المدينة الجامعية تخنق طلاب دمشق

المدينة الجامعية تخنق طلاب دمشق

29 أكتوبر 2018
تحديات كثيرة تواجههم (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

يعيش كثير من العائلات السورية على حلم مشاهدة أبنائها يدخلون الجامعات. كذلك يحلم الأبناء بحياةٍ مستقلة، لكن الواقع لا يشبه أحلامهم بأي شكل. الضغوط الماديّة مرهقة، والواقع المعيشي في المدينة الجامعية لا يحرم الطلاب من الخصوصية فقط، بل من حقهم في الدراسة.

ويقول سعيد الغانم (أبو وجدي)، وهو أب لطالب في الهندسة المعلوماتية، وطالبة في كلية الآداب ـ قسم إنكليزي، لـ "العربي الجديد": "لطالما حلما أن يدخلا الجامعة. لكنها لم تكن على أيامي مرهقة كما اليوم. كان يكفيني ألفا ليرة سورية شهرياً كمصروف. أما اليوم، يحتاج ابني شهرياً إلى نحو 60 ألف ليرة على الأقل (نحو 133 دولاراً)، وابنتي نحو 75 ألف ليرة (نحو 166 دولاراً)، خصوصاً أنها التحقت بدورات لتحسين لغتها". يضيف: "أعدّ من الأشخاص الميسورين. على الرغم من ذلك، أجد نفسي في أحيان كثيراً عاجزاً عن تأمين المصاريف. أصبحت الجامعة مكلفة جداً، من التسجيل السنوي إلى الكتب والمحاضرات. وتحوّلت الدراسة إلى مجموعة من الملخصات منقولة عن مدرس المادة. هذا الأمر لا يقنعني، لكن باتت الدراسة على هذا الشكل".




يضيف الغانم: "ما زاد من معاناة الطالب بحثه عن سكن من جرّاء سوء السكن الجامعي. ويعد بدل إيجارات المنازل في دمشق مرتفعاً جداً بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود أو الطلاب. ويبلغ بدل إيجار المنزل المكوّن من غرفة وصالون نحو 50 ألف ليرة سورية (نحو 111 دولاراً) في ضواحي دمشق. وعادة يستأجر أكثر من طالب منزلاً واحداً".

من جهتها، تقول لبنى الخياط، وهي طالبة سنة أولى في جامعة دمشق، لـ "العربي الجديد": "صدمت بواقع المدينة الجامعية. وضعوني مع 9 فتيات في غرفة صغيرة فيها 6 أسرّة ليست كلها صالحة للاستعمال، ما يدفع بعض الفتيات إلى النوم على الأرض". وتوضح: "ما من خزانة في الغرفة تتّسع لأغراض جميع الفتيات. غالبيتهن يضعن أشياءهن تحت الأسرّة. كما أن الإضاءة في الغرفة ضعيفة والجدران تحتاج إلى طلاء. حتى الفرش سيئة، كأننا ننام على حديد". وتلفت إلى أن "المرافق في السكن الجامعي مشتركة، كالمطبخ والمراحيض، والنظافة شبه معدومة في وقت تنتشر فيه الحشرات. حتى إن بعض صنابير المياه معطلة، ولم أستطع الاستحمام على مدى أيام بسبب سوء حالتها. وقد قالت لي إحدى الفتيات إنني سأعتاد على هذا المنظر، كوني مجبرة على العيش هنا لسنوات".

زميلة لبنى في السكن، وتدعى سلمى، تقول لـ "العربي الجديد": "لا أفهم كيف تُدار المدينة الجامعية. بدلاً من توسيع المدينة وإنشاء وحدات سكنية جديدة، يضعون في الغرفة ضعف قدرتها الاستيعابية. وفي أحيان كثيرة، تعيش في الغرفة الواحدة طالبات في تخصصات وسنوات دراسية مختلفة، ما يجعل أوقاتهم، خصوصاً الدراسية، متضاربة. في الغرفة من تريد أن تنام أو تجفف شعرها، فيما ترغب أخرى في الدراسة. فتاة أخرى قد تتحدث إلى زميلتها أو تستقبل زائرة، ما يجعل الوضع لا يطاق. بالإضافة إلى ما سبق، ما من احترام لأي خصوصية، إذ نسمع موسيقى مرتفعة من غرف مجاورة، وأحياناً تُصدر الفتيات أصواتاً مزعجة". تتابع: "حتى الدراسة في المكتبة ليست بالأمر اليسير. هناك من يتحدث بصوت مرتفع أو يأكل. والوقت الأفضل للدراسة هو في ساعات الصباح الباكر أو ليلاً".

