المشهد الانتخابي الإسرائيلي والساحة الفلسطينية

المشهد الانتخابي الإسرائيلي والساحة الفلسطينية

28 مارس 2019
+ الخط -
أعلن حزب الليكود الحاكم في دولة الاحتلال يوم الإثنين الموافق 24 ديسبمر/ كانون الأول، الماضي، عن حل الكنيست وإجراء انتخاباتٍ مبكرة في إبريل/نيسان القادم، وكان من المفترض أن تُجرى الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن خلافاً بين الأحزاب الدينية وحزب الليكود حول قانون التجنيد دفع الأخير إلى حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات.

وقد شهدت الساحة الانتخابية الإسرائيلية تغيراً ملحوظاً ومتسارعاً منذ الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات، وسنسعى هنا إلى رصد أهم التغيرات التي شهدتها الساحة الانتخابية في إسرائيل، مع تسليط الضوء على أبرز المتنافسين وتأثير كل منهم على الساحة الفلسطينية عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص.

وسنعمل على تقسيم المتنافسين في الانتخابات الإسرائيلية إلى معسكرين رئيسين: وهما معسكر اليمين، ومعسكر الوسط - يسار، مع استعراض موقف كل منهما من الساحة الفلسطينية وكيفية تأثيرهما على قطاع غزة.

ويتكون الكنيست الإسرائيلي من 120 مقعداً، تتنافس عليها عدة أحزاب يمينية ويسارية، وبعضها مهدد بعدم تجاوز نسبة الحسم التي تبلغ 3.25% أي ما يقارب من 125 ألف صوت، ويدور الصراع بين اليمين واليسار على عددٍ محدودٍ جداً من المقاعد، حيث إن أغلبية استطلاعات الرأي تظهر وجود فارقٍ بسيطٍ جداً بين تكتل اليمين والوسط - يسار لا يتجاوز الأربعة مقاعد.

أولا: تكتل الوسط واليسار.. ويضم:

- حزب أزرق وأبيض "كحول لفان": وهو عبارة عن تحالف بين حزب حصانة إسرائيل (حوسين ليسرائيل) بزعامة قائد هيئة الأركان السابق بيني غانتس، وحزب هناك مستقبل (يش عتيد) بزعامة يائير لبيد، وحزب "تيلم" بزعامة وزير الأمن الأسبق موشيه يعلون، كما يضم الحزب بين صفوفه رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، ويتصدر حزب أزرق وأبيض جميع استطلاعات الرأي بحصوله على معدل من 35-29 مقعداً، متفوقاً على حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو بما يقرب من 7 مقاعد؛ وهو ما يعني أن غانتس رئيس حزب أبيض وأزرق سيكون صاحب الفرصة الأولى في تشكيل الحكومة القادمة.

- حزب العمل: بقيادة رئيس المعارضة الأسبق آفي جاباي، وتتوقع استطلاعات الرأي حصوله على معدل من 9-7.

- حزب ميرتس اليساري برئاسة تمار زيندبيرغ: وتتوقع استطلاعات الرأي حصوله على 8 مقاعد في الانتخابات القادمة.

- تحالف الجبهة العربية والتغيير: وتضم "الجبهة العربية للتغيير" الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة المتحالفة مع حزب الحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي، وتقدر استطلاعات الرأي حصولها على ما يقرب من 9-8 مقاعد.

- القائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي: ويتشكلان من الحركة الإسلامية (الجنوبية) وحزب التجمع الديمقراطي برئاسة الدكتور منصور عباس من الحركة الإسلامية، وهناك خشية من عدم تجاوزه نسبة الحسم وسقوطه في الانتخابات.

- حزب كولانو: ويتزعمه وزير الاقتصاد الحالي موشيه كحلون ويقع في المنطقة الرمادية ما بين معسكر اليمين ومعسكر اليسار-الوسط، فهو على الرغم من كونه منشقاً عن حزب الليكود اليميني إلا أنه لا يعارض الانضمام لائتلاف اليسار- الوسط بقيادة غانتس، شريطة عدم ضم القوائم العربية ضمن هذا الائتلاف.

