اللاجئون السوريون في الأردن.. "الإرهاب" ورقة العودة إلى الجحيم

اللاجئون السوريون في الأردن.. "الإرهاب" ورقة العودة إلى الجحيم

04 مارس 2017
(في مخيّم الزعتري، تصوير: خليل مزرعاوي)
+ الخط -

تتمزّق عباءة "الدين والشريعة"، والتي تستّرت بها جبهة (النصرة - فتح الشام لاحقًا) في سورية، بعد أن تحوّلت مع مرور سنوات الثورة السورية، بعدما زعمت أنها جاءت لنصرتها، إلى عدوٍ لها، تجسّد ذلك واضحًا في المجازر التي ارتكبها عناصرها في الشمال السوري، ضدّ خصومهم من الفصائل العسكرية الأقلّ قوّة وتسليحًا منها.

ولأن "النصرة" وحلفاءها أدركوا تضرّر صورتها وسمعتها عمدوا إلى إصدار سلسلة من الأفلام الوثائقية، والبيانات المتلفزة في الآونة الأخيرة، وتحديدًا مع اشتعال الجنوب السوري، صوّرت العمليات "الانغماسية"، والتي نفّذها مجموعة من عناصرها في درعا، مع انطلاق معركة "الموت ولا المذلّة" في حي المنشية بدرعا.

إلا أن تلك الأفلام والبيانات لم تكن سوى وسيلة "قذرة" للتلاعب بأمن ومصير العائلات السورية اللاجئة في دول الجوار، خاصّة في الأردن، وإعطاء الضوء الأخضر بطردها من بلاد اللجوء وإرجاعها إلى الجحيم السوري، بحجّة انتماء أبنائها لجبهة "النصرة"، المصنّفة على لائحة "الإرهاب" بالنسبة للسلطات الأردنية.

فالأردن لا ينفك يردّد حجم المعاناة من تداعيات الحرب السورية المشؤومة، فبالإضافة إلى مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين على أراضيه، ووجود آلاف أخرى متجمّعة في الداخل السوري، يوجد الآلاف أيضًا في مناطق قريبة من الحدود الأردنية، ينتظرون منذ فترة السماح لهم بالدخول إلى الأردن، وأغلبهم موجودون في مخيّم الركبان، وآخرون في مخيّم الحدلات القريب جدًا من الحدود، والذي انطلق منه هجوم في فجر أحد الأيّام قبل بضعة أشهر، استهدف حرس الحدود الأردني، زاد من حذر وخوف السلطات الأردنية، وفق الباحث السياسي الأردني محمد فلاح.

هنا، يقول الناشط معاذ الزعبي في حديث إلى "جيل"، إن السلطات الأردنية لجأت إلى اتخاذ أعلى معايير الحذر والحيطة، تجنبًا للمخاطر المتأتية من الجانب السوري، خاصّة من قبل الجماعات المتطرّفة مثل "داعش" و"النصرة"، وإن كان ذلك مخالفًا لمبادئ حقوق الإنسان على حدّ قوله.

وتناقلت عدّة مصادر إعلامية، داخل الجنوب السوري، وعقب اندلاع معركة "الموت ولا المذلّة"، ما بين قوّات المعارضة السورية من جهة، وجيش النظام وحلفائه من جهة أخرى، إقدام السلطات الأردنية على ترحيل عدّة عائلات سورية لاجئة على أراضيها، وقذفها إلى داخل الأراضي السورية، بذريعة انتماء أبناء هذه العائلات لجبهة "النصرة".

صوت أبو محمد المختنق وأنّاته المتألمة لم يمنعاه من شرح تفاصيل قصّة إبعاده عن الأراضي الأردنية، وإعادته إلى مدينة درعا (جنوب سورية)، قبل أيّام قليلة، بعد أن عاش أربع سنوات برفقة عائلته كلاجئ، عقب نزوحه من مسقط رأسه عام 2013 من مدينة حمص تحت جنح الظلام، هربًا من المذابح التي ارتكبها النظام السوري بالسكاكين.

يبيّن المتحدث، خلال مكالمة (سكايب) لموقع "جيل"، أن الأجهزة الأمنية الأردنية أقدمت على اعتقاله، لتغرقه في بحر من التحقيقات على مدى أيّام عدّة، خلاصتها، البحث عن معلومات تتعلّق بابنه، والذي قُتل خلال مشاركته كمقاتل مع فصيل سوري مسلّح، تابع للغرفة التي تدير معارك الجبهة الجنوبية السورية "البنيان المرصوص"، والمنضوية تحت راية الجيش السوري الحرّ، بعدها أمرته بتجهيز أمتعته مع أفراد العائلة، لمغادرة الأراضي الأردنية.

