المرّيخيون بانتظار مسبار الأمل

المرّيخيون بانتظار مسبار الأمل

02 اغسطس 2020
+ الخط -

إلى وقت قريب، لم يكن سكان المرّيخ معنيين بتلك المركبات الفضائية القادمة من كوكب الأرض، فقد اعتادوا هذه المشاهد منذ تسعينيات القرن الماضي، عندما هبط أول مسبار أميركي على سطح الكوكب الأحمر.

تشعبت تفسيرات المرّيخيين آنذاك بين معجب بهذه المسابير التي تؤشر إلى قرب وصول "الجيران" إلى كوكبهم وما يترتب على ذلك من نسج علاقات ودّ وتعاون بين الكوكبين، على الرغم من تخوّفات بعضهم من أن يكون الهدف توسيع رقعة الإمبريالية الأميركية لتشمل الفضاء، أيضاً، غير أنهم سرعان ما طردوا هذا الخاطر، عندما عرفوا مبلغ الحريات التي تتمتع بها شعوب ما وراء البحار، ووصلوا إلى قناعةٍ مفادها بأن عصر الرقّ الأرضي قد ولّى إلى غير رجعة، والأوْلى رفضه فضائيًّا كذلك. وقد عزّز من هذا الاعتقاد ما سمعه السكان عن قرب وصول مسابير من دول أخرى غير أميركا وحدها، ما يعني أن ثمّة اهتمامًا أمميًّا بكوكبهم الوديع، خصوصًا تلك التي تحمل أعلام اليابان والصين وروسيا.. و"الإمارات..".

عند العلَم الأخير، انقلب كل شيء رأسًا على عقب فوق سطح الكوكب الهادئ، واستعاد حُمرته القانية بلون الدم. تجلّى ذلك عندما جاء من الأقاصي كائنٌ مرّيخيٌّ يسعى إلى قومه، ليبلغهم بحجم الكارثة المقبلة إلى كوكبهم، ولم يكن يردّد سوى ثلاث كلمات فقط: "احذروا مسبار الأمل"، وسقط مغشيًّا عليه قبل أن يُتمّ تفسير عبارته.

تداعى المرّيخيون من كل حدب وصوب إلى اجتماع عاجل؛ لمحاولة تفسير عبارة صاحبهم عن "مسبار الأمل" هذا الذي حذرهم منه. وكان أول ما فعلوه هو الاتصال بعسَسهم العاملين على سطح الأرض، لتزويدهم بمعلومات عنه، خصوصًا وأنها المرّة الأولى التي يسمعون بها عن مسبارٍ يخص دولةً ناميةً لم تتمكّن بعد من سبر أغوار رقعتها الأرضية الضئيلة، فكيف تفكّر بسبر الفضاء دفعة واحدة؟

كانت المعلومات الأولى التي وصلت إلى صفوف المجتمعين ممجوجةً ومكرورة، لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها: "تتركز أهداف مشروع الإمارات لاستكشاف المرّيخ - مسبار الأمل، على سبر غور ديناميكيات الطقس في المرّيخ ودراسة غلافه الجوي وفهم التغيرات المناخية الحاصلة على الكوكب الأحمر .. وينسجم هدف المهمة مع هدف أكبر وطموح أعلى، وهو بناء مستوطنة بشرية في الكوكب الأحمر خلال المائة عام المقبلة".. إلى هنا ينتهي ملخص التقرير.

غير أن ما استوقفهم هو ذلك الملحق الذي أرفقه العسس بالتقرير، وفاقم حيرتهم بما تضمّنه من معلومات صادمة، فقد قيل فيه: "الواقع أن قادة هذه الدولة (الفضائية) مغرمون بكل ما له علاقة بالتكنولوجيا الشكلية؛ للتورية على صورتهم البشعة في أوساط الشعوب العربية التي اكتوت بجرائمهم خلال العقد الأخير، فهم يناصبون العداء لكل ما له علاقة بالحريات، وسجونهم تعجّ بالمعارضين والمدوّنين، وهم أول من قاد الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، وهم أول من سعى إلى "سبر" سطح اليمن لاحتلاله وتفتيته، عبر وكالات ارتزاقٍ أجنبية، وهم من قاد تحالف الحصار على قطر، وهم من يسبرون الأراضي الليبية بمرتزقتهم، من أمثال خليفة حفتر وعبد الفتاح السيسي.. وهم عرّابو التطبيع الخليجي مع إسرائيل، والتحالف معها عمّا قريب، وهم من عبثوا بثورة الربيع السورية، وحرفوا مسارها من ثورة شعبية إلى ثورة لحى مصطرعة في ما بينها.

للأسباب تلك وأزيد، ننصح بعدم استقبال "مسبار اليأس" على سطح كوكبنا؛ لأننا نخشى أن وراءه ما وراءه من نوايا ماكرة، والخشية الحقيقية أن يكون الهدف من المستوطنة البشرية التي تحدثوا عنها بناء سجن فضائي أوسع من سجونهم الأرضية.

بعد تفكير مطوّل، توصل المرّيخيون إلى قرار مغاير لما اقترحه عسسهم، فقد قرّروا السماح لـ"مسبار الأمل" بالهبوط، ولكن مع إتخام سطح كوكبهم بيافطات مدونة بشعارات استقبال رائعة، من قبيل: "يعيش الربيع العربي".. "طوبى لأطفال اليمن".. "مع الحكومة الشرعية الليبية".. "يسقط انقلاب العسكر في مصر".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.