ثانيا: تكتل اليمين.. ويضم:

- حزب الليكود: وهو الحزب الحاكم في دولة الاحتلال برئاسة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو منذ عام 2008، وترجح استطلاعات الرأي حصوله على عدد مقاعد يتراوح ما بين 30-27 مقعدا، ليكون بذلك ثاني أكبر الكتل البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي، وصاحب الفرصة الثانية لتشكيل الحكومة في حال فشل حزب أبيض وأزرق بزعامة غانتس في تكوين ائتلاف يضم 61 مقعداً لتشكيل الحكومة، حيث يقوم رئيس الدولة آنذاك بإعطاء الفرصة لزعيم ثاني أكبر كتلة برلمانية وهو نتنياهو لتشكيل الحكومة، ورغم تفوق حزب أزرق وأبيض على حزب الليكود في عدد المقاعد إلا أن بعض استطلاعات الرأي ترجح فشل حزب أزرق وأبيض في تشكيل الحكومة؛ بسبب عدم حصول كتل اليسار والوسط على مجموع 61 مقعدا.

- حزب اليمين الجديد: وهو حزب جديد انشق عن حزب البيت اليهودي، وأسسه وزير التعليم الحالي نفتالي بينت، إلى جانب وزيرة العدل إييليت شاكيد وترجح استطلاعات الرأي حصوله على 7 مقاعد.

- حزب يهودوت هتورا: وهو حزبٌ ديني متشدد ومن المتوقع حصوله على 8-6 مقاعد.

- تحالف الأحزاب اليمينية الصغيرة: وهي مجموعة من الأحزاب الدينية اليمينية الصغيرة والتي نجح نتنياهو في دمجها في تحالفٍ واحدٍ؛ بهدف تمكينها من توحيد أصواتها لتجاوز نسبة الحسم والحصول على عددٍ من المقاعد، ومن المتوقع أن يحصل هذا التحالف على 8-6 مقاعد وفق استطلاعات الرأي.

- حزب شاس: وهو حزب يمينيٌّ متطرفٌ يقوده وزير الداخلية الحالي ارييه ادرعي، وأظهرت بعض استطلاعات الرأي حصوله على 6-4 مقاعد.

- حزب "زهوت": بزعامة الصهيوني المتطرف موشي فيغلين وهو من أكثر الأحزاب الدينية تطرفا، وأشارت آخر استطلاعات الرأي إلى إمكانية اجتيازه نسبة الحسم ليحصل على 4 مقاعد.

- حزب إسرائيل بيتنا: وهو حزب يمينيٌّ متطرف يقوده وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، وتظهر أغلبية استطلاعات الرأي الأخيرة فشله في تجاوز نسبة الحسم، وعدم حصوله على أي مقعد، بينما ترجح بعض استطلاعات الرأي تجاوزه نسبة الحسم وحصوله على 4 مقاعد.
وفي حال تم النظر إلى مجموع ما يمكن أن يحصل عليه كلا المعسكرين وفقاً لاستطلاعات الرأي؛ سنجد أن النتائج متقاربة؛ حيث إن التنافس بين المعسكرين يدور حول عددٍ قليلٍ جدا من المقاعد، فتارةً ما تعطي استطلاعات الرأي 61 مقعداً لأحد المعسكرين في مقابل 59 مقعداً للمعسكر الآخر والعكس صحيح، وعليه: فإنه وفي حال نجح أحد الأحزاب المهددة بالسقوط والمحسوبة على أي من المعسكرين في تجاوز نسبة الحسم، والحصول على أربعة مقاعد؛ فسيكون له الدور الحاسم في ترجيح كفة أحد المعسكرين على الآخر.

