المسرح والمدرسة... بعد أربع سنوات

المسرح والمدرسة... بعد أربع سنوات

06 سبتمبر 2019
(أطفال يُتابعون عرضاً في "المسرحي الوطني")
+ الخط -

قبل قرابة ثلاث سنواتٍ، أُعلن عن بدء التحضير لتدريس مادّة المسرح في المدراس الجزائرية بمراحلها التعليمية الثلاثة (الابتدائي والمتوسّط والثانوي)، وقد استُبقت تلك الخطوة بإبرام اتفاقية بين وزارتَي الثقافة والتربية في آذار/ مارس 2015، نصّت على "تطوير النشاطات الفنّية والثقافية في المدرسة".

حينها، تحدّث مدير "المسرح الوطني الجزائري"، محمد يحياوي، عن عددٍ من الخطوات التي قال إنها ستُمهّد لإدراج المسرح في المقرّرات الدراسية؛ من بينها إطلاقُ سلسلةٍ من الورش التدريبية بإشراف مختصّين في مجالَي المسرح والتعليم، لفائدة المعلّمين والأساتذة، وتنظيمُ لقاءات وموائد مستديرة لدراسة سُبل تجسيد المشروع، وإنشاءُ لجنةٍ مشتركة بين الوزارتَين لمتابعته.

يومها، تساءلنا في "العربي الجديد" عن حظوظ نجاح المشروع في ظلّ استمرار اعتماد المدرسة الجزائرية أساليب بيداغوجيةً قديمةً لا تضع التشجيع على الإبداع والابتكار ضمن اهتماماتها، وتُفضّل التلقين على تحفيز الموهبة والمخيّلة.

لا يقتصر ذلك على المواد العلمية فحسب؛ بل ينسحب حتّى على المواد ذات الطابع الإبداعي. وبسببٍ من ذلك، ينظر التلميذ إلى مادّتَي الرسم والموسيقى، على سبيل المثال، كعبء يُضاف إلى المقرّرات التي ينبغي عليه فهمها أو حفظها؛ فلا هو يستفيد منهما من الناحية المعرفية، ولا هو يستمتع بهما كمساحة مستقطعة من ثقل البيداغوجيا لممارسة مواهبه وتنميتها.

بعد أكثر من أربع سنوات من بدء الحديث عن المشروع، يُفترَض أنْ نتساءل اليوم عمّا إذا كان يُحقّق نتائج طيّبةً على الأرض. لكنّنا لن نفعل، لأنه – وببساطةٍ - ظلّ مجرّد حبرٍ على ورق؛ فلا المسرح أُدرج ضمن المقرّرات الدراسية، ولا الورشات درّبت معلّمين لتدريسه، ولا الموائد المستديرة اقترحت أفكاراً، ولا "اللجنة الوزارية المشتركة" قدّمت رؤىً، هذا إنْ شُكّلت أصلاً.

بدا وكأنّ المشروع قد وُضع في الأدراج أو نُسي تماماً، أو أنّه في أحسن الاحتمالات يسير بوتيرة بطيئة جدّاً. وربّما لم نكن لنتذكّره بدورنا لولا خبر افتتاح مسرحٍ للأطفال في إحدى مدارس الجزائر العاصمة، مؤخّراً، بهدف "تعليم وممارسة الفنّ المسرحي في الوسط المدرسي".

بحسب "وكالة الأنباء الجزائرية"، فالأمر يتعلّق بفضاء ظلّ مغلقاً طيلة أربعين سنةً، قبل أنْ تعمد بلدية الجزائر الوسطى إلى ترميمه في 2017، لتفتتحه أوّل أمس الأربعاء وتُطلق عليه اسم الممثّل الفكاهي أحمد قادري المعروف فنّياً باسم "قريقش". ويقول مسؤولو البلدية إنَّ المسرح، الذي يتسّع لقرابة خمسين مقعداً، هو أوّل فضاءٍ من نوعه في البلاد، وسيُخصَّص لاحتضان عروضٍ مسرحية وورشات تدريبية موجّهةٍ إلى تلاميذ البلدية.

ما مِن شكّ في أنَّ افتتاح فضاء مسرحي خاص بتلاميذ المدارس هو أمرٌ إيجابي، إذا جرت الاستفادة منه بشكل جيّد. لكن لنُلاحظ أنَّنا نتحدّث، هنا، عن مدينة الجزائر العاصمة التي يملك عددٌ من بلدياتها فضاءاتٍ ثقافية باتت تابعةً لها بعد إلغاء وزارة الثقافة بداية التسعينيات، وهو أمرٌ لا يتوفّر في مُعظم مدن البلاد وقراها؛ حيثُ لا يزال كثيرٌ منها، خصوصاً في المناطق المعزولة، يشتكي غياب مرافق أساسيةً مثل المستشفيات والمدارس نفسها، وهو أمرٌ يُذكّرنا مجدّداً بالمركزية القائمة سواءٌ في الثقافة أو في غيرها.

وبالعودة إلى تدريس المسرح في المؤسّسات التعليمية، سيبدو الأمر بمثابة بذخٍ في ظلّ الوضع الذي تعيشه المدارس الجزائرية. يُشبه الأمر مادّة الموسيقى التي يدرسها التلميذ لسنواتٍ دون أن يرى آلةً موسيقيةً واحدة في مدرسته.

المساهمون