اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: متى تسقط التهمة؟

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: متى تسقط التهمة؟

23 يناير 2017
(أمام المقهى المستهدف بشارع الحمرا، تصوير: أنور عمرو)
+ الخط -

ما لبثت الأجهزة الأمنية اللبنانية، حتى أعلنت ليلة أول أمس السبت، في تمام الساعة العاشرة والنصف، عن إحباطها عملية انتحارية في بيروت، كان ينوي تنفيذها شابٌ (25 سنة)، يرتدي حزامًا ناسفًا في مقهى كوستا بشارع الحمرا، بعدها تناقل عدد من القنوات التلفزيونية كـ (LBC) وصحف لبنانية مثل (الديار) أن الذي حاول التفجير وبحسب مصادرها الخاصة جدًا، فلسطيني الجنسية، وذلك بعد نحو الساعة من إحباط العملية.

ورغم نشر البطاقة الشخصية للشاب وعَرضِها على وسائل التواصل الاجتماعي، التي بيّنت أن الفاعل -ويدعى عمر حسن العاصي-، من أبناء مدينة صيدا جنوب لبنان، ويُعتقد بأنه من جماعة (أحمد الأسير)، غير أن الإصرار على فلَسطينيّة الفاعل بقي متواصلًا من طرف تلك القنوات، مثل تلفزيون الجديد الذي طالب بعدم التسرّع في الحكم، فمن الممكن أن تكون البطاقة الشخصية مزوّرة، ولم تصمت ضوضاء الاتهامات إلا بعد مرور ساعتين، حين دهم عناصر الأمن منطقة شرحبيل بصيدا حيث يسكن الشاب عمر، وتأكّدوا من مطابقة البطاقة الشخصية والعنوان.

أَبقَت ساعات الانتظار تلك أنفاس اللاجئ الفلسطيني في لبنان محبوسة، ريثما يتمّ التأكّد من هوية "الانتحاري"، وليس جديدًا ما يشعر به اللاجئ بعد كل انفجار، لأن الخطاب الطائفي والتحريضي الذي انتشر يوم أمس من قبل بعض الأطراف، واتهام اللاجئ الفلسطيني قبل التحقيق وانتهاء المجريات التي تحتاج لها مواقف كهذه، واعتماد ذكر "مصادر خاصّة" بدل التأكد من مصدر المعلومة بطريقة لا تمت للمهنية والإعلام بصلة.

ليس ما ورد أمس هو الخطاب الأوّل من نوعه، بل يحصل ذلك غالبًا عقب كل تفجير، كما في تفجيرات الضاحية الجنوبية العام الماضي، عندما وُجّهت الاتهامات إلى مخيّم برج البراجنة المحاذي للضاحية، ويأخذ الخطاب أحيانًا شكل السخرية الساذجة، مثلما فعلت قناة LBC بعرضها أغنية في برنامج بسمات وطن يوم 3/ 12/ 2016، تسخر عبر كلماتها من قضية حساسة جدًا كانت تشهد محادثات مكثفة بين الجانبين الفلسطيني واللبناني واحتجاجات متواصلة من أهالي مخيّم عين الحلوة في الجنوب اللبناني، وهي مسألة بناء جدار مخيّم عين الحلوة الذي قوبل برفض واستنكار من قبل الأهالي.

لا يوجد ما يبرّر تلك التصريحات التي تجعل من الفلسطيني في لبنان المتّهم الأوّل عند وقوع مثل الحادثة سالفة الذكر، ولا أسباب كافية قُدّمت حتى الآن لإقامة الجدران العازلة حول المخيّمات الفلسطينية، كجدار عين الحلوة، بحجّة إبعاد (الإرهاب) عن اللاجئين الفلسطينيين! هذا يحيلنا على سؤال لماذا يتحكّم الماضي بحاضر أجيالٍ من اللاجئين الفلسطينيين، أجيال لم ترَ الحروب التي اندلعت في لبنان وشارك فيها أسلافهم، وعدم الإجابة عن هذا السؤال لا "يصحّح الظلم التاريخي المستمر الذي لحق بالشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى اليوم".

صحيح أن التعميم مسألة خاطئة، لكن ما يسوقنا إليه في النتيجة، هو وجود بعض الأطراف التي ما زالت تؤطر العلاقات اللبنانية- الفلسطينية بنظرة ضيّقة، نظرة لم تُراعِ التغييرات التي حصلت إبّان الحرب الأهلية وحرب المخيمات في لبنان وكانت القوى الفلسطينية مشاركة فيها بشكل أساسي، وعوضًاً عن محاولتها العمل على طمأنة مخاوفها وأوهامها من الجانب الفلسطيني، والإفصاح عن قلقها الأمني كلما حانت لها الفرصة، قامت عوضًا عن ذلك بتنميط مواقفها وتعاملها مع اللاجئين الفلسطينيين على أساس جزئية تلك المشاركة الفلسطينية في الحرب، وحرمت بذلك العلاقات بين الجانبين اللبناني- الفلسطيني من التطوّر والتوجّه إلى توليف خطاب جديد يوائم ما وصلت إليه الأمور ومستجدّاتها، ويتجاوز الحرب ومفرداتها البالية.

هذا الوضع، انعكس بدوره على اللاجئ الفلسطيني، الذي نزح من سورية خلال الأعوام الخمسة الماضية، فقد وصل عدد النازحين إلى لبنان في البداية إلى 42 ألف لاجئ فلسطيني، هربوا من الحرب والمضايقات الأمنية والتدهور الاقتصادي في سورية، فوجد أولئك النازحون العلاقة بين اللاجئ الفلسطيني ولبنان معقدة قانونيًا وسياسيًا وأمنيًا، إلى جانب مشاكل الإقامة التي تعترض كلّ من نزح إلى لبنان بصعوبة كبيرة، والبقاء في لبنان بشكلٍ مخالف للقانون بسبب عدم السماح بتجديد الإقامة إلا في أوقات محدّدة يتمّ الإعلان عنها وفي بعض الأوقات لا يتم ذلك، ما يجعل اللاجئين في حالة ارتباك، كيف لا وهو القادم من حرب خطرها بقي مرافقًا له بعدم توفّر الأمان في لبنان.

هذا الكلام لا ينفي سعي بعض الجهات في لبنان مثل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني للبحث والعمل المتواصل والاجتماعي مع التنظيمات والمؤسّسات الفلسطينية، بهدف إيجاد صيغة عيش مشترك بين الفلسطينيين واللبنانيين، تضمن حقوق الاثنين ولا تمسّ سيادة لبنان، وتصون حق العودة بمعزلٍ عن الرأي، الذي يجد بأن إعطاء اللاجئ الفلسطيني بعض الحقوق في لبنان التي تؤمّن له حياة مقبولة ما هو إلا توطين ويقضي على حقّ العودة.

المساهمون