المثقف السُّلطة

المثقف السُّلطة

21 سبتمبر 2016
+ الخط -
الخطابات أنواع، وأشدّها خطورة الخطاب الأستاذيُّ، والأشدّ منه خطورة أن يجلس المتلقي في كرسيّ التّلميذ، وهذه الخطابات يختلف تأثيرها في الجماعات البشرية، وذلك حسب نوعيتها والبيئة الثقافة التي تحتضنها، وما يهمنا منها هو الخطاب السلطة أو المثقف السلطة، وأقصد بالسلطة هنا، الهيمنة المعرفية والفكرية والإيديولوجية التي تتحوّل إلى خطاب تعليمي كلاسيكي، أي التلقين والشحن المعرفي، وهو ما يؤدي في عالمنا العربي، بحكم الضرورة، إلى بسط أسس حكمٍ مطلق على المتلقي.
ولا بأس من أن أعطي بعض الأمثلة لتوضيح الفكرة، لنأخذ، على سبيل المثال، الشعر، ديوان العرب ومفخرتهم، فقد اتفق النقاد العرب القدماء على أنّ أجود الشعر وأرقاه هو الجاهلي، فانتشار هذا الخطاب الذي يستند إلى المثقف السلطة كرّس هيمنة هذا التصوّر في الدراسات النقدية القديمة والحديثة، فأصبح بذلك عقبةً رافضة للتجديد والصنعة، وذلك نظراً لتأثير المدرسة التقليدية على هؤلاء النقاد، ويكفي أن نستحضر ما تعرّض له أبو تمام ونازك الملائكة من انتقادات قاسية لتجرئهم على التجديد، أو على الأصح، رفض تصوّرات المثقف للسلطة.
هذا لا يعني أنّ المثقف السلطة يدافع عن تعبير إنساني معين، في مقابل نوع آخر هجين أو رديء، بل يمارس سلطته داخل خطابٍ متناسق إلى حدّ ما، ولكن بإيديولوجيا أكبر. لنأخذ مثالاً نوضح به ذلك، نشبت معركة أدبية بين صلاح فضل وصلاح بوسريف حول جودة الكتابات المشرقية والمغربية، وهي معركة خطابين أستاذيين متعاليين، نظراً لمكانتهما العلمية والمعرفية، فيحاول كل منهما أن يدافع عن المثقف السلطة النموذجي لخطابه مقابل المثقف السلطة الآخر الذي يحاول تقويض هيمنته وبسط سيطرته.
أدب جيد مقابل أدب رديء، استراتيجية الصراع، لكن هذين الخطابين المتصارعين، هما، في حقيقة الأمر، خطاب أكاديمي واحد، ضحيته المتلقي الذي اختار كرسي التلميذ. وبهذه الطريقة، يتناسل المثقف السلطة، يسانده في ذلك نظام من الشركات التي تدّعي أنها دور نشر تعنى بالثقافة والأدب، وأساتذة الجامعات الذين كرّسوا خطاباً رُدّد وما زال يردّد إلى يومنا هذا، فلا معنى لكلامي إن قلت أنّ الشاعر المغمور حميد النجاري أشعر من الشاعر الكبير ياسين عدنان، قد يعتبره بعضهم من متتبعي الشعر في المغرب هذياناً لناقد مغمور، والسبب أنّ المثقف السلطة استطاع، عبر تاريخ الأدب العربي، أن يكوّن أجيالاً من المتلقين التلاميذ، وهذان المثقفان السلطويان (المشرقي والمغربي)، أو الخطابين معا، يحملان أدوات الهدم والتقويض، ويكفي أن نستحضر، هنا، ما قام به جاك دريدا في نقد المركزية الغربية، أو طه حسين في "حديث الأربعاء" و"في الأدب الجاهلي" وأدونيس وعبد الفتاح كليطو، وبعض الروائيين المغمورين الذين حصلوا على جوائز رائدة في العالم العربي، وإن كانت هي أيضاً، من أدوات المثقف السلطة.

898027E1-160F-402E-9848-AA28A3448B39
898027E1-160F-402E-9848-AA28A3448B39
لبروزيين عبيد (المغرب)
لبروزيين عبيد (المغرب)