبلي التركمان والأكراد، ما جعل خطوط الإمداد مفتوحة حتى مدينة حلب. وكذلك سعت موسكو لحماية قاعدتها العسكرية في قرية حميميم بريف اللاذقية التي تطالها صواريخ "الغراد" من مكان تمركز المعارضة في جبال الساحل.

في سبيل ذلك، بدأت روسيا مع النظام السوري منذ ذلك الحين، هجوماً من ثلاثة محاور لاستعادة جبال ريف اللاذقية الشمالي، بحيث تسعى في المحور الأول للوصول إلى قمة برج القصب في جبال الأكراد، وهي من القمم الاستراتيجية البارزة في ريف اللاذقية، بسبب ارتفاعها وإطلالها على طريق اللاذقية حلب، وكشفها لمعظم جبل الأكراد. وقد وصلت قوات النظام إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من القمة، التي تعدّ من أولى المواقع التي سيطر عليها "الجيش السوري الحر" في ريف اللاذقية، بعد السيطرة على جبل وقرية غمام، وجبل وقرية الزويك، وقريتي دير حنا والدغمشلية.

في سياقٍ موازٍ، فتحت قوات النظام مع روسيا معركة في تلال جب الأحمر الاستراتيجية شرقي جبل الأكراد، وقد سيطرت على التلال، إضافة إلى جبل عرافيت، وضَمِن لها ذلك الإطلال على جبل الأكراد وفتح الطريق باتجاه بلدة السرمانية في سهل الغاب، وبالتالي حماية المعقل العسكري الأبرز للنظام المتمثل بقرية بمعسكر جورين، ومنع فصائل المعارضة من الوصول إليه. كما يعني ذلك أن النظام يستطيع فتح معركة في مدينة جسر الشغور، فضلاً عن تحوّل هذه التلال إلى مركز للقصف على معظم مناطق سهل الغاب وجبل الأكراد.

وقد تمكنت قوات النظام في ظل الدعم الروسي الواسع جواً والهجوم المتزامن على المحورين السابقين، من ضمان جبل دورين في بدايات التدخّل العسكري الروسي في سورية، ثم السيطرة على المناطق الجنوبية لتلال جب الأحمر والأوتوستراد الدولي اللاذقية - حلب، الممثلة في كل من قرى المغيرية وكفر عجوز وكفردلبا، وهذه المناطق تشرف على بلدة سلمى التي لا تبعد عن كفردلبا سوى كيلومترين.

وتُعتبر بلدة سلمى أبرز معاقل قوات المعارضة، وهي من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام في الساحل. وتبعد البلدة عن مدينة اللاذقية نحو 48 كيلومتراً، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً، وبالتالي فإنها تكشف مساحة واسعة من جبل الأكراد. وتُعدّ سلمى مفتاح سيطرة النظام على الجبل، ومن خلالها يتقدّم ليسيطر على جبل النوبة وبرج القصب.

اقرأ أيضاً: داود أوغلو: روسيا تسعى لتنفيذ تطهير عرقي في اللاذقية

أما المحور الثالث المتمثل في جبل التركمان، فهو الأكثر حساسية لوجود القومية التركمانية فيه، إضافة إلى قربه من الحدود السورية التركية، وقد أحدث الجبل موجة توتر عالية بين روسيا وتركيا، بعد إسقاط الأخيرة مقاتلة لموسكو من طراز "سوخوي 24".

وبعد تحوّل الجبل إلى معركة كسر عظم بين روسيا وتركيا، تمكّن النظام بفعل القصف الروسي العنيف، من السيطرة على أعلى قمة في جبل التركمان قبل أسبوع، وهي قمة جبل الزاهية التي تحوّلت إلى مسرح للمعارك. ويبعد الجبل مسافة خمسة كيلومترات من الحدود التركية، وتعني سيطرة النظام عليه أنّ منطقة جبل التركمان، بما فيها الحدود التركية، ومعبر اليمضية، ومخيمات الحدود، ستصبح في مرمى نيران قوات النظام، ويبلغ ارتفاع الجبل 1154 متراً. وسيطرت قوات النظام بالإضافة إلى القمة الاستراتيجية، على قرية عطيرة شمالاً، وجبل الكوز غرباً.

واتهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، قبل بضعة أيام، موسكو بالسعي لتنفيذ عملية تطهير عرقي عبر الهجوم الذي تشنه على جبل التركمان، شمال محافظة اللاذقية السورية، موضحاً أن "الروس ونظام الأسد يعملون على طرد السنّة والتركمان من اللاذقية لحماية قواعدهم العسكرية فيها، إذ تعمل روسيا على تطهير عرقي في اللاذقية".

ويبدو إلى الآن أن هناك محدودية بالنسبة لخيارات المعارضة السورية لاستعادة المناطق التي خسرتها لصالح النظام وروسيا في الحملة العسكرية الأخيرة، وسط مخاوف من تقدّم إضافي. ويرجع هذا التراجع إلى مجموعة من الأسباب، أهمها سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها روسيا مع النظام في السيطرة على الجبهات، إذ غالباً ما يتم دك أي منطقة بصواريخ جوية وبرية مترافقة مع قصف بالدبابات وقذائف الهاون، فيضطر مقاتلو المعارضة إلى الانسحاب. وقد أدى ذلك إلى مقتل عدد من قادة المعارضة في الساحل، كان آخرهم قائد "لواء النصر" في "الفرقة الساحلية الأولى" عقيل جمعة، ونائبه أبو الوليد الجبلاوي. ويُعتبر جمعة من أكثر المقاتلين خبرة في ريف اللاذقية وقد نُعي من معظم الفصائل السورية.

كما أن النظام عمد في الآونة الأخيرة إلى سلسلة من الخطوات لتعويض النقص البشري في ريف اللاذقية خصوصاً، عبر تشكيل "لواء المدنيين"، ووعد اللواء بمكافآت مجزية، ومهمته تأمين طرق الإمداد والنقاط الجديدة التي سيطر عليها النظام في الساحل. وسبق ذلك تشكيل غرفة عمليات بمشاركة روسية وتواجد مليشيات متنوعة، أبرزها "صقور الصحراء"، و"المقاومة السورية لتحرير لواء اسكندرون"، ومليشيا "كتائب البعث"، و"حزب الله" اللبناني ومليشيات "الدفاع الوطني" في اللاذقية.

يضاف إلى ذلك، تحوّل الكثير من المقاتلين والفصائل العسكرية عن الساحل في الأشهر الماضية بسبب الجمود العسكري وندرة المعارك، وتحوّل مقاتلي الكتائب الإسلامية لدعم "جيش الفتح" في حلب وإدلب وحماة، وقلة المؤازرات في الساحل، في حين نفى قائد "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، رداً على سؤال قبل يومين، أن تكون جبهتا الساحل وجورين خطاً أحمر بسبب "وجود أقلية علوية".

وعمدت روسيا أخيراً إلى منع تركيا من التدخّل لصالح التركمان في سورية، بعد نشرها منظومة الدفاع الجوي الأحدث في العالم حالياً والمعروفة باسم "إس 400"، في مطار حميميم العسكري بريف اللاذقية، في رسالة روسية واضحة مفادها بأنها لن تتوانى عن الرد بالمثل ضد أي طائرة تركية قد تخترق الأجواء السورية، وبالتالي تحقيق حظر جوي.

اقرأ أيضاً: تجدد الغارات الروسية بريف حلب وقتلى للنظام شمالي اللاذقية