Skip to main content
المجر تتحدّى أوروبا باستفتاء "سيادة" رفض اللاجئين
ناصر السهلي
يتوجه المجريون، اليوم الأحد، للتصويت على استفتاء شعبي ينظمه رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، حول قضية شغلت بال الاتحاد الأوروبي منذ خريف العام الماضي، وتتمثل في توزيع اللاجئين كحصص إلزامية بين الدول الأعضاء. وتسببت مواقف أوربان، الرافضة لاستقبال بلاده أياً من اللاجئين، بأزمة صامتة أحياناً وصارخة في أحيان أخرى. وكان مصدرها موقف بروكسل وتهديد ألمانيا بقطع المساعدات عن الدول التي لا تطبق الاتفاقية الأوروبية حول توزيع عشرات آلاف اللاجئين بين دول الاتحاد. التطورات في المواقف لدى دول أخرى، بما فيها ألمانيا وانتقال الدنمارك والسويد إلى جبهة أوربان، جعل مواقفه أكثر تعنتاً في مواجهة الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن الاستفتاء اليوم يعتبر رمزياً، إلا أن نتائجه شبه المحسومة، لمصلحة رفض استقبال لاجئين، ستشكل مؤشراً على ترسيخ التوجه اليمني القومي المتشدد في هذا البلد، بانتظار الانتخابات العامة المقبلة.

ويجب على الشعب المجري أن يصوت اليوم من خلال الإجابة بـ"نعم" أو "لا" على سؤال حول ما إذا كان ينبغي الموافقة على إلزام بروكسل لبلادهم قبول توزيع "مواطنين غير مجريين" بدون موافقة البرلمان. لا يمكن لهذا الاستفتاء أن يغير قوانين وقرارات الاتحاد الأوروبي. وطابعه القانوني ليس ملزماً لبروكسل بشيء. لكنه سيكون بمثابة استعراض عضلات لرئيس الوزراء المجري، الذي يسعى إلى تحصين نفسه بالرأي العام والتسلح به لإخافة الاتحاد الأوروبي من أن يذهب بعيداً في قضية إلزام الدول بحصص اللاجئين. وما طرحه أوربان، منذ أكثر من عام، تتبناه اليوم دول عدة في الاتحاد. فهو رأى بأن حل مشكلة اللاجئين يجب أن تتم "عبر السيطرة أكثر على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، إذا كان يجب الحفاظ على حرية الحركة بين الدول الأعضاء". هذا الطرح وجد صداه في عدد من القرارات التي تبنتها دول عدة في الشمال الأوروبي من خلال إعادة العمل مؤقتاً بالحدود حتى اليوم، كالسويد والدنمارك والنرويج على سبيل المثال. وتزامن ذلك مع تصاعد نبرة مشابهة بين النمسا وألمانيا.

ووفقاً لاستطلاع أجراه موقع "هنغاريا اليوم"، من المرجح أن تصوت غالبية المجريين بـ"كلا" لفرض الاتحاد الأوروبي حصة معينة من اللاجئين على بلدهم. وما يشير إليه الاستطلاع، أن نسبة 62 بالمائة من الناخبين المسجلين قالوا إنهم سيشاركون فيه، و77 بالمائة منهم يعارضون بالفعل إلزامية قرارات بروكسل في هذا الشأن لبلادهم.


وتطلب الأحزاب المجرية، ومنها تحالف "فيدز" الذي يضم "الاتحاد المدني" و"الشعب الديمقراطي المسيحي"، من جمهورها التصويت بـ"لا". ولدى هذا التحالف شعبية تصل إلى حوالي 30 في المائة بين الناخبين. ويضاف إليه حركة "هنغاريا أفضل" (يوبيك) ذات التوجه اليميني، الداعمة لأوربان، بحوالي 11 بالمائة من الأصوات. في المقابل، يعارض الحزب الاشتراكي الهنغاري إجراء الاستفتاء، شأنه شأن عدد من الأحزاب والحركات الصغيرة المعارضة التي حاولت، عبثاً، وقف الاستفتاء أمام المحكمة الدستورية.

ومنذ اندلع الجدل والتجاذب بين أوربان والأوروبيين، بمن فيهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولا سيما حول قوانين وقرارات بروكسل بشأن اللاجئين، ذهب حزب "يوبيك" وتحالف "فيدز" إلى إعطاء انطباع بأن القضية "تتعلق بسيادة المجر". وجرت منذ أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2015، حملة دعائية ورفع لافتات مثيرة للمشاعر القومية عند المجريين، حتى بات الإعلام مجيراً بشكل كامل في اتجاه تصوير اللاجئين وسياسة بروكسل كأكبر تهديدين "للسيادة المجرية".

