المرأة كائن ملاحق

المرأة كائن ملاحق

10 ديسمبر 2015
المرأة كائن ملاحق، منذ القدم (Getty)
+ الخط -

المرأة كائن ملاحق، منذ القدم وهي هكذا ملاحقة داخل الكتب وفي الشوارع وداخل البيوت، وحتى عبر المواقع، كائن ملاحق بالحلال والحرام، وبالشهوات، وكائن ملاحق بـ "الحقارة" على أنها غضّة ويسهل كسرها، هذا الامتهان الصارخ لقيمة الأنثى في العقل العربي على اختلاف درجاته، جعل حتى من المرأة الندّ الأساسي للمرأة.. وقد تفاقم هذا بحصر القيم ومحاصرة الأفعال بقوالب الأخلاق، ما أنتج الرغبة العارمة في ممارسة الممنوع..


تعتقد بعض الكائنات أن كل امرأة يلتقونها هي مشروع معاكساتهم ونزواتهم، إنّهم يعانون من فراغ عاطفي مخيف، ففي مجتمعاتنا، الأغلب تربى في جوٍ أسري متفكك عاطفياً إلى حد الشفقة، تربوا في أسر ظاهرها أسر وفي باطنها وحقيقتها لم ترقَ إلى النسبة البسيطة من المائة من معنى "الأسرة"، إذ طيلة بقائه في أسرته لم يجلس مع أبيه أو أمه أو أخته جلسة واحدة يغمرها أو على الأقل يكون فيها الشيء اليسير من الحنان والعاطفة الأسرية، ولذا لم يتربَّ على استيعاب وقبول الجنس الآخر كإنسان له مقوماته الإنسانية التي ينبغي أن يحترمها، لم يفكر يوما عند مصادفته لفتاة ما أن تكون صديقته وأخته، يستفيدان من بعض ويساعدان بعض لدرجة أن هؤلاء الأشخاص لو رمت الصدفة أو ظرف ما بإحدى الفتيات تطلب منه مساعدة ما ولو بسيطة جداً، كسؤال عن شارع ما أو مكان ما، لترجمها دماغه المتعفن بأنها تريد منه شيئا آخر، وما هذا إلا مدخل ليس إلا ويبدأ بملاحقتها، فالمشكلة في الثقافة المغلوطة التي يتثقف بها هؤلاء منذ نعومة أظفارهم..

زيادة على ذلك فإنه يتحسس من المرأة إذا ما تفوقت عليه، هنا يمكنني أن أستثني الندرة، فأن نرى جميع الأبقار كأنها واحد أمر يرقى حقا إلى ضياع الليل كما قال "جون فيكيت"، ذلكَ الذي يضع طموحاتها كفعل ندي أو تنافسي، بينما أغلب النساء يسعين لتقدير ذواتهن ومقدراتهن ومواهبهن بالاجتهاد والطموح، وتفكر إحدانا وهي تخطو للأمام كيف تجعله فخورا، بينما ابن آدم يفرك رأسه ويفكر بنظرة مجتمعه ومقارناته الجوفاء، فمعنى الطموح والنجاح ليس أن تتحول المرأة الى كائن مسترجل، هذه توهمات أخرى يراد بها قمع الفتيات وتعنيفهن وتخويفهن، بإمكان السيدة المتوازنة أن تكون فاعلة وفي مراكز قوة وتمكين، وهي بكامل أنوثتها وتمام رقتها وطبيعتها، فلا يعقل أن تظل المرأة تتنازل عن مقدراتها ليكمل هو مشواره وتحظى هي في الأخير بشرف "امرأة وراء رجل عظيم"، هذا الكائن الغرائبي الذي يعتقد دوماً أن المرأة الطموحة والمندفعة والناجحة ستدخل معه في نديّة أو مماحكة لقيادة السفينة، لا أيها المخلوق غير القابل للانقراض إنها فقط تحتاج لتنجح لأجل ذاتها وليس لتتفوق على شريكها، مسألة التنافس والمقارنة لا توجد الا في خيال الرجل، وهنا مربط الفرس..

وبما أنّ اهتمامات العربي في الأغلب تافهة وسطحية، فحتى إن خرج إلى الخارج تلفت انتباهه التفاهات، إذ يمكنه أن يتطور أي نعم، يتطور لكن على نحو بالغ الخصوصية، نوع فريد من التغيير لا يتكون إلا داخل جمجمة عربية يستبدل فكرة أن مطاردة النساء ومضايقتهن فعل شائن وغير أخلاقي، إلى مبدأ أنك إذا أردت مطاردة امرأه "افعل ذلك من دون تردد"، لهذا أستغرب أكثر من أولئك الذين يجدون دوماً مبررا للجريمة، ولوأد المرأة، من قال إن الوأد تخلص من أعراضه الناس؟ إنه يصدر اليوم في الرفض التام لممارسة النساء الحياة، تحت غلاف سلطات متعددة سرقت غشاوتها من الأديان، فالحديث هنا عن أنصاف المتدينين، الذين يذودون عن حياض الدين وفقاً لتصورات مغلوطة، فلا هم أنصفوا عقولهم ولا أعتقوا الدين من التشويه يطول، لكنه مذنب في تحجيم المرأة، من كائن بشري إلى كائن عدمي، فما الذي يخدش مشاعر هؤلاء المتنمرين حينما تحيا المرأة؟ إنه عجزهم تحت قناع الفضيلة بالطبع..

استغرب امتعاض البعض على أنه شيء يحدث في كل مكان، الاعتداء على المرأة، وكأن عموم الخطأ لا يجعله خطأ، لا يستنفر من الإشارة لشيء خاطئ إلا من يتحسس بطحة يراها في نفسه، أو يمارس شيئا مشابها يخاف افتضاحه، حتى لتكاد تجزم مع هؤلاء أنهم يحملون داخل رؤوسهم حمارا ما يشاركهم في كل شؤون حياتهم، هذا الحمار قد يختلف حجمه ومدى تدخله بحياتهم، لكنه يظل دائما لا يفارقهم..

فالسواد الكبير منهم مأزومون وهذه حقيقة تاريخية، مأزومون بسلطة يستمدونها من رعونتهم مع نساء حياتهم، من أفكار استحواذية، من شوفينية عاطفية وأشياء أخرى..

لن نتغير أبداً، التغيير لا يتخير أصحابه، ولا يأتيك متكئاً على مقعد الأنانية والسقم، التغيير هو ما تسعى لتحقيقه وتطرق له كل الأبواب، لكن للأسف، التذمر والتكيف مع السوء كأمر واقع، هو أفضل مواهبنا كأشخاص في ذيل الحياة!

الشعوب البائسة من سلالة الطغاة!!

(الجزائر)

المساهمون