وقُتل الشاب العشريني، وفق أبو محمد، أثناء معركة #الموت_ولا_المذلة، والتي تدور رحاها على أرض درعا السورية منذ ثلاثة أسابيع، ما بين الفصائل السورية المسلّحة، وقوّات النظام ومليشياته، مؤكدًا أن الشاب التحق بالجبهة الجنوبية التابعة للجيش الحرّ المناوئ للنظام، بعد رفضه مرافقة ذويه في رحلة اللجوء إلى الأردن.

وما أثار دهشة المتحدّث إصرار المحقّقين الأردنيين على فرضية انتماء ولده لجبهة "النصرة" (فتح الشام لاحقًا)، مشدّدًا على أن هذه المعلومات عارية من الصحّة، كون ابنه كان منخرطًا في فصائل سورية مسلّحة، تدعمها السلطات الأردنية، وفق تعبيره.

ناشطون في الجنوب السوري، تحديدًا بمدينة درعا، كشفوا في حديث إلى "جيل"، أن أكثر من عشر عائلات سورية، إضافة لعائلة أبو محمد، تم طردها أيضًا من الأردن، وذلك على خلفية مقتل أبنائها في معارك حي المنشية في درعا.

ولم يملك هؤلاء الناشطون، منهم محمد المذيب ومعاذ الزعبي، المقرّبان من قادة الجبهة الجنوبية، تفسيرًا شافيًا لقيام الأردن باعإدة هذه العائلات، سوى أن ذلك لن يخرج بطبيعة الحال، عن الضغوط الأردنية الجمّة على فصائل المعارضة، في محاولة منها، يقول هؤلاء، لإيقاف معركة "الموت ولا المذلّة" في حي المنشية، لدرجة منع دخول جرحى المعركة لتلقي العلاج داخل المشافي الأردنية، وفق تأكيدهم.

من جانب آخر، نفت عائلات سورية تقيم في الأردن، تواصل "جيل" معها، أبناؤها تمّ تجنيدهم في صفوف الجيش السوري الحرّ، تعرّضهم لأية ضغوط من السلطات الأردنية، تتعلّق بتهديدهم بالطرد، أو حتى استدعائهم للتحقيق، لمجرّد انتماء أبنائهم للفصائل المسلّحة، مشككين في روايتي الناشطين وذوي القتلى في درعا، رغم تأكيدهم استمرار سياسة طرد العائلات السورية من الحدود.

أبو إبراهيم، لاجئ سوري يقيم في الأردن منذ اندلاع الثورة السورية برفقة عائلته، كشف في حديث إلى "جيل"، تواصله مع ابنه المقاتل في صفوف الجيش الحرّ في درعا، مشيرًا إلى أن حركة ترحيل اللاجئين السوريين من الأراضي الأردنية خلال الفترة الماضية، تزايدت، في ما يُعرف بسياسة "القذف خارج الحدود"، والتي بدأت تنتهجها عمّان منذ عام تقريبًا.

مصادر إعلامية سورية أكّدت في حديثها إلى "جيل"، رواية أبي إبراهيم، مؤكّدة أن الأشهر الماضية شهدت ترحيل نحو ألفي لاجئ سوري بشكل قسري من الأراضي الأردنية، على الرغم من امتلاكهم "هوية إقامة" جديدة، تجعل من وجودهم داخل الأراضي الأردنية قانونيًا.

عادة ما تتلخّص مبرّرات الإبعاد بالنسبة للأردن، وفق مصادر فضّلت عدم الكشف عن هويتها، في "العمل خارج أماكن اللجوء دون ترخيص، أو انتهاء مدّة الأوراق النظامية، أو الخروج من المخيّمات بدون إذن السلطات الأردنية، أو بسبب جرائم أخلاقية ومخالفات تنصّ عليها القوانين الأردنية"، نافية علمها بحالات تتعلّق حتى اللحظة بأسباب ترتبط بانتماء أبناء هذه العائلات إلى فصائل سورية مقاتلة، تصنّفها عمّان على أنها "إرهابية".

كل ذلك لم يقنع بعض قادة الجبهة الجنوبية، حين نقل "جيل" لهم وجهة النظر السابقة، أن الإبعاد الذي طاول هذه العوائل من الأردن كان بسبب انتماء أبنائها لجبهة "النصرة"، خاصّة حين أعلنت غرفة "البنيان المرصوص" أسماء الفصائل العسكرية التي شاركت في المعركة، نافين أن يكون لعناصر الجبهة أي دور في مراحلها.

هؤلاء القادة، ومنهم مدير المكتب الإعلامي في "غرفة البنيان"، أبو شيماء، قالوا إن المعركة جاءت بعد محاولات قوّات النظام المتكرّرة السيطرة على معبر درعا الحدودي مع الأردن، فبادرت الجبهة الجنوبية للتصدّي لخطط قوّات النظام، من خلال السيطرة على حي المنشية، كي يبقى النظام بعيدًا عن المعبر، مشدّدين على أن دوافع المعركة عسكرية وميدانية بحتة، وليست مرتبطة بأية مواقف سياسية خارجية.

