اللقاح إلزامي في فرنسا

اللقاح إلزامي في فرنسا

26 ابريل 2019
تحصل على لقاح الأنفلونزا (Getty)
+ الخط -

ما زالت اللقاحات محلّ جدالٍ في فرنسا. وعلى الرغم من أن الحكومة أجبرت العائلات على الالتزام بـ11 لقاحاً في عام 2018، يبقى هناك من يعتقد أن الأمر خلاصة لمصالح تجارية

يعترض حسن الناجي، وهو والد رضيع في شهره السادس، على إخضاع ابنه لـ11 لقاحاً إلزامياً. ويستعرض، على الرغم من اعترافه بمستواه الدراسي المتواضع، الأدبيات التي تتحدث بحذر وأحياناً بقسوة، عن هذه اللقاحات، وكيف أنها "تخدم مصالح المختبرات الطبية". لكنّه يعترف بأنّه خضع في النهاية "لأنّ سلاح الدولة أقوى". ويتوجب على العائلات الخضوع للقاح الإلزامي في حال أرادت تسجيل أولادها في روضات الأطفال، ثم في المدرسة.

وتنتقد وزيرة الصحة والتضامن الفرنسية أغنس بوزين الآباء الذين يهدّدون حيوات أبنائهم بسبب هذه المواقف، وتُحذّر في كل مرة من أنه "بسبب تصرّفات مماثلة، قد تشهد فرنسا عودة الأمراض. بالتالي، هذا الأمر لا يطاق". وفي الوقت نفسه، طمأنت المترددين بأن الأعراض الجانبية لهذه اللقاحات نادرة جداً.




الفرنسيون حذرون من اللقاح، بل هم أبطال العالم في هذا الاحتراس، كما تقول مجلة "علوم ومستقبل". لكن للأمر أسبابه، منها أزمة "ميدياتور" وانتشار الطب البديل. وبحسب استطلاع للرأي في عام 2016، 41 في المائة من الفرنسيين يقدّرون أن اللقاحات ليست مؤكدة، في حين أن المعدل الأوروبي هو 17 في المائة. وتعدّ دول مثل الأرجنتين والإكوادور والفيليبين من الدول التي تحظى فيها اللقاحات بثقة بالغة.

والغريب أن تحولات الفرنسيّين جديدة. حتى نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان الفرنسيون في غالبيتهم (90 في المائة)، مقتنعون بضرورة اللقاح. إلا أن الرقم تراجع في عام 2010 إلى 60 في المائة، وإلى 59 في المائة في عام 2015.

ويحاول الباحثون معرفة الأسباب، ويعزونها إلى أزمة "ميدياتور" في عام 2009، وهو دواء لعلاج السكري تسبب في وفيات عدة، إضافة إلى مطالبة الحكومة باللقاح ضد أنفلونزا "أتش 1 أن 1" المعروف شعبياً باسم أنفلونزا الخنازير، ما ساهم في زيادة الشكوك لدى الفرنسيين حول المصالح التي تجمع الخبراء بالسلطات الصحية.

هكذا انتشر الطب البديل. وما عزّز انتشار هذا التحوّل ظهور كتابات طبيّة من تأليف البروفيسور هنري جوايو المتخصص في جراحة الجهاز الهضمي، والدكتور لوك مونتانيي المتخصص في علم الفيروسات والحاصل على جائزة "نوبل" في الطب، يهاجمان فيها اللقاحات. وبسبب أسلوبهما البسيط والسهل، تأثّر رأي عام فرنسي واسع.

وترى طبيبة الأطفال كورين مورو، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفرنسيين خلال ثمانينيات القرن الماضي، كانوا يسلمون أمورهم للأطباء والسلطات الصحية لضمان صحتهم. بعدها اختلف الأمر، وأصبحت الدولة لا تملك إلّا منح الإرشادات أو الإقناع وليس الإكراه".

فوجئ الفرنسيون بإلزامية اللقاح في عام 2018، علماً أن آخر اللقاحات الضرورية تعود إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي. لكن لا شيء ثابت. بعد سنوات من الحذر، استعاد الفرنسيون الثقة في اللقاحات. وبحسب استطلاع للرأي أعدّه معهد "إبسوس": "في عام 2018، أعرب 83 في المائة من الفرنسيين عن تأييدهم للقاح، منهم 34 في المائة مؤيدون بقوة، في مقابل 69 في المائة في عام 2016". لكنّ الحديث والجدال حول هذا الموضوع أصبح منتشراً على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق.

