اللاجئون السوريون في لبنان بلا إطار تمثيلي موحّد

اللاجئون السوريون في لبنان بلا إطار تمثيلي موحّد

18 مارس 2015
ثلثا أطفال اللاجئين لا يتلقون تعليماً (حسين بيضون)
+ الخط -
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان، أكثر من مليون و170 ألف لاجئ مسجّل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويرتفع الرقم غير الرسمي ليتجاوز مليوناً ونصف مليون لاجئ. وحتى اليوم، لا توجد جهة تنطق باسم هؤلاء اللاجئين.
نتيجة هذا الغياب، تتعاطى السلطة اللبنانيّة بشقيها السياسي والأمني مع اللاجئين بمستوى عال من التجريب، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار انعكاسات هذا الأمر على واقع اللاجئين، وهو ما أقرّ به النائب عن كتلة "المستقبل"، سمير الجسر في مقابلة سابقة مع "العربي الجديد".

اقرأ أيضاً (إحصاء: 6 ملايين لاجئ سوري مسجل)

وتعرّض اللاجئون في لبنان لتصرفات أخذت طابعاً عنصرياً، سواء كان عبر السلطات المحليّة أو على المستوى الوطني. وحدد عدد من البلديات في لبنان ساعة في كلّ مساء، يُحظّر بعدها على اللاجئين التجوّل في خارج منازلهم. كما أصدرت بلديات أخرى قرارات بمنع السوريين من دخول نطاق بلدتهم. من جهتها، قامت الأجهزة الامنيّة بسلسلة من الإجراءات، بدءاً من المداهمات التي نفّذها الجيش اللبناني داخل مناطق تجمّع السوريين، والتي اتسم جزء منها بالعنف غير المبرر. ويبلغ معدّل الموقوفين في لبنان ثلاثة في كلّ ساعة، معظمهم من السوريين. وهو ما ساهم في الترويج لفكرة أنّ السوريين في لبنان يتحمّلون مسؤوليّة الجرائم، وهو أمرٌ تنفيه إحصاءات قوى الأمن الداخلي.

في ظل هذه الأوضاع، يدور سؤال حول سبب غياب إطار سوري يتحدّث باسم اللاجئين؟ وتتمحور الأسباب التي يذكرها عدد من الناشطين السوريين الذين التقت بهم "العربي الجديد" حول سببين أساسيين؛ الأول، هو الخوف الذي يتملّك اللاجئين من السلطات الامنيّة اللبنانيّة. والثاني هو الاختلافات العميقة بين الناشطين.

ويقول محمّد، وهو من الناشطين السوريين الذين عملوا منذ البدايات في صفوف الثورة السورية، إن هناك رعباً حقيقياً عاشه الناشطون عامي 2012 و2013. في هذين العامين، سعى الناشطون السوريون إلى تنظيم صفوف اللاجئين، لكن "معظمهم تلقى إشعارات من الأمن العام اللبناني بضرورة مغادرة لبنان خلال مدة زمنية لا تزيد عن الشهرين". ويُشير إلى أنه تلقّى إنذاراً مشابهاً، استطاع تجاوزه لأنه تزوج من سيدة لبنانيّة.

في المقابل، غادر عدد من الناشطين ممن تلقوا إنذارات، فيما يستمر آخرون بالتواجد في لبنان بإقامة غير شرعيّة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى مزيد من الحذر لدى الناشطين، ودفعتهم إلى الابتعاد عن العمل العام.

يتقاطع كلام محمد مع ما يؤكّده مصدر في المعارضة السورية في لبنان. يرفض هذا المصدر ذكر اسمه لأسباب تتعلّق باستمرارية عمله، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّه عمل على تنظيم اللاجئين خصوصاً في طرابلس، شمال لبنان "لكن بعد كل اجتماع عقده مع الناشطين في المدينة تستدعي استخبارات الجيش اللبناني أحد الحاضرين في الاجتماع لسؤاله عمّا دار من حديث". وبحسب هذا المصدر، أدى هذا الأمر إلى امتناع الناشطين عن الحضور.

ويتفق محمد والمصدر المعارض على أنّ من الأسباب التي أدّت إلى غياب الإطار، إصرار جهات سياسية ــ دينيّة سورية ولبنانيّة على حصر المساعدات الإغاثية للاجئين بأطرها الخاصة، وكما تعرف فإن الأمر الأول الذي يحتاج إليه اللاجئون هو المساعدات". ويفتح هذا الأمر الباب واسعاً أمام السبب الثاني لعدم تنظيم الوجود السوري، وهو الخلافات بين الناشطين السوريين. فقد انعكس بحسب ما يروي من التقتهم "العربي الجديد"، الخلاف بين مكوّنات المعارضة السورية على الواقع اللبناني.

"هناك خلاف على كل شيء؛ نحن مختلفون على الموقف من تسليح الثورة ومن العلاقات مع القوى السياسية اللبنانية والموقف من العنصرية التي ظهرت عند جزء من المجتمع اللبناني، وحول توزيع المساعدات والعلاقة مع السفارات العربية والغربية"، كما يقول معارض آخر. ويُضيف الشاب أنّ المجتمع السوري "تعرّض لصدمة حضارية بعد الثورة؛ فنحن عشنا قمعاً عمره أربعون عاماً، وفجأة شعر السوريون بأنهم قادرون على إبداء رأيهم في كلّ شيء، بينما لا يملكون أطراً وهيئات تنظّم اختلافاتهم وتديرها".