وبعد استعراض مكونات وحظوظ كلا المعسكرين في تشكيل الحكومة الإسرائيلية في الانتخابات المقبلة، وجب الحديث بشيء من التفصيل عن تأثير فوز كل من المعسكرين على المشهد السياسي الفلسطيني عموماً، وعلى قطاع غزة على وجه الخصوص:

أولاً: فوز اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو

على الرغم مما يمثله بنيامين نتنياهو من تطرف وجنوح نحو اليمين؛ إلا أنه أفضل الخيارات المتاحة بالنسبة لحركة حماس وقطاع غزة، حيث لا يخفى على أحدٍ أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لا يؤمنان بعملية السلام، ولا يؤمنان كذلك بوجود شركاء فلسطينيين. وهو ما اتضح من خلال عدة خطوات كان أبرزها: قيام أميركا بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن بضغطٍ مباشرٍ من بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى اقتطاع أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية؛ وهو ما دفع السلطة إلى صرف نصف الراتب لموظفيها في الضفة الغربية، ومن المتوقع أن تؤدي خطوات نتنياهو أحادية الجانب إلى إضعاف مكانة عباس السياسية الند التقليدي لحركة حماس، وإضعاف قبضته الأمنية على حركة حماس والمقاومة في الضفة الغربية وهو ما ينبئ بإمكانية عودة العمليات الفدائية في الضفة وزيادة شعبية حركة حماس التي تتبنى هذا النهج. ومن المؤكد أن انسداد الأفق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وما يترتب عليه من فشل منهج المفاوضات، يعني صعود منهج المقاومة لدى الجماهير الفلسطينية.

وعليه يمكن القول إن منهج حكومة نتنياهو المتطرف في عداء الكل الفلسطيني، وعدم إيمانها بمنهج المفاوضات وحل الدولتين يؤدي بالضرورة بشكلٍ غير مباشر إلى إضعاف الرئيس محمود عباس، ومنهج السلام، وتعزيز منهج المقاومة- الذي تتبناه حركة حماس- لدى الشارع الفلسطيني.


ثانياً: صعود تكتل اليسار والوسط بزعامة غانتس

ينتظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بفارغ الصبر سقوط حكم اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو وصعود اليسار لسدة الحكم؛ إذ يؤمن أغلب قادة اليسار بمنهج المفاوضات وحل الدولتين، وهو ما يعني إحياء عملية السلام والعودة إلى المفاوضات في حال فوز اليسار، ومن ثمّ عودة القضية الفلسطينية إلى المربع الأول حيث اتفاقية أوسلو؛ إضافةً إلى ذلك، إن أغلب قادة اليسار والوسط يرفضون التعاطي مع قطاع غزة وحركة حماس، وقد تعهد رئيس كتلة أبيض وأزرق التي تقود تكتل الوسط بيني غانتس ضمن برنامجه الانتخابي بعدم نقل الأموال إلى حركة حماس في قطاع غزة، إضافة إلى تعهدٍ بالانفصال عن الفلسطينيين والانسحاب من الضفة دون تطرق غانتس إلى إقامة دولة فلسطينية، ولكن عند سؤال حليفه يائير لبيد عن ذلك قال في يديعوت أحرونوت: "أعتقد أننا بالانفصال عن الفلسطينيين سنصل في نهاية المطاف إلى دولتين"، وقد شكّلت مواقف حزب أبيض وأزرق المعتدلة تجاه عملية السلام بصيص أمل لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ حيث ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية أن مصادر في مكتب رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، صرحت بأن القيادة الفلسطينية تفضل فوز غانتس على نتنياهو، ووفقاً للصحيفة فإن هذا الموقف نابعٌ من تصرفات حكومة نتنياهو تجاه سلطة عباس، ومن رغبة قيادة السلطة في العودة لمفاوضات التسوية مع إسرائيل.

وعليه يمكن القول إن صعود اليسار هو مصلحة للرئيس عباس ومنهج المفاوضات، وقد تشهد الساحة الفلسطينية في حال صعود اليسار الإسرائيلي عودة للتوافق والعمل المشترك بين الرئيس محمود عباس وحكومة الاحتلال، خصوصا في ظل وجود رغبة جامحة لدول خليجية وازنة لدفع عملية السلام قدما وذلك لتسهيل عملية التطبيع العربي - الإسرائيلي ومن ثم إنشاء تحالف سني - إسرائيلي يعمل على محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة.
3083D64A-1194-4360-9382-BE0EAD5A1044
معتصم سهيل عدوان

باحث سياسي في وزارة الخارجية الفلسطينية - قطاع غزة. حاصل علي درجة الماجستير في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وعلي دبلوم السياسة والإعلام باللغة الإنكليزية.