المسألة الليبية: "حرب أهلية" أم "انقلاب" أم "ثورة مضادة"؟

المسألة الليبية: "حرب أهلية" أم "انقلاب" أم "ثورة مضادة"؟

24 مايو 2014
تظاهرة تأييد "عملية الكرامة" في طرابلس (محمود تركية/فرانس برس/getty)
+ الخط -

ترتكز قوى الثورة المضادة، في بلدان الربيع العربي، على منطلقين أساسيين لتبرير رفض الثورة والتغيير، الأول معادلة الاستقرار مقابل الفوضى، والتي تعني أن حالة الاستقرار المفروضة بقوة السلاح، عبر الديكتاتوريات، تبقى أفضل من الثورة التي تصاحبها فترات تدهور أمني وخلخلة اجتماعية.

والثاني هو "محاربة الإرهاب"، الذي يقوض السلم والأمن الاجتماعي، وهي حجة تلقى رواجاً عالمياً واستحساناً منقطع النظير.

ويمكن تلمُّس هذه التبريرات نفسها في ليبيا، اليوم، في أجواء "عملية الكرامة" العسكرية للواء المنشق خليفة حفتر. لكن معادلة المنتصر والمهزوم في الحالة الليبية غير واردة، بسبب التوازن غير المخطط له بين كافة الجماعات والتيارات والقبائل، فانتشار السلاح  بأنواعه كافة بين أيدي جميع القوى، جعل من إمكان ونشوب حرب أهلية فرضية مهلكة لكل الأطراف.

أيضاً، تروّج الصحافة الغربية مصطلح "الحرب الأهلية" في ليبيا كدليل على فشل الدولة وعدم قدرتها على السيطرة، وهو ما يمكن تعميمه على الثورة الليبية، حين تمّ وضع طرفَي هذه "الحرب" في كفة واحدة، في مرتبة متساوية.

اليوم، يمكن القول إن اللواء المنشق، خليفة حفتر، فشل في حملته العسكرية في بنغازي، التي قادها تحت مسمى "جيش التحرير الوطني"، ليروج بهذا المصطلح أن ثمة احتلالاً تقع بنغازي تحت طائلته، وأنه هو سينقذها. كما أنّ حملة كتيبتي "القعقاع" و"الصواعق" في العاصمة، طرابلس، التي تتقاطع مصالحها مع مصالح قوات حفتر، فشلت هي الأخرى بتوجيه ضربة تقصم ظهر "المؤتمر الوطني"، على الأقل حتى الآن.

وتختلف حملة حفتر، التي بدأت في 16 مايو/أيار الجاري، في أدبياتها، عن حملة 18 مايو/أيار، التي قادتها ميليشيات "القعقاع" و"الصواعق" الواقعتان تحت نفوذ الزنتان؛ فالأولى هدفت بالدرجة الأولى إلى كسر عظام الثورة والدولة معاً، والسيطرة على بنغازي، ثم الانطلاق منها للسيطرة على باقي المدن الليبية الشرقية. أما حملة طرابلس، فكانت تهدف، بحسب ما يعتقد محللون، إلى كسر عظم الحكومة للحصول على مناصب وزارية في حكومة أحمد معيتيق المرتقبة، فجرت اتصالات بين مجموعات من الزنتان ومعيتيق بهدف الحصول على حقائب المالية والدفاع والداخلية، كشرط لدعمه أو التغاضي عن افتعال أزمات لها.

وهناك فرضية أخرى تطرح سؤالاً حول مستقبل العلاقة بين مجموعات حفتر وميليشيات منطقة الزنتان: هل سيقبل رئيس حزب "تحالف القوى الوطنية"، محمود جبريل، المعروف بارتباطاته الاماراتية خصوصاً، ورئيس اللجنة التسييرية لحزب "التحالف" عبد المجيد مليقطة، وجمعة الأسطى، بدور لخليفة حفتر يعلو على أدوارهم في المعادلة السياسية الجديدة، في حال نجحت محاولة انقلاب حفتر وحلفائه؟ سؤال بات يُطرح بقوة خصوصاً بعد أن زلّ لسان حفتر، أخيراً، بالقول إنه "لو دعاه الشعب للرئاسة فسيترشح لها".

