المؤسسة العسكرية في تونس: هل هي فوق النقد فعلاً؟

المؤسسة العسكرية في تونس: هل هي فوق النقد فعلاً؟

16 مارس 2015
حكم بسجن العياري 6 أشهر (فرانس برس)
+ الخط -
فتحت ثورة 14 يناير/كانون الثاني في تونس، المجال أمام حرية أكبر في التعبير عن الرأي والنقد، فالرؤساء ما بعد الثورة، من فؤاد المبزع إلى المنصف المرزوقي، وصولاً إلى الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، تعرضوا ولا يزالون يتعرضون لنقد من قبل ناشطين إلكترونيين في الشبكات الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام بمختلف أنواعها. كما أن الوزراء ما بعد الثورة وكبار المسؤولين، لم يسلموا من النقد اليومي لسلوكهم ومواقفهم، حتى أنه في بعض الأحيان، يتم التطرق إلى حياتهم الخاصة. ومع ذلك قلة مَن تمت محاكمتهم لنقدهم المسؤولين، بل كان كل هذا النقد يدخل تحت مسمّى احترام حرية الرأي والتعبير، والذي هو من أبرز مكاسب الثورة التونسية.

اقرأ أيضاً: المؤسسة الأمنية في تونس عصيّة على الإصلاح

لكن الخيط الفاصل بين النقد والذم يبدو ضبابياً عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة العسكرية التونسية، فهذه المؤسسة عندما تعرضت إلى النقد، غالباً ما اعتُبر ذلك ذمّاً، وتمت في عديد المناسبات محاكمة من قاموا بذلك، وآخرهم المدون ياسين العياري، الذي قضت المحكمة العسكرية بتونس بسجنه لمدة ستة أشهر، وقبله جرت محاكمة مستشار الرئيس السابق المنصف المرزوقي، أيوب المسعودي والمدون حكيم الغانمي. حالات المحاكمة هذه جعلت الكثيرين يتساءلون: هل الجيش التونسي فوق النقد؟

حاجة للإصلاح؟

يقول الناشط الحقوقي وأحد محامِي شهداء "ثورة 14 يناير" شرف الدين القليل، إن "المؤسسة العسكرية فوق النقد في تونس، وكلّ من يكشف وثائق قد يُحال على القضاء"، معتبراً أنها "مؤسسة تحتاج إلى إصلاحات عميقة".

ويشير القليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لم يتم الاستجابة لمطالب المحامين لاستجواب بعض العسكريين، حتى لجهة الاستنارة برأيهم في العديد من الحالات، مثل قضية براكة الساحل (التي عذب فيها أكثر من 200 ضابط وعسكري، زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لكن القضاء العسكري رفض دعوة جنرالات لهم علاقة مباشرة بهذه القضية)"، لافتاً إلى أنه "تمت في المقابل محاكمة المرحوم عبد العزيز بن ضياء وزير الدفاع في تلك الفترة، لا لشيء إلا لأنه مدني وليس ابن المؤسسة العسكرية".

ويؤكد القليل أن "المؤسسة العسكرية فوق النقد، وإلا بماذا نفسر أن التقرير النهائي للجنة المرحوم عبد الفتاح بن عمر حول الفساد، ذكرت خمس جرائم فساد في المؤسسة العسكرية ومع ذلك لم يحرك أحد ساكناً"، عازياً ذلك إلى أن "القضاء العسكري وسيلتها في رفض كل نقد أو فتح ملفات فساد، وهو ما يجعلها تتمتع بحصانة خاصة".

هذه الحصانة تحدثت عنها أيضاً والدة المدون ياسين العياري، التي اعتبرت أن "المحكمة العسكرية سيف مسلط على الحقوقيين، وقضية ياسين تندرج في إطار رفض كل نقد للمؤسسة العسكرية وقياداتها".

رأي يشاركها فيه ابنها مطيع العياري الذي أضاف: "نقد ياسين للمؤسسة العسكرية كان عن حبّ وغايته الإصلاح، باعتبارنا من أبناء هذه المؤسسة، فنحن أبناء أول شهيد عسكري تغتاله يد الإرهاب بعد الثورة".

اقرأ أيضاً: السبسي في ذكرى الثورة: التوافق مخرج التونسيين

لا خطوط حمراء

ترى عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين المكلفة بملف الحريات عايدة الهيشري، أن "المؤسسة العسكرية وأي مؤسسة في تونس ليست فوق النقد، ولا توجد خطوط حمراء في العمل الإعلامي، شرط أن يقوم الصحافي بعمله في إطار المهنية والموضوعية".

وتقول الهيشري في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من السهل أن نوجّه الاتهامات للآخرين لكن علينا أن نتسلّح بالوثائق والحجج عند كتابتنا، أو البحث في أي قضية حتى لا يضع الإعلامي نفسه تحت طائلة القانون".

وتؤكد "رفض نقابة الصحافيين للمحاكمات العسكرية للمدنيين مهما كان سببها، فكيف إذا كان سبب المحاكمة نشر رأي أو موقف، لذلك كان موقفنا واضحاً في قضية المدون ياسين العياري، لا للمحاكمة العسكرية مقابل الدعوة إلى تحويل القضية إلى القضاء المدني".

من جهته، يؤكد المتحدث الرسمي الأسبق باسم وزارة الدفاع التونسية العميد المتقاعد مختار بن نصر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المؤسسة العسكرية ليست فوق النقد، بل هي مؤسسة جمهورية وديمقراطية، وخير دليل على ذلك أننا كنّا أول مؤسسة طلبت من مجلس النواب بعد الثورة، وفي مراسلة رسمية الخضوع إلى المراقبة الديمقراطية، وهذا الطلب يُعتبر سابقة في تاريخ المؤسسات العسكرية في العالم".

وعن المحاكمات العسكرية بحق من ينتقد المؤسسة العسكرية، يوضح بن نصر: "نحن مع حرية الرأي والتعبير، لكن هذه الحرية لا تعني الذمّ والتشهير والاعتداء على قيادات عسكرية، من دون دليل، وهذا في اعتقادي ما حدده المرسوم 115 المنظم للعمل في القطاع الإعلامي في تونس".

أما عن قضية المدون العياري، فيقول بن نصر إن "ياسين منذ وفاة والده بدأ في حملة على المؤسسة العسكرية من خلال نقد قياداتها، متجاهلاً أن هذه القيادات لها آلاف العسكريين الذين يتبعون لها، وعندما يقرأون ما يُكتب من تهجم واتهام هذه القيادات بالسرقة، أليس في ذلك مسّ في هيبة المؤسسة ومسؤوليها؟ من هنا يجب أن يتدخل القضاء ليكون الفيصل في الادعاءات، فالسارق يُحاسب إن ثبتت سرقته وكذلك الشأن بالنسبة لمن ادعى عليه كذباً، من دون حجة أو برهان".

تبقى المؤسسة العسكرية في تونس على الرغم مما يقال عنها، تحظى بجانب محترم من القبول الشعبي، إذ إن استطلاع رأي أجرته أخيراً مؤسسة أميركية، أظهر أن 95 في المائة من التونسيين راضون عن أداء المؤسسة العسكرية، كما أنها وعلى عكس الكثير من نظيراتها في دول الربيع العربي، بقيت مؤسسة جمهورية لا تتدخل في الشأن السياسي، وحصرت عملها في إطار مهامها التي ينص عليها الدستور التونسي، لكنها مع كل ذلك تبقى قابلة للتطوير والإصلاح.

المساهمون