الكل ضد الكل

الكل ضد الكل

30 يناير 2018
تسمح السلطة الجزائرية بسقف محدد من الاحتجاج (العربي الجديد)
+ الخط -
في الجزائر تبدو الصورة درامية إلى حدّ بعيد. فالغليان الاجتماعي، المتصاعد في الفترة الأخيرة في قطاعات الصحة والتربية والجامعات والنقل، يطالب الدولة باستحقاقات لم تعد قادرة على الوفاء بها، فقد جفّ ضرع النفط، الذي وصل سعره إلى مرحلة لم تعد تكفي لشراء القمح والغذاء والدواء والحاجيات الرئيسية للبلد، والتي بلغت 45 مليار دولار أميركي في عام 2017. لم يعد الرئيس يُنكر هذا الواقع، والحكومة تعترف به، وتعتبر أن الإقرار به شجاعة سياسية ومكاشفة للشعب بالحقيقة، وهي التي كانت، حتى وقت قريب، تصف كل من يتحدث عنه بأنه يستهدف زعزعة الاستقرار أو محترف سياسة ناكر للجميل، أو يد أجنبية تدبّر مؤامرة. لكن السلطة، حين تقرّ بوضع كهذا وبالإخفاق، تمارس ما هو أخطر من الإخفاق نفسه.

الأخطر من الإخفاق أن تنسحب مؤسسات الدولة وتهرب من مواجهة المشكلات القائمة، وتفتح، في المقابل، مواجهة بين كل الأطراف الاجتماعية، بحيث يصبح التلاميذ ضد المعلمين، والأولياء ضد المدرسين، والطلبة ضد النقابات، والمرضى ضد الأطباء، والأطباء ضد الشرطة، والشرطة ضد الحرس البلدي والجنود، والمعارضة ضد السلطة وأحزاب الرئيس، وأحزاب الرئيس ضد حزب الرئيس نفسه. الكل ضد الكل، والبلد يغرق.
الأولياء يتهمون المعلمين برهن مستقبل أبنائهم التلاميذ بسبب إضراباتهم المتكررة، والطلبة يتهمون النقابات الطلابية بمحاولة الاستغلال السياسي، والمرضى وعائلاتهم يتهمون الأطباء المضربين بالتلاعب بمرضاهم ورهن صحتهم بمطالبهم، والأطباء يتهمون الوزارة بالمماطلة والشرطة بالتحرّش، والشرطة تتهم عناصر الحرس البلدي وجنود الجيش المتقاعدين المحتجين بإثارة الفوضى وقطع الطرق، والنخب ضد الأئمة ومؤسسة الإفتاء التي أفتت بحرمة الهجرة السرية، والأئمة ضد المهاجرين السريين، مع أن كل هذه الفواعل الاجتماعية ضحية، في الوقت ذاته، للتلاعب السياسي للسلطة.

هذا الصدام الاجتماعي الراهن في الجزائر لا يعكس مطلقاً خطاب المؤسسة السياسية التي تزعم إنجازها لتوافق وعقد اجتماعي مع الشريك العمالي، بقدر ما يؤشر إلى أن السلطة، التي تسمح بسقف محدد من الاحتجاج والتنظم بحيث لا يهدد أسس النظام السياسي، سلمت الساحة، واختارت أن تدفع بفاعل ضد فاعل، طالما أن هذه التوترات الاجتماعية لا تتجاوز سقف المطالب الكلاسيكية للعمال والموظفين والطلبة، وطالما أنها خالية من أي زخم يرتبط بالمطالبة بالحريات والتطلع للتغيير السياسي. السلطة ليست منشغلة الآن سوى بأمرين، ترتيب الانتخابات الرئاسية في ربيع العام المقبل، وتنظيم العلاقة بين "الكارتل المالي" والحكم، وتقاسم الغنيمة والمؤسسات الاقتصادية التي أوصلتها السياسات غير الرشيدة إلى حالة الإفلاس. عدا ذلك فلتواجه كل "بختة بختها".

دلالات