"ما من شك أنّ الهجوم الإعلامي الحكومي في هذا الإطار كان حاسماً في هذا التحول"، كما تقول الطبيبة كورين مورو. وساهم ظهور الحصبة، الذي تسبّب في مقتل شخصين في عام 2018، في ظهور أمراض أخرى كانت قد انقرضت، ما دفع الحكومة إلى فرض إلزامية اللقاح. هكذا، تدخلت وزارة الصحة بقوة، وقرّرت في يناير/ كانون الثاني من عام 2018 فرض 11 لقاحاً، 3 منها فقط كانت إلزامية، في حين كان يُنصَح بإجراء الثمانية الأخرى، وذلك خلال العامين الأولين من حياة الرضيع.

وتدافع بوزين عن هذا الإجراء باعتباره يتوافق مع توصيات منظمة الصحة العالمية، أي الوصول إلى عتبة اللقاحات التي تطالب بها. هكذا جاء استطلاع الرأي الذي يؤيد استعادة الفرنسيين الثقة باللقاحات بعد هذا الإجراء الحكومي "القوي والواضح والمسموع".

ولم يعترض سوى 17 في المائة من الذين يرون وجود علاقات مشبوهة بين لوبيات صناعة الأدوية والحكومة، والذين يدافعون عن مبدأ "الحرية الفردية"، من بينهم نسبة 5 في المائة يؤكدون رفضهم المطلق لها. وإذا كان البعض يبدي تذمّره من هذا الإلزام الحكومي، فإن العديد من الأطباء، على الرغم من أنهم يمتدحون الأمر، يأملون في أن يكون انتقالياً، على أن ينخرط كل مواطن في مبدأ الوقاية (أي اللقاح).

ما زالت فرنسا ودول العالم تذكر أنفلونزا "أتش 1 أن 1" (2009 ــ 2010)، التي دفعت حكومات العالم إلى إعطاء المواطنين اللقاحات مجاناً. الطريف أن فرنسا في ذلك الوقت، اشترت ما يكفي لأربعة وتسعين مليون شخص. وتمّ الاتصال بكل مواطن على حدة للحصول على اللقاح. لكن كثيرين رفضوا الأمر خوفاً من أعراضه الجانبية. فاضطرت وزيرة الصحة روزلين باشلو في ذلك الوقت إلى الحصول على اللقاح أمام عدسات وسائل الإعلام، حتّى تبدّد مخاوف كثيرين. على الرغم من ذلك، لم يستجب سوى ستّة ملايين شخص.

لكن اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية التي تتسبب في وفيات كثيرة، يتواصل كلّ عام. ويستطيع كل مواطن أن يطلب اللقاح من طبيبه المُعالِج، لكنه يدفع ثمنه من جيبه. في المقابل، يحصل البعض على بدل اللقاحات من الضمان الصحي. ويتعلق الأمر بالأشخاص البالغين سن الخامسة والستين وما فوق، والنساء الحوامل، والأشخاص الذين يعانون من السمنة، والعائلات التي لديها رضيع يَقل عمره عن ستة أشهر، إضافة إلى الأشخاص الذين يقيمون في مؤسسات تقدّم العلاج. لكن على الرغم من هذه التسهيلات، يرفض كثيرون اللقاحات، التي يؤكد الأطباء أنها تنقذ حيوات كثيرة. ويشكو بعض منهم من حدوث مضاعفات.

وعلى الرغم من إلحاح الطبيبة، يرفض علي الفيلالي، وهو في الثانية والثمانين من العمر، الحصول على لقاح الأنفلونزا. "على الرغم من أنه مجاني، إلا أنني لا أستسيغه. الحقنة مؤلمة، ويستمر الوجع أياماً. لا أعرف بالتحديد ما الذي أستفيد منه". يعترف بأنّه يلجأ كثيراً إلى وصفات شعبية لمقاومة الأنفلونزا.




وتحاول الطبيبة إقناعه بأن اللقاح سيجعل وقع الأنفلونزا أقلّ، بالمقارنة مع الذين لا يخضعون للقاحات. لكن الفيلالي يصر على رفض الأمر. لذلك، تتعجّب الطبيبة، وهي من أصول صينية، من الأمر. تقول: "في حال حدوث طارئ، لا تلُم إلا نفسك". كثيرون مثل الفيلالي لن يلوموا، بالتأكيد، إلّا أنفسهم.

دلالات

المساهمون