المشموم التونسي.. زهور الثورة مصدر رزق العاطلين

المشموم التونسي.. زهور الثورة مصدر رزق العاطلين

19 يوليو 2015
بيع الزهور يوفر فرص عمل موسمية في تونس(العربي الجديد)
+ الخط -

"ياسمين... ياسمين استمتع بسهرتك مع المشموم (الزهور وقلائد الفل والياسمين)"، هذه العبارة لا ينقطع بائع المشموم، محمد إبراهيم، عن ترديدها متنقلاً بين السيارات ومرتادي المقاهي وعلى الأرصفة المحاذية لأحد مفترقات العاصمة التونسية.

يرصّ إبراهيم قلائد المشموم في "صينية" منسوجة من السعف، ثم يزوقها بأصناف أخرى من الزهور ذات الألوان الزاهية، وينطلق قبيل المغرب بساعة إلى أحد المفترقات التي تعوّد على العمل فيها منذ سنوات.

يقول إبراهيم، وهو طالب جامعي، إنه بذل جهداً كبيراً لاختيار المكان الذي سيعمل فيه نظرا لانتشار باعة الفل والياسمين في كل المفترقات واحتدام المنافسة، غير أنه اليوم أصبح يحكم السيطرة على مكان عمله مستعينا بأحد أبناء حيه الذي يتقاسم معه الأدوار نظراً لطول ساعات العمل.

ويعرف صيف تونس بتجارة المشموم التي تشهد انتعاشاً كبيراً على امتداد أشهر هذا الموسم، حيث يقبل التونسيون بشكل كبير على تلك الزهور البيضاء الرقيقة التي طبعت اسم ثورتهم.
وتمثل تجارة مشموم الفل والياسمين مورد رزق مهم لعدد من العائلات، التي تعمل في هذه التجارة المربحة رغم موسميتها.

يعود إبراهيم بعد أن قطع عليه ضابط المرور تنقله بين السيارات المتوقفة عند الإشارة الضوئية، فيقول متحدثا لـ"العربي الجديد"، عن مهنته التي ورثها عن أبيه: "كنت منذ سن التاسعة أساعد والدي صيفا في هذه التجارة، وكان والدي يختار لي الأماكن الآمنة بعيداً عن مخاطر الطريق، حتى صرت أجيد إقناع حرفاء المقاهي بشراء بضاعتي.

وكنت أقدم آخر الليل حصيلة ما بعته لوالدي، مقابل جزء من الربح لا يتعدى ديناراً واحداً (نصف دولار).

ويواصل إبراهيم حديثه عن رحلته مع الياسمين قائلاً: "بعد سنوات من العمل مع والدي قررت أن أشتغل لحسابي الخاص، وأن أوفر مصاريف دراستي الجامعية. وفعلا اخترت مكاناً للعمل على مقربة من أحد الأحياء الراقية بعد أن اكتسبت الخبرة الكافية لإدارة هذا المشروع".
 
يذهب بائع الياسمين إلى عملائه عند الإشارة الضوئية، وقد أصبح بحكم الخبرة التي اكتسبها يجيد اختيار المشترين الذين يقبلون على بضاعته، والذين تعودوا يومياً المرور من ذلك المكان.

اقرأ أيضاً: تونس: الملابس المستعملة تزاحم الجديدة
 
وتتراوح أسعار الزهور بين دينار ودينارين ونصف الدينار (0.5 و 1.7 دولار) في بعض الأماكن الراقية وهو ما يوفر عائدات يومية للباعة بين 30 و60 دينارا، أي ما بين 15.7 و31 دولاراً، حسب ما أكده إبراهيم.

وقامت تجارة المشموم بتوفير آلاف مواطن الشغل الموسمية للطلبة، وحتى الشباب العاطلين عن العمل، ولا تتوقف هذه التجارة عند الباعة بل تشمل أيضا كل المتدخلين في سلسلة الإنتاج.

وتبدأ صناعة المشموم من الساعة الثامنة صباحا، حيث يقوم المكلفون بجمع الزهور باكرا قبل أن تؤثر فيها حرارة الشمس بالتنقل بين الحدائق العامة والخاصة لجمع كميات الياسمين اللازمة.

وغالبا ما يلجأ باعة الياسمين إلى التعاقد مع العائلات، التي تملك مزارع الياسمين في حدائقها الخاصة، مقابل جزء من الأرباح.

بعد توفير المادة الأولية يقوم فريق ثان بصناعة المشموم، عبر ترصيف أزهار الياسمين في أعواد الحلفاء التي تجلب خصيصا من منطقة السباسب، وسط غرب تونس، ثم يقع لفها في مرحلة أخيرة بخيط وردي أو أحمر، وتصفيفها بشكل دائري على الصينية.

يعود إبراهيم للحديث مع "العربي الجديد" عن المصاعب التي تعترضه، حيث لا تخلو تجارة المشموم من مصاعب بسبب حساسية ورقة الزهرة البيضاء، وهو ما يعرضها للتلف سريعاً.

ويضطر إبراهيم إلى بيع المشموم أحيانا بنصف ثمنه، إذا ما تعرضت بضاعته لأشعة الشمس أو أي عامل آخر يجعل أزهاره تذبل أو تفقد بريقها.

كما لا يخفي محدثنا قلقه من تراجع مدخوله، بسبب اشتداد المنافسة، وإقبال العديد من العاطلين عن العمل على هذه التجارة، في غياب أي هيكل مهني ينظمها أو يحدد أماكن النشاط.

ويشير في السياق ذاته إلى أن زملاءه الأكثر حظا هم من يعملون في المواقع السياحية والمهرجانات الليلية، غير أن العمل في هذه الأماكن شبه مستحيل، حسب إبراهيم، نظرا لبسط شبكات منظمة لنفوذها على هذه المواقع التي تدر فيها تجارة المشموم أرباحا كبيرة، وفق قوله .

ويسعى عديد من المستثمرين التونسيين إلى تطوير صناعة النباتات العطرية، وتجربة العديد من الأصناف الجديدة من الزهور التي بالإمكان أن تجد طريقها نحو الأسواق الغربية بالأساس، حيث يقع تسويقها كزهور طازجة أو لصناعة العطور الطبيعية.

وتمثل بلدان الاتحاد الأوروبي أكبر سوق للزهور، وتُوَجَّه معظم الكميات إلى الأسواق البلجيكية والفرنسية والسويسرية وكذلك الأسواق الهولندية.


اقرأ أيضاً: تونس تهدر يوميا خبزاً بقيمة 150 ألف دولار

المساهمون