ويرى مراقبون أنّ محمود جبريل، الذي سبق أن جنّد كل طاقات حزبه والميليشيات التابعة له لإسقاط قانون العزل السياسي، حتى يعود إلى صدارة المشهد الليبي، لا يُعقل أن يسمح لعسكري متقاعد سبعيني أن يتقدم عليه كرئيس محتمل لليبيا.

كما أن ما يعيق تقدُّم مشروع حفتر وحزب جبريل هو العجْز عن التفاعل مع الشارع. وتذكّر بيانات القبائل، المؤيدة لحفتر، الليبيين بعهد قريب إبان اندلاع الثورة، وكيفية استخدام العقيد معمر القذافي لها حتى يظهر أمام العالم وكأنه مدعوم شعبياً، على الرغم من علم الليبيين بأن معظم تلك البيانات صدرت عن مؤسسة أنشاها القذافي من قادة قبائل تحصلوا على امتيازات مادية لدعم نظامه.

من الناحيتين النظرية والعملية، لا تأثير كبير لهذه البيانات، داخلياً على الأقل، بسبب عدم إجماع القبائل على موقف واحد من "عملية الكرامة"، وخطرها لناحية احتمال أن تؤدي إلى حرب أهلية.

كما أن الجنوب الليبي، الذي يتهمه وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان بأنه "مقر الإرهاب"، لم يعلن انضمامه إلى "عملية الكرامة" أو دعمه لإسقاط المؤتمر الوطني.

ولا يزال موقف "المؤتمر الوطني" من حكومة عبد الله الثني، الرافضة تسليم السلطة التنفيذية لأحمد معيتيق، متأرجحاً؛ فثمة من يصرّ على إقالة حكومة الثني، لأنه يعتبرها استمراراً لمسلسل الفساد الإداري والمالي المتّهَم بارتكابه رئيس الحكومة الهارب إلى ألمانيا، علي زيدان. ويعزز هذا الفريق رأيه بأن وزير الكهرباء علي محيريق، أجرى اتصالات بقبائل الفرجان في ترهونة، للحصول على دعم لحفتر، وهو العقل المدبر لبيان الحكومة الداعي إلى تجميد عمل "المؤتمر الوطني"، ورفض تسليم السلطة لحكومة معيتيق.

في المقابل، يرى أعضاء آخرون، أن الإصرار على تسليم مهام الحكومة لأحمد معيتيق، سيدفع بالانقسام الداخلي إلى أبعد مدى، وخصوصاً أن المناوئين لمدينة مصراتة المحسوبة على "المؤتمر الوطني"، مسقط رأس معيتيق، كثُر.

الآن، يبدو أن ثمة تحالفاً بين الحكومة الحالية برئاسة عبد الله الثني، يدعمه وزير الثقافة، الحبيب الأمين، الذي أعلن انضمامه إلى حفتر، ووزير الكهرباء، علي محيريق، ووزير العدل، صلاح المرغني، من جهة، وبين قوى حفتر وحزب محمود جبريل وميليشيات "الصواعق" و"القعقاع" في الشرق والغرب الليبيين، لإسقاط "المؤتمر الوطني" عسكرياً من جهة ثانية.

لكن القوى التي تواجه حفتر وحلفاءه، بدأت هي الأخرى تكشف عن معلومات، من شأنها أن تشكّل خطاباً سياسياً مختلفاً يمكن أن يؤمّن حاضنة شعبية ما. يمكن في هذا السياق، التوقف عند ما قاله قائد "كتيبة عمر المختار"، زياد بلعم، في مقابلة تلفزيونية أخيراً، عن أن متطرفين إسلاميين وأزلاماً للنظام السابق هم من يقومون بالاغتيالات في مدينة بنغازي، مشيراً إلى أنه سبق له أن طلب من زيدان دعم الثوار في بنغازي لتأمين المدينة، وهو ما رفضه زيدان في حينها، على حد تعبير بلعم.

كلام يجد صداه في دراسة أعدّها "مركز دراسة الإرهاب" الأميركي، وخلصت إلى أن العنف لا يقتصر على الإسلاميين، بل يشترك فيه طيف واسع من القوى العلمانية والمحافظة والقبائل والأقليات.

 

 

المساهمون