الكويت: صمت حكومي متواصل عن الانتخابات التمهيدية للقبائل

الكويت: صمت حكومي متواصل عن الانتخابات التمهيدية للقبائل

13 سبتمبر 2020
يُتوقع تنظيم الانتخابات النيابية في نوفمبر (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الكويت، والمتوقع تنظيمها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأت القبائل إجراء "انتخابات فرعية" لاختيار مرشحيها، منعاً لتشتيت أصوات القبيلة، وحفاظاً على كراسيها في البرلمان والتي تضمن مصالحها ومصالح أبنائها، على الرغم من تجريم القانون الكويتي للانتخابات الفرعية. والانتخابات الفرعية تجريها القبائل والطوائف في الكويت، وتتم عبر لجان انتخابات مختصة تشكّلها القبائل بنفسها، وتضع صناديق انتخابية في مقرات سرية، ثم تقوم لجان الانتخابات المختصة بفرز الأصوات وإعلان المرشحين الفائزين، فيما ينسحب الخاسرون من السباق الانتخابي.

ونظّمت قبائل عدة انتخاباتها الفرعية واختارت مرشحيها للانتخابات المقبلة، فاختارت قبيلة العوازم، أكبر قبيلة من ناحية عدد الأصوات الانتخابية، مرشحيها في الدائرة الأولى وهما يوسف الغريب وأحمد الشحومي الذي خطب وسط أنصاره قائلاً إنه "سيعيد القبيلة إلى سابق عهدها". فيما اختارت قبيلة شمر مرشحها في الدائرة الرابعة، النائب السابق سلطان اللغيصم، وسط صراعات ومشادات بسبب اتهامه بتزوير النتائج والتلاعب بها. وقامت قبيلة العجمان بتنظيم انتخابات فرعية اختارت فيها ثلاثة مرشحين في الدائرة الخامسة، هم النائب محمد الحويلة والنائب السابق صيفي الصيفي ومبارك بن خجمة، ومرشحاً واحداً في الدائرة الرابعة، هو النائب مبارك الحجرف. وتستعد بقية القبائل الكويتية لتنظيم انتخاباتها الفرعية في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الحالي، وسط اتهامات نيابية للحكومة الكويتية بالتساهل في تطبيق القانون على منظمي الانتخابات الفرعية، بسبب النجاح المستمر للنواب الموالين للحكومة فيها، والذين يقدمون خدمات مستمرة للناخبين، مما يؤهلهم للوصول إلى كرسي مجلس الأمة بشكل متكرر.

نائب كويتي: لا أعرف السبب الذي يدفع الحكومة للصمت عن هذه المهازل التي تدمر العملية الديمقراطية

وانتقد النائب رياض العدساني صمت الحكومة عن الانتخابات الفرعية وعدم محاسبة المتورطين فيها على الرغم من أنها مخالفة قانونية صريحة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا أعرف السبب الذي يدفع الحكومة إلى الصمت عن هذه المهازل التي تدمر العملية الديمقراطية في الكويت، فالنائب يُفترض أن يمثل الأمة قاطبة لا قبيلته أو طائفته أو عائلته فقط". وأضاف العدساني: "أتعجب من شخص ينجح ليشرع القوانين للأمة عبر انتخابات غير قانونية ومجرّمة في القانون".

وبدأ ظهور الفرعيات للمرة الأولى في انتخابات مجلس الأمة عام 1971، حين نظّمت قبيلة العجمان أول انتخابات فرعية عرفتها آنذاك الكويت في الدائرة الانتخابية العاشرة (منطقة الأحمدي)، وعُمّمت التجربة في ما بعد، مع اكتساب القبائل الكويتية خبرات سياسية أكبر وتحوّلها إلى قوة سياسية ضاربة ترجح كفة الحكومة أو المعارضة في كثير من عمليات الاقتراع داخل البرلمان، إضافة إلى انتماء الكثير من أبناء القبائل الذين نجحوا في الانتخابات الفرعية إلى تيارات سياسية مهمة في الكويت وتحالفهم معها. لكن البرلمان الكويتي قرر بعد شد وجذب عام 1998 تمرير تعديل على قانون الانتخاب يعاقب منظمي الانتخابات الفرعية، والتي عرّفها القانون بأنها انتخابات "تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين لفئة أو طائفة معينة"، بالسجن مدة لا تزيد عن 3 سنوات أو عقوبة مالية لا تزيد عن ألفي دينار كويتي (ما يعادل 6500 دولار أميركي).

