المثقف التونسي غبّ الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة

المثقف التونسي غبّ الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة

28 أكتوبر 2014
نضال شامخ
+ الخط -
يتناول شغف المثقف التُونسي غبّ الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة سائِلًا رأيه إن كان نائيًّا عن الحكم أو مُدانيه.
الفنّان الرئيس
اختار المسرحي رؤوف بن يغلان ترشيح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية. هو مقتنعٌ بأن الديمقراطيّة ليست حِكرًا على الأحزاب السياسيّة، وأن وجود المثقّف في المرحلة التأسيسيّة مهمّ جداً. إذ لا يمكن أن ينفرد السياسي بوضع المشاريع والتخطيط للمستقبل بمفرده. ويرى "أن ترشّحه محاولة لإعطاء طابع إبداعي لهذا المهرجان الانتخابي، وأن قيام الثورة لم يكن بسببِ الجفاف وتهميش المناطق المحرومة فقط، بل بسبب جفافٍ وتهميشٍ فكريين وثقافيين، كرّسهما الاستبداد والظلامية". ويضيف ساخِرًا: "جميع من في الساحة السياسيّة يعيش في حالة تمثيلٍ فاشلة،هم يقدّمون منذ سنوات عروضًا تتشدّق بالأخلاق الحميدة وبالنزاهة، وسرعان ما يكتشف الشعب إنها كاذبة".
رجلٌ وامرأة من حزب واحد
ترى رجاء بن سلّامة الباحثة والعضو في حزب نداء تونس، "وظيفةَ المثقّف مهمّة رغم أن تأثيره في المشهد السياسي يبقى نسبيًا، لكن لا بدّ أن يختار منحىً معينًا وألا يبقى محايدًا". وتضيف "لا بدّ أن يتخلّى المثقّف عن عقلية التعالي على المثقفين المنتمين لتيارٍ سياسي، ثمّة من يعتبرون أنفسهم فوق العمل السياسي الذي هو أساسًا عملٌ في الشأن العامّ لخدمة الشعب والبلد". وتجد "دور المثقّف في إنقاذ تونس من الظلاميّة والإرهاب، ودعم التمدّن والديمقراطيّة". وخلافًا لسلّامة، يعتقد زميلها في الحزب فاضل الجزيري، أن انتمائه انتماء فنّان، إذ ثمّة حالات يمكن أن يكون فيها "الأداء أدبيًا لإعطاء صورة مشرقة للفكر السياسي". فهو يعمل لإنجاح مشروع تونس الحضاري من دون أي طموحٍ سياسي، وما أن تنتهي هذه "التجربة"، فإنه سيعود إلى مشروعه الأساسي في العمل الفنّي. الفنّان في ظنّه يمكن أن يخدم السياسي، ويساعده في الحشد، لتكون السياسة نوعًا من الإبداع الفنّي بما تتضمنه من أفكارٍ ورؤى. وحالَ تناغم السياسي والفنّان، يمكن أن يغدو العمل السياسي أداةً مِطواعةً في يد الفنّان: "الفنّان يعملُ على الذاكرة الإنسانية الثريّة بالتعبيرات الفنيّة على اختلافها؛ التي غالبًا ما تحمل في طيّاتها معانٍ سياسيّة تساهم في إيقاظ الضمير". يزاوج الجزيري بين الفنّ والسياسة، مستندًا إلى تاريخهما الثري في تونس منذ الحركة التنويريّة. وإذ لاحظ ازدياد حدّة التساؤلات بعد الثورة، شعر أنّه من بين المسؤولين عن ذلك، خاصّةً بعد خيبة الأمل الناجمة عن فقد ثقة المجتمع المدني بالعاملين في الحقل السياسي. إذ ظنّ الجميع وقتها أنهم يملكون خبرة والتزامًا يؤهلانهم لإنجاح مشروع تونس الحضاري، إلا أن أحداث العبدليّة وقصر العدالة، أظهرت كم أن المجتمع الديمقراطي العلماني في خطر.
المثقّف وسيطًا
يرى المسرحي والسينمائي علي بنّور أن المثقّف وحده من يستطيع ردم الفجوة بين المواطن والسياسي، إذ هو يتمتّع بـ "حرية" الخيارات والأفعال، لذا اختار الترشّح رئيسًا لقائمة في حزب آفاق. يقول "المشهد السياسي بحاجة للمثقّفين، والمثقّف بدوره يحتاج إلى ثقافة سياسيّة لفهم الأحداث المؤثِّرة في المجتمع، ويمكنه المساهمة في تغيير الوضع السياسي بطرق سلمية".
