المالكي يترنح بين موسكو وواشنطن

المالكي يترنح بين موسكو وواشنطن

03 يوليو 2014
+ الخط -


بعد تلكؤ الولايات المتحدة الأميركية، في تنفيذ العقد المبرم مع حكومة نوري المالكي، لتزويد العراق بمقاتلات إف 16، سارع المالكي إلى مفاتحة روسيا بالأمر، لتزويده بمقاتلات حديثة من أجل القضاء على الفصائل السنية المسلحة بذريعة محاربة داعش. واستغلت روسيا حاجة المالكي الشديدة لهذه الطائرات، وفرضت عليه شروطاً قاسية، من حيث نوع الطائرات وأسعارها الباهظة.

نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية بعض تفاصيل الصفقة، وذكرت أن الطائرات العشر التي تعاقدت عليها حكومة المالكي مع روسيا هي من طرازي سوخوي 24 وسوخوي 25 القديمة المستعملة، وأن قيمة الصفقة تبلغ  365 مليون يورو، وليست جزءاً من صفقة قديمة، كما تدعي حكومة المالكي الذي لم يكن أمامه سوى الرضوخ للشروط الروسية والقبول بهذه الصفقة غير المتكافئة.

وفي المباحثات بين بغداد وموسكو حول تفاصيل العقد، ظهرت مشكلات جادة عديدة، منها موضوع من سيقود هذه الطائرات، وقد صرح مدير مركز التحليل الاستراتيجي والتكنولوجي الروسي، روسلان بوخوف، لصحيفة نيسافيسفايا غازيت الموسكوفية، إن العراق يفتقر إلى طيارين مدربين على قيادة طائرات السوخوي، على الرغم من أن طيارين عراقيين كثيرين تدربوا على استخدام هذا النوع من الطائرات في سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لكن لا أحد منهم يخدم اليوم في سلاح الجو العراقي، بعد أن قتلت الميليشيات الطائفية المتطرفة أو اغتالت كثيرين منهم، وبعد هجرة من تبقوا منهم إلى خارج البلاد، أو التحاقهم بالفصائل المسلحة.

اقترحت روسيا الاستعانة بالطيارين الإيرانيين، أو السوريين، كونهم مدربين على قيادة طائرات السوخوي، أو التعاقد مع طيارين من أوكرانيا. لكن المالكي رفض، وأصر على طيارين روس لقيادة الطائرات المبتاعة، وقد وصل إلى العراق فعلاً، عدد منهم، وهبطت الدفعة الأولى من طائرات السوخوي، في أحد المطارات الحربية العراقية في الجنوب، بعيداً عن جبهات القتال، وليس في غربي بغداد، كما صدر من تصريحات عن القوات العراقية المسلحة.

وكشفت صحف روسية معارضة للرئيس بوتين، منها صحيفة نوفايا غازيتا التي يمتلك الرئيس السوفييتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، أكثر أسهمها، أن صفقة الأسلحة الجديدة بين العراق وروسيا، تتضمن تزويد العراق بطائرات مروحية من طرازي ميغ 28 وميغ 35. والسؤال الذي يطرحه معلقون روس كثيرون، هو إلى أي مدى تريد روسيا أن تكون طرفاً في حرب المالكي ضد الثورة في العراق، كما يتبين من حوار أجراه المحلل السياسي، سيرغي بريلوف، مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لصالح قناة فيستي الحكومية الروسية، أن موسكو لن تكون متفرجاً خالي الطرف، بشأن ما يحدث في العراق، ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاه المخاطر التي قد تتعرض لها مصالحها في المنطقة.

ويمكن تفسير هذا الكلام بأن روسيا قلقة على احتمال تغلغل الفصائل الإسلامية المتطرفة ووصولها إلى جمهوريات جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، المتاخمة لحدودها الجنوبية، إضافة إلى الشيشان وتترستان.

لا شك أن روسيا تتخذ من حرب نوري المالكي ضد الفصائل السنية المسلحة ذريعة لاستعادة نفوذها المفقود في العراق. ولكن، إلى أي مدى يرغب قادة الكرملين في إقحام روسيا في المستنقع العراقي، يبدو أن ثمة تنسيقاً عالي المستوى بين الولايات المتحدة وإيران وروسيا، لأن المالكي لم يكن يتجاسر على إغضاب واشنطن، خصوصاً في وقت هو في أمس الحاجة إلى المساعدة العسكرية الأميركية فيه.

من الواضح والمعروف أن طهران أرسلت إلى العراق، فعلاً، طائرات تجسسية من دون طيار، وثمة عدة كتائب من فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، تقاتل في ديالى وسامراء إلى جانب جيش المالكي وميليشياته، وأن القوات الإيرانية تشغل، الآن، قاعدة الرشيد، وهي أكبر قاعدة عسكرية في العراق، أما الجنرالات الإيرانيون الذين يوجهون قوات المالكي، فاتخذوا من دار الإذاعة القديمة في الصالحية في بغداد مقراً لهم.

ولم تحقق حملة استعادة تكريت، التي تم الإعداد لها بالتعاون مع المستشارين الأميركيين، أهدافها الرئيسية المتمثلة في رفع معنويات الجيش العراقي، وتعزيز موقف نوري المالكي في الاحتفاظ بمنصبه أربع سنوات أخرى قادمة. كما أن الحرب ضد الفصائل المسلحة ستستمر، أمداً غير معلوم، إذا أصر المالكي على استخدام القوة للقضاء عليها.

طائرات السوخوي المدمرة، وتورط روسيا المباشر في الحرب، لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأزمة العراقية، وقتل مزيد من سكان المناطق الساخنة، من دون إلحاق الهزيمة بمسلحي الثورة ولا بداعش، ولو كان الحل هو القصف الصاروخي والمدفعي والبراميل المتفجرة، لكانت سيطرة المسلحين على الفلوجة قد انتهت منذ أشهر. لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث، وطائرات السوخوي لن تجدي نفعاً في إلحاق الهزيمة السريعة بهم، كما تدل التجربة السورية على ذلك، طوال السنوات الثلاث الماضية.

معالجة الأزمة العراقية، تكمن في إيجاد حل سياسي يلبي طموح الأغلبية الساحقة من المكون السني العربي، الذي يشكل أكثر من ثلث سكان البلاد، وبذلك يتم عزل داعش والقضاء عليها، بمساعدة ثوار العشائر أنفسهم، وعلى المالكي إدراك هذه الحقيقة، لا أن يقوم بصب الزيت على النار المشتعلة.

1B47CA75-D718-4EBF-A5AC-2E98440902F3
1B47CA75-D718-4EBF-A5AC-2E98440902F3
جودت هوشيار (العراق)
جودت هوشيار (العراق)