المخاطر الأمنية للتغير المناخي عنوان خلافي على أجندة مجلس الأمن

المخاطر الأمنية للتغير المناخي عنوان خلافي على أجندة مجلس الأمن

24 يوليو 2020
يهدد التغير المناخي السلم الدولي (ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

يشكل التغير المناخي وتبعاته، تهديداً للأمن والسلم الدوليين على أصعدة عديدة. فشحّ الموارد الطبيعية الناجمة عن التصحر والجفاف، وارتفاع منسوب المياه، على سبيل المثال، يؤدي إلى نقصٍ في موارد المياه الصالحة للاستخدام والغذاء، والتي تؤدي بدورها إلى زيادة النزاعات والهجرة. وغالباً لا تبقى تلك النزاعات في إطار البلد الواحد، بل تهدد بالخروج إلى مناطق أخرى، وعلى مستويات إقليمية. وتستغل الجماعات المتطرفة تقلص الموارد والفقر في بعض المناطق، كأرضٍ خصبة للنزاعات، وحاجة سكانها، لتجنيد أبنائهم كمقاتلين أو مرتزقة لصالح هذا الفصيل أو ذاك. في هذا السياق، يأتي اجتماع مجلس الأمن الدولي في نيويورك اليوم الجمعة، حيث تركز ألمانيا في رئاستها للمجلس هذا الشهر، على مسألة التغير المناخي وتهديده للسلم الدولي، كأحد المواضيع الرئيسية. وتعقد ألمانيا في هذا السياق اجتماعاً رفيع المستوى، عن بعد، يرأسه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ويحضره عددٌ من وزراء الخارجية، ومسؤولون كبار في الأمم المتحدة.

وليست جلسة اليوم مهمة لعقدها على مستوى رفيع فحسب، بل لأنها ستظهر بوضوح مواقف الدول وما هو المنحى الذي سيأخذه العالم، وخصوصاً في ظل جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يتحدث عدد من المختصين في مجال البيئة حول تأثير التغير المناخي على الأمن والسلم الدوليين أمام المجلس، إضافة إلى مسؤولين من الأمم المتحدة. كما ستقدم الدول الأعضاء مواقف بلادها في الجلسة. وهناك عدد من القضايا التي من المتوقع أن تتطرق إليها خلال مداخلاتها، من بينها الحاجة إلى تعزيز الفهم بشأن الآثار الأمنية لتغير المناخ، وضرورة أن تأخذ تقارير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول القضايا المختلفة هذه الإشكالية بنظر الاعتبار. وكما في اجتماعات غير رسمية عقدت في شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، من المتوقع أن تركز النقاشات في جلسة اليوم على ضرورة تطوير القدرات التحليلية لمنظومة الأمم المتحدة، لتقييم التهديدات الأمنية المتعلقة بتغير المناخ، وعلى ضرورة أن تتضمن تقارير الأمين العام للمجلس معلومات مفيدة حول تلك التهديدات، كما على رؤىٍ لدعم الدول والمنظمات الإقليمية في وضع وتنفيذ خطط عملية للتصدي لها. ومن المتوقع كذلك أن تركز بعض الدول على أهمية التكاتف والتنسيق بين الدول والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن، من أجل إدارة المخاطر الأمنية المتعلقة بتغير المناخ والتخفيف من حدتها.

تستغل الجماعات المتطرفة تقلص الموارد والفقر كأرضٍ خصبة للنزاعات، وحاجة السكان لتجنيد أبنائهم كمقاتلين

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي عقد، وبشكلٍ غير رسمي، عدداً من الاجتماعات حول الموضوع خلال العام الماضي، إلا أن آخر اجتماع رسمي له حوله كان قبل أكثر من عام ونصف العام، وذلك في يناير/كانون الثاني 2019. وعموماً، بدأت الأمم المتحدة بالالتفات إلى قضايا التغير المناخي ومخاطره قبل عقود. وفي هذا السياق، عملت المنظمة على عدد من الأطر القانونية، أبرزها حين توصلت في العام 1992 الدول المجتمعة في مؤتمر "قمة الأرض" آنذاك، إلى "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ". ثم بدأ التفاوض بين الدول في إطار الأمم المتحدة حول بروتوكول "كيوتو" بحلول العام 1995، والذي كان يهدف إلى "تعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ"، واعتمد في العام 1997. وبحسب المنظمة الأممية، فإن "بروتوكول كيوتو يلزم قانونياً الأطراف من البلدان المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات". ثم جاءت اتفاقية باريس للمناخ في العام 2015، والتي لا تهدف فقط إلى مكافحة التغير المناخي والتكيف مع آثاره، بل كذلك إلى تعزيز الدعم ومساعدة البلدان النامية للقيام بذلك ودعمها اقتصادياً، ناهيك عن تعزيز الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وغيرها من الخطوات المهمة.