انتبه للألاعيب ولا تكنْ مستبدًّا
بعد الثورة مباشرةً، شاركت السينمائيّة سلمى بكّار رئيسة قائمة الكتلة الديمقراطيّة في العمل السياسي، نائبةَ رئيس لجنة الحقوق والحريّات في المجلس التأسيسي. وكانت قد اختارت هذا العمل بعد أن حقّقت مع زميلها الشاعر مراد العمدوني أعلى نسبة في الانتخابات. تقول: "الفنّ ليس ضدّ السياسة بالمطلق، وللمثقّف دورٌ فعّال في التحوّلات الديمقراطية". وتعتقد "لا بدّ أن يزداد عدد المثقفين المنخرطين في العمل السياسي. لا زال موقف المثقّف من السياسة موقفًا متردّدًا، كما لو أن الانتماء للأحزاب لا يليق به".
مضى على ممارسة بكّار العمل السياسي ثلاثة أعوام، وترى السياسة "مزيجًا من الإيديولوجيا والمهارة واللباقة. هي ليست قذرةً كما يراها بعض الناس، ويكفي انتباه المثقّف لألاعيب السياسيين وتجنّب الوقوع في فخّ التسييس".
الدور الأساس للمثقّف، وجهةُ نظر زهية جويرو الكاتبة وأستاذة الجامعة، ورئيسة قائمة الجبهة الشعبيّة في الوطن العَربي: "منذ أقدم عصور الفلسفة وإلى اليوم، اشترط الفلاسفة، على اختلاف مرجعيّاتهم، لتحقّق المدينة الفاضلة، أن يحكم فلاسفتها وأن يتفلّسف حكّامها، بمعنى أنهم جعلوا الفلسفة بما هي القوّة العاقلة، حارِسًا للسياسة بما هي تمثيل لـ"لقوّة الشهويّة". السياسي في ظنّها، يحتاج لأن يكّون مثقّفًا، والثقافة في هذا السياق تعني جملة المعارف والخبرات التي لا يستطيع السياسي حال فقدها إدارة الشأن العامّ والاضطلاع بمسؤولياته، وهو ما يجعل الثقافة شرطًا لإنجاز العقل السياسي وليس شرطًا للسياسي ذاته، إذ ثمة بين الساسّة مثقفون من درجة عالية، لكن مرجعهم في الإدارة والاضطلاع هو "القوّة الغضبيّة" و"القوّة الشهويّة"، وتغيب عنهم "القوّة العاقلة". وتتفق مع الرأي القائِل بوجوب مشاركة المثقّف: "تولّيه الشأن السياسي واجبٌ من واجباته، شرط أن يجعل المعارف والخبرات الضروريّة لإدارة الشأن العامّ مرجعَه الأوّل والأخير، وأن يكون محايدًا إزاء السلطة ومنافعها التي تُفسد من يسلّم نفسه لها، وإلا فإنه سيفقد صفته مثقّفًا ويصبح مستبدًّا هو الآخر.
رغم العزل والتهميش، سنُشارك
يجمع الكاتب جلول عزونة بين المثقّف والسياسي، إذ هو مؤسّس رابطة الكتّاب الأحرار ورئيس قائمة الجبهة الشعبيّة، لكنّه يفرّق بينهما؛ فالعمل السياسي برأيه "عملٌ يساهم في التغيير مباشرة"، أمّا المثقّف فيشبه "النهر يحصر مجرى قناعاته على مدى عقود وربما أجيال"، ويلاحظ ميل الطبقة السياسيّة في تونس والعالم العَربي عمومًا إلى "الآني والسريع، وضرورة إبداء مواقف في الحال"، فضلًا عن نِظرتها شبه المتعالية حيال المثقّف. ما يعني أن السياسيّ والثقافي يسيران في خطّين متوازيين لا يلتقيان.
وينطلق الملحن والمطرب مقداد السهيلي من أرض الواقع، ملاحِظًا "أن تونس عاشت طويلًا في حالة تهميشٍ وتغييبٍ للمثقّف. سياسةٌ مقصودةٌ ومدروسةٌ. لأن السياسي يخشى المثقّف. كلّ الثورات في العالم تبعتها ثورات ثقافيّة. ومشاركة المثقّف يمكن أن تغيّر جذريًا الوضع السياسي"، ولعلّ هذا ما دفعه للمشاركة بصورة مستقلّة في الانتخابات التشريعيّة عبر ترأّس قائمة "صوت الفنّانين"، تضمّهم مناصفةً رجالًا ونساءً. لا أوهامَ تُداني السهيلي تجاه الثقافة "ممكن أن تكون درعًا ضدّ الإرهاب والتهميش، صحيح أن الأكل والشرب ضروريين، لكن المواطن يحتاج أيضًا إلى الغذاء الفكري والثقافي، ففي ولاية أريانة حيث أقطن هناك 500.000 شخص، ولا يوجد سوى عشرة دور ثقافة".
