الكوتشينة الرمضانية

21 يونيو 2015   |  آخر تحديث: 23:35 (توقيت القدس)
من أجواء رمضان العاصمة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لو كان الوقت غير رمضان لاشتعلت الدنيا بلهيب الحوارات والتحليلات، وحملات التشكيك حول أزمة الدبلوماسيين التونسيين التي انتهت بعودتهم الى تونس، مقابل إطلاق المحتجز الليبي في تونس، وليد القليّب، الذي كانت تطالب بِه الكتيبة الليبية الخاطفة... ولو كان الوقت غير رمضان لانهالت صروف المزايدات السياسية حول الفكرة الأمثل لبقاء الدبلوماسيين في ليبيا، وعدم الخضوع لابتزاز الخاطفين، حتى و لو أدى ذلك الى تعفنهم في السجون الليبية، وهو حديث استمعنا إليه في رمضان الماضي بخصوص أزمة الدبلوماسييْـن التونسييـن المختطفيْن آنذاك.

على الرغم من ذلك، فلم تفوت أحزاب ومنظمات الفرصة لتنعت الحكومة بالتدخل في القضاء، والرضوخ لشروط المختطفين، وهو ما حدث فعلا، ولم يكن خافيا برغم إنكار مسؤولين ذلك، ولكن ما العمل في المقابل؟ هل كان ينبغي أن تتشبث الحكومة بالإبقاء على القليّب في تونس، وتتجاهل مصير المختطفين وعائلاتهم بدعوى عدم تجاوز الأصول؟ ثم ألا تفاوض كل الدول وحتى القوية منها، والبارعة في الحديث عن "عدم الخضوع لشروط الخاطفين"، وتدفع المليارات من أجل إطلاق سراح أحد رعاياها؟

صحيح أنها مفارقة عجيبة، ولكن هل هناك مبدأ أهم من حياة بريء لا ذنب له مطلقا في ما حصل، إلا أنه كان يعمل في ظروف صعبة؟ ينبغي أن نشكر رمضان الذي يصرف التونسيين وأحزابهم عن الكثير من وجع الرأس اليومي، ويفتح قوساً على الكاميرا الخفية، التي لم تسلم هي الأخرى من براثن التوتر التونسي الليبي، والأكيد أنها ستفتح في الأيام المقبلة أقواساً أخرى على المزيد من توتيرها، وكأن هذا ما ينقصنا.

لقد تسيّس كل شيء في تونس، من البطاطا الى الكرّاس والمدرسة إلى الكاميرا الخفية، وأصبح الهزل جزءاً من الجدّ، ولم يعد بإمكان التونسي وهو يلعب الكوتشينة ليلاً في مقهى الحي بعد الإفطار، أن يتفادى السياسة، ولعل الحل الوحيد الباقي هو تغيير صور الكوتشينة نفسها إلى صور الزعماء والأحزاب، ليكتمل المشهد ويصبح الحزب جزءاً من العائلة.

المساهمون