وعلى الرغم من الأصوات العالية المنتقدة لسياسة الحكومة المجرية، الموصوفة من بعض السياسيين الأوروبيين بأنها "انتهازية تبحث عن دعم الاتحاد الاقتصادي ومشاريع التنمية وبنفس الوقت تعطي الانطباع بأن بروكسل تهديد على سيادتها"، إلا أن أوربان يبدو أنه رسخ شعاراته لدى قادة أوروبيين آخرين باتوا على قناعة "بصوابية سياساته".

ويتعلق الاتفاق الأوروبي بتقاسم استقبال 120 ألف لاجئ، وهو ما عرف بـ"الكوتا" الأوروبية. ونص الاتفاق على أن تلتزم الدول الأوروبية التخفيف عن المجر واليونان وإيطاليا من خلال تقديم محفزات مالية إليها، تصل إلى 6 آلاف يورو عن كل لاجئ يجري استقباله.

ورفض أوربان هذه الإلزامية تحت ذريعة المخاوف من "نزع القرارات السيادية" من بلده وإلزامه بالتالي على أن يستقبل لاجئين ويوطنهم في المجر مستقبلاً. تلك الحجة وجدت صداها لدى الأحزاب والحركات الشعبية المجرية، وبالتالي أصبح الشارع أكثر اقتناعاً بما يطرحه رئيس وزرائهم. وما زاد المخاوف يتمثل في أن بروكسل تطرح فكرة "فرض عقوبة مالية على الدول التي لا تستقبل الجزء المخصص لها من اللاجئين". وخشية أوربان من النتائج الاقتصادية لعقوبة كهذه، باعتبار أن اقتصاد بلده يعتمد بصورة كبيرة على مساعدة الدول الأعضاء له، دفعته إلى فرض نقاش حول شرعية تلك القرارات.

انطلاقاً من ذلك، قرر أوربان اللجوء إلى الناخب المجري للتصويت على استفتاء تحت شعار حماية "السيادة الوطنية". وذهب إلى أبعد من ذلك في تصريحاته، إذ قدم نفسه وكأنه "قلق وحريص على مستقبل أوروبا". لكن أكثر من مراقب سياسي في الغرب، رأى أن أوربان حليف لموسكو، ويجر بلاده إلى عصر آخر غير ديمقراطي، وفق قولهم. واستشهد هؤلاء بهيمنته على وسائل الإعلام وزيادة الرقابة على الإعلام الخاص والتوجه الاستبدادي بوجه المعارضين وجعل القضاء أقل استقلالية.

ولا يبدو أن المجر وحدها من تُقلق بروكسل في تلك التوجهات. فبولندا تشكل منذ عام مصدر قلق كبير للاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ما يتعلق بتراجع استقلالية القضاء. وبالتالي إن ما يثير مخاوف لدى بروكسل هو هذا النموذج المجري الذي يشجع الآخرين في الدول الشرقية، كسلوفاكيا وبولندا في التعامل مع اللاجئين بما يتعارض مع القيم الأوروبية. وهي عدوى قد تنتقل إلى دول أوروبا الشمالية وغيرها، في ظل تنامي الفكر القومي، ما يؤدي في النتيجة إلى الذهاب بعيداً في نزع بعض الشرعية الرمزية عن قرارات الاتحاد الأوروبي.

تجدر الإشارة إلى أن تحالف "فيدز"، في المجر، يعاني داخلياً من عدد من فضائح الفساد السياسي والمالي، لكنه يجد ملجأه بالهرب منها نحو خطاب يتعلق باللاجئين وقرارات الاتحاد الأوروبي لعكس الشعبية التي خسرها سابقاً. واليوم، سيعتبر الاستفتاء، على الرغم من أنه لن يكون له أي تأثير قانوني على الاتفاقية الأوروبية، "انتصاراً لخط أوربان". وما يدعم هذه الفكرة أن دولاً أوروبية أخرى، اتفقت على توزيع 160 ألف لاجئ بينها، لم تقم بما تعهدت به سوى إزاء بضعة آلاف، وفقاً لجدول رسمي صادر عن الاتحاد الأوروبي في 26 سبتمبر/أيلول الماضي.