أما سميرة المحمد، وهي طالبة تقيم في المدينة الجامعية، فتقول لـ "العربي الجديد": "في المدينة الجامعية، إن لم تكن لديك واسطة، تعيش أياماً سوداء كما يقال. إذ تنقل إلى أسوأ غرفة. وتبدأ الواسطة والإكراميات خلال التسجيل. حتى إن طلب سرير أو فرشة جيدة يحتاج إلى واسطة". تضيف: "احتجت إلى الاستعانة بأحد النافذين ليعيدني إلى غرفتي، بعدما نقلت إلى وحدة سكنية أخرى، لتأخذ مكاني فتاة أخرى. طبعاً، لو لم تكن واسطتي أكبر، لبقيت خارج غرفتي".

من جهته، يقول عدنان وردة، وهو طالب في جامعة دمشق، في حديث لـ "العربي الجديد": "وضعت في المدينة الجامعية في منطقة الطبالة المجاورة لفرع فلسطين وفرع الدوريات سيئي السمعة، وعشت في ما يشبه ثكنة عسكرية، فضلاً عن الازدحام الكبير بالغرف. غالبية الغرف فيها 10 طلاب وأكثر، ما يجعل النوم صعباً جداً". يضيف: "هذا الأمر أجبرني على استئجار غرفة في منطقة قريبة من الكلية. وبعد مفاوضات مع صاحب الغرفة، ونتيجة وضعي المادي السيئ، قبل أن أستأجر الغرفة بـ 30 ألف ليرة، عدا عن تكاليف الاتصالات والإنترنت والمواصلات والطعام، ما يعني أنني في حاجة إلى نحو 60 ألف ليرة شهرياً. ولا أستطيع العمل بسبب الجامعة، ما اضطرني إلى التقدم بطلب مساعدة إلى أكثر من جهة، حتى استطعت الحصول على قليل من الدعم".

في السياق، يقول أستاذ جامعي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد": "واقع الجامعات السورية الحالي يعدّ الأسوأ منذ سنوات طويلة، وقد أهملت معظم فروعها الكتاب، وبات الطالب يعتمد على الملخصات التي تحولت إلى تجارة رائجة. وتجد أنّ عدداً محدوداً من المكاتب قد احتكرت الكليات، لتبيع الطلاب تلك الملخصات، ومنها من يبيع حتى مشاريع تخرج جاهزة ورسائل ماجستير ودكتوراه. يضاف إلى ما سبق الفساد في الامتحانات. وحتّى في بعض الكليات، هناك من يشتري المواد ويحدّد المعدل الذي يريده".




ويلفت الأستاذ نفسه إلى أنّ "السكن الجامعي ليس أفضل حالاً، وقد تحول إلى مكان غير مناسب أبداً للسكن أو الدراسة حتى، ما يدفع جزءاً من الطلاب لاستئجار بيوت خارج السكن الجامعي، خصوصاً أن الطلاب الذين يسجلون في السكن الجامعي هم أولئك القادمون من خارج مدينة دمشق". ويذكر أنّ "السكن الجامعي بشكل عام لم يشهد توسيعاً يتناسب مع ازدياد عدد الطلاب في الجامعة، ما يجعل المدينة الجامعية في دمشق تستوعب اليوم ضعف قدرتها الاستيعابية. وبدلاً من أن يكون في المدينة الجامعية في المزة 11 ألف طالب، يوجد فيها ما بين 22 و25 ألف طالب".

المساهمون