المستعربون... السلاح الإسرائيلي في العمق الفلسطيني

المستعربون... السلاح الإسرائيلي في العمق الفلسطيني

22 ديسمبر 2017
يهدف المستعربون إلى قمع الفلسطينيين (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
في كل مرة يعود مشهد المستعربين إلى الوسط الفلسطيني يبدأ الجدل من جديد، ويبدو واضحاً أن ما يعرفه الفلسطينيون ليس أكثر من قمة الرأس الجليدي، وأن المستعربين، أي قوة الموت، وراءهم تاريخ طويل من قتل الفلسطينيين، لكن بطريقة عسكرية معقدة. فالمستعرب هو جندي إسرائيلي يرتدي ملابس عادية ويتقن العربية ويندس بين الفلسطينيين فيبدو عربياً مثلهم، ولذلك سُمي "مستعربا"، يقتل ويعتقل وينسحب بسرعة بحماية جنود الاحتلال. فقبل أسبوعين كان يصرخ أحد المستعربين على المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حيث المواجهات الساخنة مندلعة بين الشبان وجنود الاحتلال: "ديروا بالكم في مستعربين"، في لغة عربية ولهجة فلسطينية لا تخطئها الأذن، لكنه مستعرب قاتل، إذ صرخ ليبعد أي شبهة ممكنة عنه. وبعد دقائق كان العديد منهم ينتشر كالنار في الهشيم بين المتظاهرين، ومن مسافة صفر، فيطبق أحدهم بساعده على رقبة أحد المتظاهرين ويصوّب المسدس نحو رأسه، ويأتي آخرون لإسناده وينسحبون ومعهم فريستهم. وقد تمّ اعتقال نحو أربعة شبان بهذه الطريقة.

كان الأمر مفاجئاً للمتظاهرين والمصورين الصحافيين، لكنه لم يكن صادماً، فهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تعمد فيها قوات الاحتلال للمستعربين لاعتقال المتظاهرين وبث الشك والرعب في صفوفهم لردعهم عن المشاركة في تظاهرات عتيدة، لكن الصور كانت صادمة، فكل العالم باستثناء الفلسطينيين كان يشاهد شاباً متشحاً بالعلم الفلسطيني يعتقل شاباً بكوفية فلسطينية، ويصوّب المسدس نحو رأسه.

في هذا السياق، ذكرت المصورة رشا حرز الله لـ"العربي الجديد"، أنه "كان هناك شابان، الأول يرتدي كوفية والآخر قناعا أسود، ووقعا على الأرض. صاحب الكوفية كان يحاول السيطرة على الآخر بالاتكاء عليه بقوة وتثبيته. اعتقدت أنا وزملائي أنهم متظاهرون وأن أحدهم أصيب ويحتاج مساعدة فيتكئ على جسد زميله ليساعده على الهرب معاً. بعد ثوان تمكن من يرتدي الكوفية من السيطرة على صاحب القناع ووضع المسدس على رأسه ووجه الكلام لنا: (ما حدا يقرّب). كان يلفظ حرف القاف بـ(الغين) كما يفعل البدو أو بعض اللهجات الفلسطينية الأخرى".

وأضافت أنه "كان الجنود يقتربون منهما بسرعة كبيرة، وكنت وزملائي المصورين نبتعد نحو متر واحد فقط عن المستعرب الذي كان يرتدي الكوفية ويصوّب مسدسه نحونا ونحو الشاب المقنع المعتقل، والذي عرفنا لاحقا أن اسمه أنور سالم. كان المشهد غريباً. دقائق قليلة وانتهى كل شيء باعتقال الشاب بعد وصول الكثير من جنود الاحتلال لدعم انسحاب المستعرب".



يعلم المتظاهرون أنهم في معركة مفتوحة مع المستعربين، لكن لا نصائح ذهبية في هذا المجال، بعضهم يقول لـ"العربي الجديد": "نتكلم فيما بيننا أن المستعرب يضع قميصه أو بلوزته فوق البنطلون ليخفي سلاحه، وكذلك في البنطال الذي يغطي حذاءه ليخفي سلاحه". ويتابع أحدهم قائلاً: "لا توجد علامات فارقة للمستعربين، لا يوجد عضلات بارزة أو لبس معين أو أي شيء. وفي التظاهرات وبعد إلقاء الحجارة وردّ الجنود علينا بالرصاص وقنابل الغاز والصوت، يصبح التوتر سيّد الموقف. ولا يمكن أن نقف كل دقيقة لنفحص بعضنا بعضاً، ولا سيما أننا لا نعرف بعضنا بعضاً أصلاً، فبعضنا من قرى رام الله، وبعضنا الآخر من مخيماتها، أو من مدن أخرى ويسكن رام الله. وهناك طلاب من جامعات مختلفة، من المستحيل أن نصل إلى درجة بحيث يعرف كل متظاهر هوية زملائه".

لكن أحد المراقبين للمظاهرات يقول: "عندما تأتي فترة هدوء دون إطلاق رصاص أو غاز أو قنابل صوت، ويبدأ جنود الاحتلال بالاقتراب من مكان التظاهرة بأعداد كبيرة، عادة ما يتبع ذلك وجود مستعربين، وتبقى هذه ملاحظات لا أكثر".

