القيد العائلي... سماسرة السجلات المدنية يستغلون المصريين

القيد العائلي... سماسرة السجلات المدنية يستغلون المصريين

24 اغسطس 2020
خلال توجهه لأداء امتحانات الثانوية العامة (إسلام صفوت/ Getty)
+ الخط -

يكاد أن يكون حصول المصريين على قيد عائلي حلماً. متخرجو الثانوية العامة الراغبون في الالتحاق بالكليات العسكرية، عليهم تأمين هذه الورقة الرسمية، وبالتالي الوقوف في طوابير وأحياناً الانتظار أياماً. هذا هو حالهم

 استخراج "القيد العائلي" أزمة تتكرّر عاماً بعد عام أمام آلاف طلاب الثانوية العامة في المحافظات المصرية، الذين يحتاجون إلى تأمينها ليكونوا قادرين على الالتحاق بالكليات العسكرية "الحربية – الشرطة". ويتعرض الكثير من الطلاب وأولياء الأمور إلى مشاكل كثيرة أثناء استخراج هذا القيد، الذي يمثل شجرة العائلة. هناك أسماء وتواريخ ميلاد تعود إلى عشرينيات القرن الماضي لأشخاص رحلوا، وفيها أخطاء يتوجب تعديلها. وفي كثير من الأحيان، تكتشف بالصدفة ما يؤدي بالبعض إلى الانتظار والركض بين المكاتب بالساعات، وأحياناً لأيام طويلة لإنهاء مشكلة بسيطة قد لا يستغرق إنجازها دقائق عدة. وفوق كل ذلك، قد يضطر صاحب الطلب إلى دفع إتاوات لبعض الموظفين، حتى ينجزوا معاملاتهم.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

مكاتب محدودة
في الوقت الحالي، تُواجه مكاتب السجل المدني التابعة لوزارة الداخلية، ومنذ الإعلان عن نتائج الثانوية العامة، ازدحاماً شديداً لاستخراج القيد العائلي، في الوقت الذي لا تُوسّع فيه وزارة الداخلية تلك المكاتب أو تحدد أماكن معينة لاستخراج القيد العائلي، على عكس استخراج شهادة الميلاد أو الوفيات وورقة الزواج، إضافة إلى استخراج بطاقة الرقم القومي، ما يزيد من عذاب المواطنين الذين يقفون في طوابير طويلة أمام مكاتب السجل المدني.

سماسرة 
بعيداً عن الازدحام والشجار، هناك مشكلة أخرى يعانيها المواطن في مصلحة الأحوال المدنية وهي "الدوخة" بين المكاتب لإتمام إجراءات استخراج القيد الذي يستغرق يوم‏اً أو أياماً عدة في حال كانت الأوراق ناقصة، وسط مطالب بضرورة إيجاد حل جذري لمشاكل المواطنين مع مكاتب السجل المدني. من المؤسف أن كثرة الإجراءات وطوابير الانتظار سمحت لفئة من المنتفعين هم "سماسرة السجلات المدنية" باستغلال الناس، بينهم أمناء شرطة وأفراد وموظفون يستفيدون من ضيق المواطنين ورغبتهم في الحصول على أوراقهم، ويحصلون منهم على مقابل مادي لإنهاء تلك الإجراءات، ما جعلها رحلة عذاب لخريجي الثانوية العامة وأولياء أمورهم الراغبين في التقدم للكليات العسكرية.

200 ألف طالب
يكشف مصدر مسؤول في مصلحة الأحوال المدنية أن عدد الذين يتقدمون لاستخراج القيد العائلي هذا العام يقترب من 200 ألف من خريجي الثانوية العامة. وهؤلاء يحتاجون القيد العائلي لإدراجه ضمن أوراق الكليات العسكرية والشرطة، مشدداً على أن مكاتب السجلات المدنية في المحافظات ليست مجهزة لتأمين طلبات المواطنين، فتتوجه النسبة الكبرى إلى مصلحة الأحوال المدنية الرئيسية في العباسية في محافظة القاهرة. ويكون المواطن محظوظاً في حال اجتاز الطوابير قبل موعد الإغلاق. وهناك من يصل إلى الشباك ويكتشف وجود خطأ في اسم أحد أفراد العائلة من الدرجة الثالثة، لتبدأ رحلة جديدة من العذاب. ويوضح أن هذا المشهد يتكرر كل عام، ويزداد الأمر سوءاً مع تزايد إقبال الطلاب على الالتحاق بالكليات العسكرية، باعتبار أن وثيقة القيد العائلي مطلب أساسي ضمن الأوراق.

