المصالحة.. ما قبل الصفر

المصالحة.. ما قبل الصفر

06 يناير 2019
+ الخط -
اعتاد الفلسطينيون، في السنوات الماضية، رؤية مسار المصالحة بين حركتي فتح وحماس يتقدّم تارة ويتراجع أطواراً، فما أن يلامس ملامح الاتفاق على حل الأزمات، حتى يتراجع إلى النقطة صفر، أي المرحلة التي انطلق منها، لتعود وساطات المصالحة إلى البداية ومحاولة تذليل العقبات مجدّداً. هذا كان في السابق، أما اليوم، فيبدو أن الأمور عادت إلى النقطة ما قبل الصفر، وتحديداً المرحلة التي أعقبت الانتخابات التشريعية، ومهدت لعملية الحسم العسكري الذي نفذته "حماس" في قطاع غزة في 14 يونيو/ حزيران 2007. وتدل المؤشرات على هذا الاتجاه، لم يعد الأمر حكراً على التراشق السياسي والاتهامات المتبادلة، على الرغم من أنه بات في مستوىً غير مسبوق، بل دخل مرحلة التحرّك على الأرض مجدّداً، مع ما يرافق ذلك من مناخ سياسي مشابه تماماً لما كان عليه الوضع قبل الحسم العسكري.
تبدأ المؤشرات من تراشق التصريحات، والذي وصل إلى أعلى الهرم في السلطة الفلسطينية، إذ إن الرئيس محمود عباس لم يتوانَ قبل أيام عن وصف حركة حماس بـ "الجواسيس"، وهو مستوىً غير مسبوق، وخصوصاً أنه يأتي على لسان أبو مازن، إذ إنه في السابق كانت تخرج مثل هذه التصريحات، ولكن على ألسنة مسؤولين أقل في السلطة وحركة فتح، ولا سيما من عزام الأحمد، إلا أنه لم يسبق أن شنّ أبو مازن نفسه هجوماً على هذه الدرجة ضد "حماس". ولم تتأخر الحركة الإسلامية  في الرد على أبو مازن نفسه، مستعينة بما قاله مرة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، عن عباس حين وصفه بأنه "قرضاي فلسطين"، في إشارة إلى الرئيس الأفغاني الذي عيّنه الاحتلال الأميركي، حميد قرضاي.
قرار حل المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات جديدة في غضون ستة أشهر كانا منطلقاً لحملة التصعيد الجديدة، إذ بدأت السلطة الفلسطينية تعد العدة لاستعادة المجلس التشريعي المعطل منذ انتخابات 2006، بعدما حصلت "حماس" على الأغلبية فيه، وهو ما رفضته "فتح"، ومعها الدول الغربية وكذلك إسرائيل. وكان قرار المحكمة الدستورية الفلسطينية جزءاً أساسياً من العودة إلى نقطة ما قبل الصفر، أي إلى ما قبل 2007، مع السعي إلى إزاحة "حماس" عن المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي، وخصوصاً في الضفة الغربية، حيث مقر المجلس التشريعي، وحيث يوجد رئيسه عزيز الدويك، والذي بات اليوم عملياً خارج هذا المنصب السياسي، المندرج ضمن مؤسسات السلطة الفلسطينية.
لعل الأخطر اليوم في التطورات الداخلية الفلسطينية هو ما شهده قطاع غزة قبل يومين، حين تم اقتحام مقر تلفزيون فلسطين التابع للسلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن "حماس" نفت علاقتها بالاقتحام، ورمته على مجموعةٍ من الموظفين المقطوعة رواتبهم، إلا أن المؤشرات توحي بأنه رد من الحركة على سيطرة القوى الأمنية الفلسطينية على المجلس التشريعي، وهو المؤسسة الوحيدة التي كانت تحت سيطرة "حماس" في الضفة الغربية. وتشير قراءة الخطوة  إلى أن الحركة المسيطرة على غزة في طريقها لإفراغ القطاع أيضاً من مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهو ما دعمته التسريبات الإعلامية التي تقول إن "حماس" هدّدت بتسليم مقار السلطة الفلسطينية إلى التيار الذي يتزعمه القيادي المطرود من "فتح" محمد دحلان.
تتضافر مجموعة من المعطيات لتشير إلى أن المصالحة الفلسطينية باتت في خبر كان، وأن "حسماً" من نوع آخر في طريقه إلى الساحة الفلسطينية، ليكرس مزيداً من الانقسام السياسي والفصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".