المسيرات الراجلة... نضال غانديّ على الطريقة اليمنية

المسيرات الراجلة... نضال غانديّ على الطريقة اليمنية

02 مايو 2017
تعز سبّاقة إلى فكرة المسيرات السلمية بين مدينتين(عبدالناصر الصديق/الأناضول)
+ الخط -
نجحت ثورة 11 فبراير/ شباط 2011 الشبابية الشعبية في اليمن في ترسيخ ثقافة النضال السلمي ووسائله وأدواته الجديدة للتعبير عن المطالب. ومن تلك الوسائل المسيرات الراجلة بين مدينتين. وتأثر شباب تعز بمسيرة الملح التي قادها المهاتما غاندي، في 12 مارس/ آذار 1930، والتي قطعت مسافة 290 كيلومتراً للاحتجاج على ضريبة الملح البريطانية، فاقتبسوا "مسيرة الحياة" (عام 2011)، ومن بعدها مسيرة "كوفي مخا" (2012). وحالياً تواصل مسيرة "البطون الخاوية" طريقها من تعز إلى عدن، بعدما انطلقت أمس الاثنين، بمناسبة عيد العمال العالمي، بتنظيم عدد من شباب الثورة والموظفين في القطاع العام احتجاجاً على تقصير الحكومة الشرعية التي ترفض صرف رواتب الموظفين الحكوميين.

ومن المقرر أن تقطع المسيرة مسافة تقترب من 160 كيلومتراً، عبر طريق تعز - التربة -عدن والتي تعد شريان الحياة الوحيد الذي يصل تعز بالعالم، بسبب الحصار المفروض عليها من الجهات الأخرى من قبل مليشيات الانقلابيين.

وقال الناطق الرسمي باسم المسيرة، فهد العميري، لـ"العربي الجديد"، إن المسيرة تنظمها مجموعة من الموظفين ومن قطاعات مختلفة، جمعهم هدف يتمثل بالضغط على الحكومة للإسراع بصرف مرتباتهم وبإغاثة تعز. وأشار إلى أنه تم إنجاز التجهيزات سواء في ما يتعلق باحتياجات المسيرة والمشاركين فيها أو في ما يتعلق بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في عدن أو في مناطق سير المسيرة. وبخصوص الشعارات التي سترفعها، فهي متعلقة بالأهداف والمطالب الرئيسية المتمثلة بسرعة صرف رواتب الأشهر الثمانية الماضية وإغاثة أبناء تعز وسرعة تحرير ما تبقى من المحافظة من مليشيات الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح، بحسب قوله. وأضاف أن أهم الدلالات التي تمنح المسيرة أهميتها أنها تنطلق في عيد العمال العالمي، العيد الذي تكرم فيه الشعوب عمالها فيما عمال اليمن يتضورون من الجوع والحرمان جراء عدم صرف الرواتب منذ ثمانية أشهر، بحسب تعبيره. وتابع أن "هذه المسيرة تعبّر عن مدى استياء الموظفين من الحكومة التي تتعاطى بازدواجية مع الموظفين"، على حد وصفه.

وقد حددت اللجنة المشرفة على مسيرة "البطون الخاوية" أهداف التحرك والتي تمثلت بعدد من الأهداف الحقوقية والمطلبية، تتلخص بمطالبة الحكومة الشرعية بصرف الرواتب للموظفين وكذلك للمتقاعدين المدنيين والعسكريين كدفعة واحدة لأكثر من 8 أشهر، وتسوية وإطلاق جميع البدلات والعلاوات، والإسراع بإغاثة أبناء تعز عبر لجنة إنسانية وحقوقية محايدة.

ويواجه شباب المسيرة عدداً من التحديات، في مقدمتها معارضة بعض الأحزاب السياسية لهذا التحرك، ودعوتها لأعضائها لعدم المشاركة به. كما سيواجهون مشكلة في تأمين ما يكفيهم من الطعام والشراب خلال الطريق، إذ لم تتلق اللجنة المشرفة أي دعم لهذه المسيرة، إلى ما قبل انطلاقها. لكن المنظمين يؤكدون أنهم سيتمكنون من وضع الحلول لهذه المشكلة. كما أن الجانب الأمني يمثل أبرز التحديات في ظل إمكانية استهداف المسيرة من قبل المليشيات الانقلابية أو استهدافها من قبل بعض الجماعات التي تستغل الانفلات الأمني لإحداث الفوضى، وكذلك معارضة بعض القوى الجنوبية لهذه المسيرة.