شكاوى 
قضت "العربي الجديد" يوماً كاملاً داخل عدد من السجلات المدنية، وأعرب مواطنون عن معاناتهم خلال استخراج أوراق القيد العائلي، من خلال التنقل بين مكاتب السجل المدني ومحكمة الأسرة لتصحيح أوراق الجد أو الجدة الذين توفوا منذ عشرات السنوات. ووصل الأمر إلى حد استخراج قيد عائلي لبعض الأشخاص من دون أي مستندات رسمية بعد "دفع المعلوم" (الرشوة)، ليضعها الطلاب ضمن أوراق التقدم إلى الكليات العسكرية. ويؤدّي الازدحام داخل مكاتب مصالح الأحوال المدنية إلى وجود حالة من الاستياء والغضب بين المواطنين. يقول علي محمود، وهو في العقد الخامس من العمر: "دخت السبع دوخات" لاستخراج القيد العائلي بسبب وجود خطأ في تاريخ ميلاد والدته المتوفاة منذ أكثر من 20 عاماً. الأوراق الرسمية تشير إلى أنها ولدت في عام 1934، علماً أن تاريخ ميلادها مسجّل في عام 1940 على جهاز الكمبيوتر. يضيف: "توجهت إلى محكمة الأسرة ودفعت رشوة 300 جنيه (نحو 19 دولاراً) لأحد الموظفين لتصحيح تاريخ الميلاد وجعله مطابقاً للأوراق الرسمية". أما ناصر محمد، فيقول إنه قضى أكثر من خمس ساعات على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة لاستخراج قيد عائلي. يوضح أن بدل استخراج القيد هو 29 جنيهاً (أقل من دولارين)، وقد رُفع عشرة جنيهات ليصير 39 جنيهاً (نحو دولارين ونصف الدولار). أعطيت الموظف 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات) فلم يرجع لي باقي المبلغ بحجة عدم وجود فكة لديه.

"ما ذنبنا"؟
يقول طارق محمد، وهو طالب في الثانوية العامة، إنه فوجئ بالازدحام أمام مكاتب السجل المدني، لاستخراج شهادات الميلاد والوفاة وبطاقات الرقم القومي والقيد العائلي في وقت واحد، مؤكداً أنه وقف في طوابير تمتد لمئات الأمتار قبل طلوع الشمس لاستخراج القيد العائلي. ويشير إلى أن الحصول عليه حلمٌ يراود طلاب الثانوية العامة الراغبين في التقدم إلى الكليات العسكرية، موضحاً أنه استعان بوالده لتصحيح الاسم الرابع وهو "نجدي"، وقد كتب على جهاز الكمبيوتر "نجوى". ويسأل: "ما ذنبنا في هذا الخطأ؟ هو خطأ تُحاسب عليه الأحوال المدنية، في وقت يستغلّ السماسرة هذه الظروف ويتجمعون حول مكاتب السجل المدني لمساعدة الناس في مقابل بدل مادي". 

ويؤكد رمضان محمود، وهو ولي أمر أحد الطلاب، أن بدل الحصول على قيد عائلي ارتفع إلى ألف جنيه (نحو 62 دولاراً)، لاستخراجه بلا مشاكل. ويتحدث عن سوء معاملة الموظفين العاملين في السجل المدني لدى طلب استخراج الأوراق، وتعمدهم وجود أخطاء في أسماء العائلات لإجبار المواطنين على التوجه إلى سماسرة السجلات المدنية الذين يسيطرون على الوضع تماماً. ويشير مواطن رفض الكشف عن إسمه إلى أنّ مكاتب السجل المدني غير مؤهلة لاستقبال كل هذه الأعداد من المواطنين، نظراً إلى ضيق المساحة وعدم توفر أكثر من شباك، وعدم وجود عدد كافٍ من الموظفين لاستيعاب الأعداد الكبيرة "كما أنه يوجد شباك واحد فقط للرجال والنساء معاً".

المساهمون