لا بدّ من النقد
ربما لا بدّ من النقد، لوضع آراء المثقفّين السياسيين في إطارٍ مختلف، ويبدو أن الجواب النقدّي المتّسق موجود لدى رئيس جامعة منوبّة، الدكتور شكري المبخوت: "المثقّف النقدّي أصبح بمثابة العصفور النادر في سماء الانتخابات في تونس، فما نشهده اليوم هو اصطفافٌ المثقّف وراء السياسي". ويعلّل الأمر: "يعود السبب إلى طغيان السياسة على الثقافة مدّة السنوات الثلاث السابقة، ولأن اللحظة، لحظة ممارسة سياسيّة؛ فالمواعيد الانتخابية وما يصحبها من أجواء ظرفيّة، لا تترك للمثقّف هامشًا للفعل والتأثير. وهذا ينطبق على التيارات الفكريّة والسياسية يميناً ويساراً". ويرى ضعف تأثير دور المثقّف في المشهد السياسي العائد خصوصًا "إلى ما شهدته المراحل السابقة من صراع عند صوغ الدستور، وإلى الاستقطاب الثنائي البغيض، بين النِظرة التي تركّز على الهوّيّة العربيّة الإسلاميّة، كما لو كانت تناقضُ المنظومة الكونية والحقوقية، وبين النِظرة المتمسّكة بمكتسبات التيار الإصلاحي الوطني الحداثي، وهذا سببُه المباشر سياسي، لكن غالبيّة المثقّفين وجدوا أنفسهم، مضطرّين إلى الانسياق وراءه".
وإن كان نقد المبخوت ينطلقُ من أرضيّةٍ صُلبة، فإن النقد المنحاز للثقافة لن يأتي إلا من شاعرٍ. يرى المُنصف المزعنّي السياسة "مركبًا زلوقًا عامّةً، ولأهل الفنّ والفكر خاصّة". لافتًا إلى "ظاهرة" عدد المثقّفين الراغبين في السياسة. ويجد شبهًا بينهم وبين المحامين في حشدِ الحجج، لتبرير"الدخول في معمعة الانتخابات في تُونس"، متكئين في ذلك أيضًا على "غطاء الدفاع عن الشعب والثقافة"، وعلى أن "الفنّان المبدع هو الوحيد القادر على الوقوف ضدّ تهميش الفنّ والإبداع". ثمّ يبرّر: "لعلّ المثقّفين والفنّانين الذين يترشّحون الآن، يريدون القول إنهم يريدون رفع مستوى النقاش الساقِط الهابِط، وقد رأينا بالفعل انحداره في البرلمان"، قبل أن يصوّب سهمًا: "قد يخفون، من وراء الترشّح، البؤسَ الماديّ الذي يعيشونه. هم في حالة طمعٍ مفضوحٍ، وكأن لا شيء يشغلهم إلا أجرة البرلمان وامتيازات لا يجدونها في العمل الثقافي المُضني، خاصّةً بعد ثورة برهنت للقاصي والداني أنها أبعد ما تكون عن الربيع والثقافة ". يتبعه بسؤالٍ لا بدّ للمثقّف من طرحه : "هل انتهت صلاحيّتي الثقافيّة لتبدأ صلاحيّتي السياسيّة؟". قبل أن يقول مباشرةً :"الفنّان الحقيقي يعرف أن العمر قصيرٌ مهما طال، وأولى به ألا يهدرَ عمرهُ من أجل حلّ مشاكل الشعب اليوميّة التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد". لا توسّط لدى المزعني الذي يفصل تمامًا بين المثقّف والسياسي:"العمل النيابي له أهله الذين انتخبتهم الحياة قبل أن ينتخبهم الشعب، كما أن العمل الثقافي له أهله الذين نراهم يريدون الانسحاب، كأنهم يريدون أن يخونوا ليكونوا. بينما عليهم أن يؤكدوا باستمرار ضرورةَ الفنّ والثقافة في حياة الناس. وإن كان لهم من دور، فيتمثّل في التنكيد على أهل البرلمان في الشارع وفي الصحافة". ربما نجد ملمحَ التوسّط لدى مدير مهرجان قرطاج، المسرحي رجاء فرحات، الذي يرى إمكانية "مشاركة المثقّف في السياسة مدّة الحملة الانتخابية عبر دعوة السياسي للارتقاء بخطابه"، إذ لا بدّ أن يحافظ المثقّف على استقلاله، فـ "الثقافة مسألة جوهريّة. والإرهاب اليوم هو كفرٌ بالحياة والجمال والإنسان، نتيجة انعدام الحوار ثقافيًّا وفكريًّا ومدنيًّا، وانعدام حسّ المواطنة. هذا عجزٌ عند كلّ الأنظمة العربية، فقد منعت الحياة الثقافية الحرّة، وهذا سببُ ما يجري اليوم. إذ إن أي خلل في مشاركة الثقافة، يمكن أن يخلق فكراً انعزالياً لدى الأمّة. الفكر ليس واحداً بل أنماط عديدة. ولا يمكن قيام نظامٌ ديمقراطي إذا لم يتمتّع المجتمع بمستوى من الوعي والثقافة يؤهلانه للحياة الديمقراطيّة".

المساهمون