وحول هوية الفصائل المشاركة في المعركة، قال أبو شيماء، إن الفصائل المشاركة تشكّلت من "غرفة البنيان المرصوص"، دون ذكر اسم أي فصيل، كبير أو صغير.

على الرغم من تهرّب هؤلاء من الإفصاح صراحة عن مشاركة جبهة "النصرة" في المعركة، إلا أن مراسلين حربيين، ومنهم الناشط القريب جدًا من الجيش الحرّ أحمد المسالمة، كشف في حديثه إلى "جيل"، أن عناصر الجبهة شاركوا في المعركة، بل ونفّذ اثنان من مقاتليها عمليات "انغماسية" استهلّت بها معركة حي المنشية الشهيرة، ردًا على خروقات النظام.

فالأغلبية الساحقة من عناصر "فتح الشام/ النصرة"، والمشاركين في الاشتباكات الراهنة، يؤكّد المسالمة، هم من أبناء درعا البلد، ولهم نقاط رباط فيها باﻷساس، غير أن نسبة مقاتليها، وغيرها من الفصائل ذات التوجّه اﻹسلامي، لا تشكّل سوى أقل من ثلث المشاركين ضمن غرفة عمليات "البنيان المرصوص".

مخاوف اﻷردن من المعركة، بحسب قادة فصائل في "الجبهة الجنوبية"، تأتي من مشاركة بعض الفصائل اﻹسلامية، كما أن رغبة الأردن في استعادة العلاقات مع النظام، والسيطرة على الحدود، بدت واضحة في تصريحات المسؤولين الأردنيين، وفي أكثر من مناسبة، آخرها، تصريحات قائد الجيش الأردني في المقابلة التلفزيونية النادرة، الفريق الركن محمود فريحات، والتي قال فيها إنه "ﻻ مانع لدى الأردن من سيطرة النظام وحلفائه على المعابر مع الأردن، وإن المملكة معنية بالحفاظ على أمنها أولًا، ولن تفتح معابرها مع درعا، قبل أن يتمّ ذلك"، مضيفًا أن "الأردن لم يعمل يومًا ضدّ النظام السوري".

ينسجم ذلك مع تحليلات سياسية لمراقبين أردنيين، رأت أن التطوّرات الأخيرة، والتي شهدتها الجبهة الجنوبية، سبّبت مصدر قلق للأردن، تحديدًا، يقول هؤلاء في حديثهم إلى "جيل"، حين سيطرت جبهة "النصرة" على جميع المعابر الحدودية السورية الأردنية، وباتت تشكّل قوّة مسيطرة على الأرض في محافظة درعا المقابلة للأراضي الأردنية.

لا يجزم هؤلاء ونظراؤهم من العسكريين الأردنيين، أمثال اللواء المتقاعد قاسم محمد صالح، حول حقيقة من بدأ معركة "المنشية"، إلا أن كل الدلائل، يقول صالح في حديث إلى "جيل"، أن جماعة "فتح الشام" وحلفاءها لم يبادروا إلى بدء المعركة، فـ "ارتفاع الخسائر في صفوف الجبهة قد لا يوحي كما يرى البعض، بأنها هي المهاجمة أو البادئة في المعركة.. فهل نحن إذن بصدد معركة تطهيرية أخرى كتلك التي جرت في الأسابيع الأخيرة في عين الفيجة السورية، والتي كان الهدف منها تأمين تدفق المياه النقية إلى مدينة دمشق؟" يتساءل قاسم.

فالتحليل العسكري الاستراتيجي، يقول - بحسب المتحدث - إن جميع الفرقاء في درعا، بصدد بداية معركة، تنهي وجود "النصرة" في درعا وفي جنوب سورية، تمهيدًا لفتح معابر الحدود بين البلدين، واستئناف عمليات التبادل التجاري بينهما، حتى ولو على حساب المدنيين السوريين، سواءً كانوا لاجئين أم مواطنين.

الجدير بالذكر أن الأردن الذي يزيد طول حدوده مع سورية عن 375 كيلومترًا، من أكثر الدول استقبالًا للاجئين السوريين الهاربين من الحرب؛ إذ يوجد فيه نحو مليون و390 ألف سوري، نصفهم مسجّلون بصفة "لاجئ" في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، و750 ألفًا منهم دخلوا قبل الأزمة، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية.

وتدهورت أوضاع هؤلاء اللاجئين بعد إعلان الأردن حدوده مع سورية منطقة عسكرية مغلقة، إثر هجوم بسيارة مفخخة على موقع عسكري أردني في 21 حزيران/يونيو الماضي، أوقع سبعة قتلى و13 جريحًا.

المساهمون