المجتمع المدني العربي.. تحديات المرحلة

المجتمع المدني العربي.. تحديات المرحلة

03 ديسمبر 2015
المجتمع المدني مطالب بالمساهمة في إدارة المرحلة الانتقالية(فرانس برس)
+ الخط -
ترجع نشأة المجتمع المدني إلى القرن السابع عشر، عندما عرّفه المفكر البريطاني توماس هوبز على أنه مجتمع ينظم نفسه على شكل تعاقدات اجتماعية بين أفراد مستقلين، ثم أصبح فيما بعد مجتمعا ذا سيادة، قادراًعلى تشكيل إرادة عامة، نابعة من مشاعر إنسانية وروابط تراثية واهتمامات مشتركة.


وفي العالم العربي، كانت بداية منظمات المجتمع المدني مع الحركات الاستقلالية في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم تحولت بعد انتهاء الفترة الاستعمارية إلى جمعيات خيرية، نقابات عمالية، منظمات حقوقية وتنظيمات طلابية.

إكراهات المجتمع المدني العربي
وفي هذا النطاق، عانت منظمات المجتمع المدني العربية من استبداد السلطة وضعف الإطار القانوني المنظم لعملها، وأصبحت هياكل المجتمع المدني إما منظمات حقوقية تواجه تسلط الدولة وحاضنة للمعارضين الذين يناضلون في وجه العنف والممارسات القمعية التي تقوم بها الدولة، وقد عانت بذلك من الإقصاء والعزلة الممنهجة وحصرت داخل نخب ضيقة بعيدة عن القواعد الجماهيرية، كما هيمن الاستقطاب الأيديولوجي على قراراتها وتحركاتها الميدانية، وإما تنظيمات تشارك الأنظمة السياسية في الفساد والإفساد، وخضعت إلى تدجين جعلنا أمام مجتمع مدني يفتقد إلى الأدوات المدنية للتعبير عن النفس.

وعلى هذا النحو، أفرغ مفهوم المجتمع المدني في الدول العربية من مفهومه ومفعوله النقدي، فضعف أداؤه وفقد وظائفه من خلال تعرضه لوصاية الدولة أو المانحين للتمويل. ومما تجدر الإشارة إليه، أن الأدبيات الغربية نادرا ما تذكر لفظ المجتمع المدني العربي، بل تصفه بالشارع العربي لأن الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية تأتي من تحركات الشارع وتكون أغلبية المشاركين غير منتمين إلى تنظيمات المجتمع المدني أو إلى تيار سياسي معين، وقد أثبت الحراك العربي صحة هذا الطرح، خاصة أن الشعوب هي التي حسمت التحركات الميدانية وكان الشباب وقود الثورات العربية وما زال يقاوم في ساحات الوغى موجات الثورة المضادة، متشبثا بالمبادئ الثورية القائمة على مدنية الدولة، والحرية، والعدالة وكرامة المواطنين، ومحافظا على النهج السلمي في مواجهة عودة الأنظمة المستبدة والانتقام البشع لأجهزة الأمن.

أدوار المجتمع المدني في مواجهة الثورة المضادة
وفي ظل هيمنة الثورة المضادة على المشهد السياسي والإعلامي العربي، لا بد من صياغة تصور جديد للمجتمع المدني القادر على الاستفادة من الأخطاء السابقة وحث الخطى نحو آفاق رحبة واعدة للشعوب العربية بالحرية والتنمية والمواطنة الحقة، فالرهان الحقيقي حاليا على مشروعية المجتمع المدني العربي وخلقه الثقة المجتمعية بدفاعه عن مبادئ الحراك العربي المتمثلة في احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان، فصل السلطات وسيادة القانون، استقلالية القضاء، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود وثيقة دستورية تبين أدوار ومسؤوليات الدولة وتحافظ على التداول السلمي للسلطة، بما يربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، ويرسخ لإجراءات فاعلة لضبط وربط معادلة الحرية والأمن.

وعلى هذا الأساس، فالمجتمع المدني مطالب بالمساهمة في إدارة المرحلة الانتقالية عبر مجابهة جيوب الاستبداد والمشاركة في إرساء مسار للمصالحة الوطنية، وعدالة انتقالية حريصة على تقصي الحقائق ومحاكمة المتورطين في الجرائم وتقديم تعويضات لجبر الضرر، الأمر الذي يستدعي من المجتمع المدني الحفاظ على مكتسبات الحراك العربي، إشراك جميع فئات المجتمع وتوعيتهم بقضايا المواطنة والإصلاح، بما يقوي الوعي الشعبي ويزكي صناعة رأي عام عربي راق يعمل على تخليق الحياة العامة ومجابهة مظاهر الفساد على المستويين السياسي والاقتصادي.

علاوة على ما سبق، يستوجب على المجتمع المدني العربي العمل كقوة اقتراحية واستباقية توازي العمل التنفيذي للحكومة عبر التحذير واليقظة، ثم توجيه مبادرات ومقترحات فعالة في صناعة القرار الرسمي وبناء السياسات العامة للدولة، ناهيك عن ضرورة وجود تكامل عربي مشترك داخل أسوار منظمات المجتمع العربي لجعل القضايا العربية موحدة و تعزيز أطروحتها أمام المجتمع الدولي.

إن نجاح المجتمع المدني العربي في بناء النظام الديمقراطي والوقوف سدا منيعا أمام موجات الثورة المضادة رهين بالاعتماد على الفاعل الشبابي باعتباره الطبقة الرئيسية في خلق أحداث الحراك، وانتهاج سياسة القرب من الشعوب من خلال التعبير عن متطلباتهم المعيشية، إضافة إلى وجود إرادة حقيقة للعمل المدني مهما بدا هذا العمل صغيرا، فهو أساسيا لإقامة دول عربية قوية و متقدمة، أو كما يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام.

(المغرب)

المساهمون