الكتابة والزواج والأمومة

الكتابة والزواج والأمومة

09 اغسطس 2016
+ الخط -
تقول فرجينيا وولف: "عندما يقرأ أحد عن امرأة تملّكتها الشياطين، أو عن امرأة حكيمة تبيع الأعشاب، أو حتى عن رجل بارز وخلفه أمه، فإنني أظن أننا قد وقفنا حينها على درب روائية تاهت، أو شاعرة عظيمة، صامتة ومغمورة مثل جين أوستن، أو إيميلي برونتي، وقد أنهكت ذهنها وأدخلته مرحلة اليأس بمهام الجلي والغسيل".
لا أظن أنّ العالم يمنح فرصاً متساوية لكلا الجنسين، فبينما يشق الرجال طريقهم نحو الإبداع وتحقيق طموحاتهم المهنية، مسخّرين طاقاتهم لتحقيق أحلامهم وتطوير مواهبهم، تصطدم النساء بالعديد من الحواجز والعقبات نتيجة الأنظمة والقوانين غير العادلة، باستثناء المرأة العنيدة، صاحبة الإرادة، التي تصرّ على تطوير مهاراتها وإنضاج موهبتها، على الرغم من الصعوبات والتحديات.
نجد أنّ الفتاة في مقتبل عمرها شغوفة بالأدب والكتابة، ممتلئة بالأحلام والرغبة في صقل موهبتها. لكن، مع مرور الوقت، يخبو هذا الشغف، وتنطفئ هذه الرغبة، يتسرّب الوقت من بين أيديهن، ويتوزع على الواجبات: واجبات الزوجة المخلصة، والأم الجيدة، ومدبرة منزل. إضافة إلى انشغالها في الوظيفة، فتستيقظ المرأة على عمرها وقد ضاع، من دون تحقيق أحلام طفولتها وما كانت تصبو إليه. ثمة فكرة غرست في رؤوس هؤلاء تقول إنّ البنات ولدن ليصبحن زوجات وأمهات بالدرجة الأولى، فتضيع القصائد وثيمات الرواية بين صحون المطبخ وقن الدجاج وسرير الزوجية منذ وقت مبكر.
قيل للفتيات إنّ دورهن محصور في الأمومة والإنجاب، بما معناه الانحياز نحو شؤون الجسد أكثر من العقل. وساهم في تعزيز هذه الفكرة جزء كبير من النساء. يقول مريد البرغوثي إن أسوأ عدو للمرأة هي نفسها، إذ إنها تتراجع وتعطي الأسبقية للرجل، حتى لو كان أقل منها علمًا وإبداعًا. من ناحية أخرى، الكتابة بحاجة إلى جرأة وقدرة على طرح القضايا السياسية والاجتماعية، وحتى الجنسية بأسلوب نقدي، جدّي، إلا أنّ كثيرات ممن كن مشروع كاتبات لم يملكن الجرأة في الدخول إلى عالم الكتابة، لأسباب متعدّدة، منها الأهل والمجتمع، حيث تخاف الكاتبة من مناقشة قضايا محرّمة وطرحها على المرأة الخوض والنقاش فيها، مثل الجسد والجنس.
لماذا توصف كتابات المرأة بأنها ركيكة وغير ناضجة، وتكتفي بمعالجة موضوعات الحب، بينما يُنظر إلى الكتّاب الرجال بأنهم أصحاب مشاريع أكثر جدية، تطرح قضايا مهمة؟ أعتقد أن نساء عديدات لم يتح لهن المجال للتجربة وعيش الحياة كمغامرة. لذلك، تظل أغلب الكتابات النسويّة تدور داخل دوائر محددة، آمنة، لا تجلب غضب الأهل والزوج والمجتمع. لكن أسئلة أخرى تظل بحاجة إلى إجابات: هل في وسع المرأة الأم، التي لديها واجبات منزلية تجاه زوجها وأولادها، أن تحقق أحلامها وطموحاتها المهنية، بخطى واثقة من دون تقهقر نحو الخلف؟ هل في وسعها أن تجد الوقت للكتابة بعيدًا عن الضغوط، لتكمل مشاريعها وما كانت تطمح إليه؟
يجدر بنا القول إنه ظهر لدينا كاتبات مبدعات عديدات أثبتن أنّ للنساء مسارات أخرى غير الزواج والأمومة، فأبدعن في الأدب، وتركن إرثًا عظيمًا لا يمكن تجاهله، أو التقليل من شأنه.
AAE4AC44-411A-4D5F-A1A6-1B24AE3E008B
AAE4AC44-411A-4D5F-A1A6-1B24AE3E008B
محمد جبعيتي (فلسطين)
محمد جبعيتي (فلسطين)