المحكمة الخاصة بلبنان: في البدء كان مروان حمادة

المحكمة الخاصة بلبنان: في البدء كان مروان حمادة

19 نوفمبر 2014
حمادة كان أول ضحايا الاغتيالات السياسية (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

ما تزال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تتابع أعمالها وتحقيقاتها وتجميع إفاداتها. يوم اغتيل رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005، أدرك الجميع أنّ الظرف السياسي في لبنان وفي جزء من المنطقة يتبدّل وأنّ واقعاً جديداً تُفتح أبوابه على الأنظمة والمسؤولين فيها في لبنان وسورية. يقدّم النائب مروان حمادة، لليوم الثاني على التوالي، إفادته أمام هذه المحكمة. يدخل الرجل قاعة المحكمة في إحدى ضواحي مدينة لاهاي ويدلي بقراءته السياسية التي طلب منه القضاء تقديمها. وبعد سنوات من بدء جمع القرائن وتأسيس لجنة التحقيق الدولية (أبريل/نيسان 2005) وصولاً إلى إقرار المحكمة الدولية (يونيو/حزيران 2007) ونطاق عملها، تعود جلسات هذه المحكمة إلى الاستماع إلى الإفادات السياسية وأولها من النائب حمادة.

يتميّز دخول هذا النائب إلى قاعة المحكمة بكونه أول ضحايا مرحلة الاغتيال السياسي الجديد في لبنان، في الحقبة بين أعوام 2004 ــ 2007. وما تلاها من اغتيالات لاحقة طالت قيادات فريق 14 آذار، وصولاً إلى اغتيال الوزير محمد شطح (ديسمبر/كانون الأول 2013) وقبله رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، اللواء وسام الحسن (أكتوبر/تشرين الأول 2012).

تعرّض حمادة مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2004 إلى انفجار سيارة مفخخة استهدفت موكبه على بعد أمتار من منزله في منطقة عين المريسة (الكورنيش البحري لبيروت). في تلك الفترة كان حمادة عضو اللقاء الديموقراطي (برئاسة النائب وليد جنبلاط)، الرافض بشكل قاطع تمديد ولاية رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود أحد أبرز حلفاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد. جاءت محاولة الاغتيال كرسالة أولى لكل الكتل الرافضة للتمديد الرئاسي، أي تحديداً جنبلاط وحليفه رفيق الحريري رئيس الحكومة المستقيلة حينها. انفجرت السيارة المفخخة في موكب حمادة، وبعد ساعات وصل نائب الرئيس السوري، عبد الحليم خدام، إلى بيروت للاطمئنان على صحته وتهنئة زملائه واللبنانيين بنجاته. خطوة لا يتردّد حمادة وغيره من فريق 14 آذار بوصفها بعبارة "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته".

يقدّم حمادة إفادته السياسية اليوم تمهيداً للاستماع إلى إفادات أخرى من سياسيين وصحافيين لبنانيين، ستخلص جميعها إلى إدانة مرحلة الوصاية السورية على لبنان. وبحسب أجواء بعض السياسيين في 14 آذار، فإن "الإدانة ستكون مطلقة للنظام السوري في تخريب لبنان ومنعه من التقدم على المستوى السياسي ومصادرة قراراته". يبدو ذلك جلياً من خلال ما تقدّم به حمادة في الساعات الماضية عن تجاوزات القيادة السورية بحق رجال السياسية والإعلام في لبنان. فأشار إلى الإفشال السوري لتطبيق اتفاق الطائف على المستويات كافة، انتخابياً وسياسياً وأمنياً، وعمل القيادة السورية على إقفال مؤسسات إعلامية معارضة للوجود السوري وعمليات تزوير متكررة في الانتخابات النيابية ونتائجها.

كل هذه الدلائل التي قدمها حمادة في اليومين الماضيين، والتي سيتابعها شهود آخرون أمام المحكمة، ستثبت مدى تورّط النظام السوري في إدارة الحياة السياسية اللبنانية وقدرته على إدارة الملفات كافة.

تعود اليوم أصابع المحكمة الدولية إلى اتهام النظام السوري بحسب ما يبدو من الإفادات السياسية التي سيتم الاستماع إليها. ويعزّز هذا المنحى ما كرره وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق (عضو تكتل المستقبل برئاسة سعد الحريري نجل الحريري الراحل)، بأن الادعاء سيشير إلى أن "الهاتف المباشر والشخصي الخاص بالرئيس السوري بشار الأسد كان على اتصال مع أرقام المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري". أي أنّ الأسد كان على اتصال مع المجموعة المفترض ولاؤها لحزب الله والمتّهمة من قبل المحكمة الدولية بارتكاب هذه الجريمة، والتي تضمّ كلاً من: مصطفى بدر الدين، سليم عياش، حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي. وفي القرار الاتهامي الموجه لهذه المجموعة، اعتمدت المحكمة على ملف داتا الاتصالات الذي بيّن عمل هذه الشبكة على التحضير والتفجير يوم 14 فبراير/شباط 2005.

بين أعوام 2005 و2008، اتّهم فريق 14 آذار القيادة السورية باغتيال الحريري وتنفيذ الاغتيالات الأخرى بحق قياداتها، لتعود اتهامات هذا الفريق وتتوجّه مباشرة إلى حزب الله بعد عام 2009، تحديداً مع انطلاق الإشارات الأولى عن ضلوع خلية حزب الله في عملية الحريري. فتأتي التسريبات التي تشير إلى تورّط الجانبين في العملية، في اتّخاذ القرار السياسي (النظام السوري) وفي العمل الميداني (خلية حزب الله) لتعيد خلط الأوراق. وهي خلاصة لن يترّدد هذا النظام وحلفاؤه في لبنان من وضعها في خانة استهداف "سورية الأسد" لإضعافها وإسقاط الحكم فيها. أما التبعات السياسية والأمنية لاتهام مماثل، فقد تكون مكلفة تماماً كما في السنوات الماضية، إذ استبقت اغتيالات قادة 14 آذار أي حدث سياسي على المستوى المحلي، أو في ما يخص تقدم التحقيقات في جريمة الحريري.

المساهمون