لكن المستعربين الذين تضجّ بصورهم وسائل الإعلام من وقت لآخر، ليسوا أخطر أنواع المستعربين، ولو أنهم ينفذون عمليات اعتقال في التظاهرات أو يقتحمون المستشفيات الفلسطينية لاعتقال المطلوبين، كما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عندما تسللت قوة من المستعربين  إلى مستشفى الأهلي في الخليل، وأعدمت عبد الله الشلالدة، واعتقلت قريبه عزام الشلالدة. كما حصل الأمر عينه في أكتوبر/تشرين الأول 2015، مع تسلل قوة من المستعربين لاعتقال كرم المصري من مستشفى نابلس التخصصي في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية للاشتباه بضلوعه في عملية إطلاق النار على مستوطنين شرق نابلس، العملية التي فجّرت هبة الأقصى 2015.

في هذا الإطار، يرى المحاضر في كلية العلوم الإنسانية في جامعة بيرزيت، صالح عبد الجواد، أن "هذا النوع المذكور أعلاه هو أخف أنواع المستعربين". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بشكل عام هذا المشروع الصهيوني هو مشروع غربي متقدم، واستخدم كل آليات وأدوات المعرفة من أجل السيطرة والرقابة على المجتمع الآخر. بالتالي استخدم التاريخ والجغرافيا وعلم الإنسان لفحص المجتمع العربي ومعرفة نقاط قوته وضعفه ليسيطروا عليه".



ويلفت إلى أنه "نميل تحت ضغط الأحداث وبسبب عدم الوعي إلى التركيز على نوع واحد من المستعربين الذين يهاجمون المتظاهرين، لكن ما لا يعرفه الناس هو أنه لا توجد قرية فلسطينية تم احتلالها عام 1948 إلا وكان هناك دور للمستعربين  في احتلالها". ويشير إلى أن "المستعربين في التظاهرات هم أخف أنواع المستعربين، فعادة ما يكونون يهودا شرقيين، أي أن ملامحهم عربية، ويخضعون لتدريبات عسكرية شاقة، ويتعلمون اللغة العربية بلهجاتها الفلسطينية المتعددة".

ويقول عبد الجواد، إنه "في المعسكر يتم إيقاظ المتدربين ليلاً، وعندما يتكلم أحدهم العبرية يتم طرده، على اعتبار أنه فشل في أن يكون مستعرباً محترفاً. وحسب ما رشح من معلومات شحيحة من إعلام الاحتلال وأبحاثه حول هذا الملف، فإن هناك معسكراً لتدريبهم قرب القدس يُدعى (آدم)، وجل ما نعرفه عن المستعربين هو ما يكتبه الإسرائيليون فقط". وحسب عبد الجواد فإن "هناك أنواعاً عدة من المستعربين، أخطرها المستعرب النائم، وهم يعيشون في دول عربية ويتزوجون من عربيات، وينجبون أطفالاً أيضاً".

المستعربون ليسوا فرقة عسكرية بالمعنى الحرفي، بل نتاج معرفي يتمّ استخدامه عسكرياً، في مجتمع معسكر تماماً كالمجتمع الإسرائيلي. وهذا ما يفسّر وجود خبراء علم اجتماع وعلم نفس بين ضباط الاحتلال الإسرائيلي، واستخدام المستعربين في وقت مبكر حتى قبل تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.

ويذهب الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد إلى أن "فكرة المستعربين تعود جذورها إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي أيام التجمع اليهودي الاستيطاني الممأسس في فلسطين المعروف باليشوب، في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وتحول هذا اليشوب إلى دولة إسرائيل".



ويضيف شديد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "تمّ استخدام المستعربين في ذلك الوقت، وكان جزء منهم من اليهود الذين كانوا يعيشون في المجتمع الفلسطيني جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين، وجزء آخر يهود شرقيون يتقنون العربية وبملامح عربية، وجزء آخر من اليهود الغربيين".

أما الخبير بالشؤون الأمنية والسياسية محمد المصري، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "المستعربين موجودون ما قبل قيام دولة إسرائيل، ويتم زرعهم في القرى الفلسطينية للحصول على المعلومات. وهم جزء من نشاط فعلي في عام 1986 قبل قيام الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993). وهناك تجربة لافتة للمستعربين مع اغتيال إيهود باراك للقادة الشهداء الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت في 1973، حين تخفّى بشكل امرأة وقام بهذه العملية".

ويشير إلى أنه "كان هناك عملية تطوير لفكرة المستعربين الذين أصبحوا جزءاً من نخبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر تدريبهم لمدة لا تقل عن 16 شهراً على العمل العسكري والتخفي واللغة واللهجات المحلية الفلسطينية. وعن كيفية زرع نفسه في مناطق شعبية من دون أن ينكشف. كما تمّ بناء معسكر (آدم) بصورة تحاكي البيئة الفلسطينية في الشوارع والمحال التجارية والبيوت".

ويؤكد المصري أن "أغلب المستعربين هم يهود شرقيون، لأن ملامحهم عربية، ويقومون بمهمات الرصد والمتابعة والاعتقال والقتل. بالتالي هم يُعتبرون فرقة موت متحركة والقانون الإسرائيلي لا يعاقبهم حين يقومون بجرائمهم، وهم يتبعون لأكثر من جهة في الاستخبارات والجيش".

وحول إمكانية مشاركة عملاء فلسطينيين مع المستعربين في مهماتهم، يقول المصري: "لا يوجد بين المستعربين عملاء، لكنهم يعتمدون على العملاء في إرشادهم لأهدافهم، ولا يسمح للعميل بأن يكون بين المستعربين، لأنهم فرقة موت، وهم خطيرون جداً، ويمكن أن يقتلوا أي أحد إذا شكوا أنه انكشف أمرهم".



المساهمون