وعلى الرغم من المنع القانوني، تستمر القبائل في إجراء الانتخابات الفرعية، مستغلة انشغال الحكومة ببعض الملفات والترتيبات قبل موعد الانتخابات الرسمية بشهور، لكن الحكومة كانت تقرر التدخل في بعض الأحيان لمواجهة هذه الانتخابات ومحاولة فضّها، كما حدث في انتخابات عام 2008 حينما اشتبكت قوة الأمن مع قبيلة العوازم جنوب البلاد عند محاولتها إجراء انتخابات فرعية. وقدّمت مجموعة من السياسيين المنتمين إلى القبائل طعناً للمحكمة الدستورية في المادة 45 من قانون الانتخاب والتي تجرّم الانتخابات الفرعية عام 2011، لكن المحكمة الدستورية رفضت هذا الطعن، وقالت في معرض رفضها له إنها "تناقض أسس النظام الديمقراطي الذي يقوم عليه نظام الحكم في البلاد وتهدد نسيج المجتمع وترابط أهدافه". واعتبرت المحكمة أن الانتخابات الفرعية "تكرس الانتماء القبلي أو الطائفي على حساب الانتماء الوطني، وتتيح فرص الفوز للعناصر التقليدية صاحبة النفوذ والتأثير داخل القبيلة أو الطائفة على حساب العناصر الأكثر قدرة على العطاء والإبداع"، مضيفة أنها تخالف المادة 108 من الدستور الكويتي والتي تنص على أن النائب يمثل الأمة بأسرها.

وفشل مجلس الأمة هذا العام في تمرير قانون يمنع المرشح عن طريق الانتخابات الفرعية من الوصول إلى مجلس الأمة، إذ استطاع النواب منع عرضه على البرلمان.
ورأى الكاتب والباحث السياسي عبد الرحمن العجمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وجود الانتخابات الفرعية وتنامي ظاهرتها، على الرغم من التجريم الرسمي لها، يعود إلى مرسوم الصوت الواحد والذي أدى إلى اضطرار الناخب لاختيار مرشح واحد وهو ابن قبيلته أو عائلته تجنباً للحرج أو حرصاً على ضمان مصالحه الشخصية في الدوائر الحكومية، بينما في السابق وفي وجود أربعة أصوات كان الناخب يختار واحداً من أبناء عمومته وثلاثة ممن يؤمن ببرامجهم السياسية. وأضاف العجمي: "الكثير من أبناء القبائل باتوا يشعرون بأنهم مهددون إذا لم يحصلوا على مقعد في البرلمان، لذلك فإنهم يفعلون المستحيل لضمان توحيد أصواتهم ووصول مرشح واحد لهم على الأقل للبرلمان، وهو ما لا يتم إلا عبر الانتخابات الفرعية".
وعزا العجمي صمت الحكومة عن الانتخابات الفرعية إلى الانشغال بملف استجواب وزير الداخلية أنس الصالح، وتخوّفها من اتخاذ أي خطوة قد تستفز النواب الذين وصلوا إلى المجلس بواسطة الانتخابات الفرعية، إضافة إلى ارتياح الحكومة من نوعية الفائزين بهذه الانتخابات والذين غالباً ما يكونون موالين لها.

باحث سياسي: الحكومة مرتاحة من نوعية الفائزين بهذه الانتخابات والذين غالباً ما يكونون موالين لها
 

من جهته، قال شبيب المطيري، وهو شاب جامعي يبلغ من العمر 24 عاماً ويعمل كعضو في إحدى لجان الانتخابات الفرعية لقبيلته، لـ"العربي الجديد": "لا بد للقبيلة من الحصول على كرسي أو أكثر في البرلمان، لأن عدم الحصول على الكرسي يعني عدم الحصول على وظائف أكثر للشباب وعدم الحصول على مناصب أكبر للموظفين، ولا يمكن الوصول إلى البرلمان فيما أصوات القبيلة مشتتة بسبب كثرة المرشحين، وهنا يأتي دور الانتخابات الفرعية". ورأى المطيري أن تجريم الانتخابات الفرعية لا يقوم على أسباب واقعية، متابعاً أنه "في كل دول العالم هناك انتخابات تمهيدية، أليست الانتخابات الداخلية التي يجريها الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة انتخابات فرعية أو تمهيدية؟".
لكن المحامي والخبير القانوني محمد الظفيري، والذي يرفض المشاركة في الانتخابات الفرعية لقبيلته لمخالفتها القانون، رأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن محاولة إسقاط حجج وجود انتخابات حزبية على الانتخابات الفرعية التي تجريها القبائل "حجة سخيفة"، وذلك لأن في القبائل يكون الاختيار للترشح وفق حساب الدم، بينما في الأحزاب يكون الترشح فيها على حساب الإيمان بمبادئ الحزب وبرامجه، وفق قوله.