في هذا السياق، قالت أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز، ألفت الدبعي، التي كانت إحدى النساء المشاركات في "مسيرة الحياة"، إنه على الرغم من أن الأحزاب السياسية لم تكن داعمة لفكرة "مسيرة الحياة" وانطلاقتها بعد التسوية السياسية لثورة 11 فبراير/ شباط، إلا أن الشعور بالظلم والقهر الحقوقي لدى شباب الثورة، جعلهم يفرضون مسار تنفيذ قرار المسيرة الذي أجبر جميع الأحزاب بعد ذلك، على الالتحاق بها. وأضافت في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن المسيرة استطاعت عبر خمسة أيام قطعها شباب الثورة سيراً على الأقدام إلى صنعاء، أن توصل رسالة للعالم كله بأنهم لن يقبلوا إلا بإسقاط بنية النظام وتحقيق العدالة، وفق تعبيرها. أما مسيرة "البطون الخاوية"، فهي "شكل من أشكال الاحتجاجات الحقوقية المطلبية المرتبطة بنضال العمال والموظفين باتجاه حقوقهم في الحصول على رواتبهم التي قطعت منذ 8 أشهر"، بحسب تأكيد الدبعي.

"مسيرة الحياة"
وكانت المسيرات الكبرى في اليمن بعد الثورة قد انطلقت مع "مسيرة الحياة" التي بدأت فكرتها من داخل ساحة الحرية بتعز، مع مجموعة من الشباب الرافضين للحصانة التي تم منحها للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وفقاً للمبادرة الخليجية التي وقعها صالح في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011. وتم تجهيز مطعم متنقل ووحدة إسعاف لمرافقة المسيرة التي انطلقت في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2011، من مدينة تعز، وبمشاركة ما يقارب الألف مشارك وعلى طول الطريق الممتد بطول 260 كيلومتراً، والذي يعبر في مدينتي إب وذمار، حيث كان جمهور الثورة يتجمع للمشاركة في المسيرة التي بلغ عدد المشاركين فيها عشرات الآلاف.

وتحدى الثوار كل الصعوبات التي واجهوها في الطريق، وفي مقدمتها الاعتداءات المتكررة بالرصاص الحي والتي أطلقها البلاطجة التابعون لصالح على المسيرة، بالإضافة إلى قلة المؤن الغذائية وكذلك عدم توفر أماكن للاستراحة والنوم، إذ اضطر الثوار للنوم في الطرقات والمساجد والمدارس في ظل طقس شديد البرودة. وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول، وصلت المسيرة إلى صنعاء وتم استقبالها بمئات الآلاف من المتظاهرين الذين تجمعوا في أطراف العاصمة اليمنية وأطلقوا الألعاب النارية والزغاريد وهتافات الترحيب. وعلى الرغم من تعرضها للقمع الوحشي من قبل قوات صالح وسقوط ما يقرب من 10 قتلى، بينهم نساء، بالإضافة لعشرات الجرحى، إلا أن المسيرة نجحت بالوصول لوجهتها، كما استطاعت إسماع صوت الثوار المشاركين فيها لكل العالم.

مسيرة "كوفي مخا"
وبعد ما يقارب نصف عام فقط من "مسيرة الحياة"، وبالتحديد في منتصف مايو/ أيار 2012، انطلقت مسيرة "كوفي مخا"، المسيرة الراجلة التي نظمها شباب الثورة اليمنية. وسار المتظاهرون من مدينة تعز إلى ميناء المخا التاريخي، الواقع غرب المدينة، وقطعوا مسافة تمتد لما يقرب من 115 كيلومتراً. وقد وضع شباب تعز المكانة التاريخية والأهمية الاقتصادية لميناء المخا نصب أعينهم، وأرادوا إعادة الاعتبار لهذا الميناء التاريخي. وبحسب اللجنة المشرفة على المسيرة حينها، فقد تم تحديد أهداف تنموية للمسيرة، فهي تهدف إلى إعادة تأهيل الميناء، والعمل على توفير الخدمات الضرورية لمدينة المخا، والإسراع في إنشاء محطة تحلية لمياه البحر في المخا لتلبية حاجة تعز للمياه، وتحرير الميناء من الاستغلال السلبي بعدما تم تحويله من قبل نظام صالح للتهريب وتحت إدارة قيادات عسكرية ذات نفوذ في الدولة.

وقد جاءت هذه المسيرة في بداية المرحلة الانتقالية التي أعقبت إسقاط صالح من الحكم وتنصيب الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، والذي تم تنصيبه وفقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. أي أن الشباب المنظم للمسيرة أرادوا من خلالها إيصال رسالة مفادها أن إسقاط نظام صالح لا بد أن يستتبع بمرحلة البناء، واستكمال مسيرة التغيير الجذري المنشود في كل الجوانب وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي، وأن بناء مدينة تعز يبدأ من إعادة بناء ميناء المخا وتفعيل نشاطه بعدما تعرض للإهمال الممنهج من قبل نظام صالح.