في المقابل، يقول ياسين، وهو ناشط وكاتب سوري يعيش خارج لبنان، إن اللاجئين السوريين فشلوا في بلورة أطرٍ في كلّ مكان، وليس فقط في لبنان. يُشير إلى الواقع التركي، حيث "الدولة تحتضن اللاجئين السوريين ولا تمنعهم من تشكيل أي إطار، لكننا لم ننتج هيئة تتحدث باسمنا". ويلفت إلى أن السبب الرئيسي خلف عدم تشكيل هيئة ما في تركيا، هو الموقف السوري نفسه، "إذ إن السوريين يميلون إلى شكر الحكومة السورية على استقبالهم كما أن موقفهم من الائتلاف المعارض سلبي جداً"، على حدّ تعبيره.

ويُشير عدد من الناشطين، فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ محاولات التحرّك الأولى التي قام بها هؤلاء ووجهت بعنف من "شبيحة" السفارة السورية، وقوى حزبية لبنانيّة، ولم تحمهم السلطات الرسميّة اللبنانيّة. ونجم عن هذا الأمر ابتعاد عن الشارع، إذ لم يُشارك في أي فعالية متضامنة مع الثورة السوريّة أكثر من بضع عشرات من السوريين في لبنان.

ويقول أحد الناشطين إن هناك أمراً يزيد من خصوصية الوضع اللبناني، وهو استمرار عمل السفارة السورية في لبنان، واعتمادها من قبل السلطات اللبنانيّة. لكن في المقابل، فإن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" فشل في أن يكون جهة تمثيليّة للسوريين في الدول التي قطعت علاقتها مع النظام السوري، وأبرز دليل عدم إيجاد حلّ منطقي ومعتمد دولياً لجوازات السفر المنتهية الصلاحيّة للسوريين.
يُعدّد الناشطون الأسباب الموجبة لإنشاء هيئة تنطق باسم السوريين. يبدأ هؤلاء بذكر مواجهة الممارسات الممنهجة ضدّهم، وتوجيه المساعدات وترشيد إنفاقها. لكن أهم ما يذكره هؤلاء، توثيق الولادات في صفوف اللاجئين، خصوصاً أن العديد من الأطفال حديثي الولادة لا يملكون أي وثيقة تُثبت وجودهم. ولا يوجد إحصاء رسمي لعدد هؤلاء.

من هنا تسعى "هيا بنا"، وهي جمعية لبنانيّة، إلى التواصل مع اللاجئين السوريين في المناطق بهدف إنتاج إطار تمثيلي لهم. يقول رئيس جمعية "هيا بنا" لقمان سليم، إن العمل يجري على مستويين. الأول مع اللاجئين السوريين عبر تنظيم مجموعات عمل لتحديد الأولويات والحاجات، والثاني مع شخصيات لبنانيّة بهدف إنشاء "لوبي نظري تحت عنوان ألا يكون التعامل مع اللاجئين السوريين عام 2015، كما كان مع اللاجئين الفلسطينيين". ويشرح سليم فكرته، بالإشارة إلى أن غياب السياسة عن التعاطي مع ملف اللاجئين ترك الأمر للأجهزة الأمنيّة، بحيث يعيش اللاجئون تحت رحمة أجهزة بعضها يُعادي اللاجئين، وتحت رحمة صراعات هذه الأجهزة.
ويُشير سليم إلى أن الفارق بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، أنه لم يكن هناك دولة للفلسطينيين، بينما السوريون كانوا مواطنين في دولة، بغض النظر عن الموقف منها. وفي ما يخض الخلافات بين اللاجئين، يقول سليم إن العمل يرتكز على الاتفاق بما هو مجموعة مصالح مباشرة، والقفز فوق الخلاف السياسي.

اقرأ أيضاً (لبنان: ألف طلب "تسوية وضع" للسوريين في عرسال يومياً)

44 في المائة من الأطفال خارج المدارس

أظهر تقييم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لوضع اللاجئين السوريين لعام 2014، أن كل عائلة لديها في المتوسط 2 إلى 3 أطفال في سن المدرسة (بين 3 و17 عاماً). ولفت التقييم إلى أنّ ثلثي هؤلاء الأطفال لا يتلقون أي تعليم و44 في المائة لم يرتادوا أي مدرسة لمدة لا تقل عن سنة. وأضاف التقييم إلى أن 30 في المائة من الأسر التي تفتقر إلى الغذاء أو المال لشرائه قد لجأت إلى خفض نفقاتها في مجال التعليم أو الرعاية الصحية، في حين اعتمدت 12 في المائة على استراتيجيات مواجهة أخرى مثل إرسال أطفالهم للعمل.
كما أشار إلى أن حوالي 80 في المائة من الأسر اللاجئة استدانت ما يصل إلى 400 دولار أميركي أو أكثر لشراء المواد الغذائية ودفع بدلات الإيجار.

صفحات "فايسبوكية"

هناك ثلاث صفحات على موقع "فايسبوك" تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين وهي: "تنسيقيّة اللاجئين السوريين في لبنان" و"صفحة اللاجئين السوريين في لبنان (المستقبلة)" و"اللاجئون السوريون في لبنان". لكن أياً من هذه الصفحات لا تحوز على أكثر 14 ألف معجب، وهو ما يدل على عدم قدرتها على الوصول إلى اللاجئين السوريين في لبنان.

تشتت اللاجئين
ساهم تشتت 16 في المئة من اللاجئين على أكثر من 1850 مخيماً غير رسمي (سعة المخيم لا تتجاوز المئات)، وإقامة العدد الباقي، أي 84 في المائة، في أماكن خاصة، في ظروف صعبة جداً، بعدم قدرة هؤلاء على التواصل فيما بينهم. كما أثّر أيضاً على قدرة الناشطين المستقلين على الوصول إليهم، بغياب أي تمويل لهذا النوع من العمل.

المساهمون