من جهته، بقي مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بعيداً عن قضايا التغير المناخي وتأثيرها على الأمن الدولي حتى العام 2007. إذ ترأست بريطانيا في ذلك العام المجلس لشهر إبريل/نيسان، وقررت استغلال رئاستها لتسلط الضوء على القضية. فخصص المجلس للمرة الأولى في تاريخه جلسة لنقاش الطاقة، والمناخ، والأمن، وكان ذلك في 17 إبريل 2007. ولم تر أغلب الدول الأعضاء في المجلس آنذاك أهمية نقاش الملف في مجلس الأمن، واستمرت بعدم ربط التغير المناخي وتبعاته على الأمن الدولي. وبعد ذلك بأربع سنوات فقط، أي في العام 2011، تبنى المجلس للمرة الأولى بياناً رئاسياً يطلب فيه من الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون، أن يقدم معلومات سياقية حول تغير المناخ وتبعاته الأمنية في تقاريره إلى المجلس المتعلقة بالقضايا المختلفة. ولكن حتى في تلك الفترة، رأت أغلب الدول الأعضاء، وعلى رأسها الصين وروسيا، أن تلك القضايا ليست من اختصاص مجلس الأمن، بل مؤسسات أخرى داخل الأمم المتحدة، كالجمعية العامة والأمم المتحدة للبيئة وغيرها. ولقي الموقف الروسي والصيني دعماً من عدد كبير من الدول الأعضاء في مجموعة الـ77، والتي يصل عدد أعضائها اليوم إلى أكثر من 130 دولة.

تبدي الولايات المتحدة والصين وروسيا  تحفظاتها من أن نقاش المجلس للتغير المناخي  يتعدى على صلاحيات كيانات الأمم المتحدة الأخرى

ومن اللافت للانتباه أنه في العام 2017، وهو العام الذي تولى فيه دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، تصاعد الاهتمام من قبل الدول الأعضاء في المجلس بالموضوع. وبدأت الدول غير دائمة العضوية تطلب نقاش التغير المناخي ضمن أطر مختلفة داخل مجلس الأمن، سواء في جلسات رسمية أو غير رسمية. ولعل ذلك يعود للخطر الذي شعر به العالم من إعلان ترامب عن رغبته بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ (وهو ما حدث لاحقاً)، وعدم التزامه بالتعددية الدولية والتنسيق مع بقية العالم. في المقابل، بدأت الصين تلعب دوراً أكثر فعالية في هذا السياق، وتبدل بعض مواقفها، وتربط بين ضرورة تعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف، وبين اتخاذ خطوات ونهج شامل لمواجهة المخاطر الأمنية، بما فيها تلك الناجمة عن التغير المناخي. لكن الموقف الصيني يبقى متحفظاً في ما يخص الدور الذي يجب أن يلعبه مجلس الأمن في هذا السياق.
وانضمت الولايات المتحدة، بعد تولي ترامب للرئاسة الأميركية، إلى كل من الصين وروسيا في مشاركتهما تحفظاتهما وقلقهما من أن نقاش المجلس لهذه القضايا يتعدى على صلاحيات كيانات الأمم المتحدة الأخرى. ويرى الطرفان الصيني والروسي أن تلك المؤسسات مؤهلة، وبشكل أفضل، للتعامل مع القضية وتبعاتها. وفي حين ترى روسيا أن قضية التغير المناخي تتعلق بالدرجة الأولى بالتنمية المستدامة، وأن ارتباطها بالأمن والسلم الدوليين هو ارتباط عرضي لا أكثر، فإن الولايات المتحدة رفضت في أكثر من مناسبة أن تتضمن قرارات أو بيانات المجلس لغة تتحدث عن الأمن المناخي عندما تعلق الأمر بالعراق أو هايتي أو قضايا أخرى.