القيادة العالمية لمكافحة كورونا... الآن أو نفقدها إلى الأبد

القيادة العالمية لمكافحة كورونا... الآن أو نفقدها إلى الأبد

11 ابريل 2020
معالجة الأزمة تتطلب جهداً عالميّاً متضافراً (Getty)
+ الخط -
في هذا الأسبوع، يوحد القادة في مجالات الطب والاقتصاد والسياسة والمجتمع المدني جهودهم في المطالبة بتحرك دولي فوري ومنسق، في الأيام القليلة المقبلة، لتعبئة الموارد اللازمة للتصدّي لأزمة فيروس كورونا (كوفيد-19)، ومنع الكارثة الصحية الحالية من التحوّل إلى واحدة من أسوأ كوارث التاريخ، وتجنب الكساد العالمي. وكما تشير رسالة موجهة إلى قادة العالم، فلأننا حتى الآن متخلفون وراء منحنى كوفيد-19، نخسر العديد من الأرواح دون داع، وهناك العديد من القضايا الصحية الأخرى التي أصبحت موضع تجاهل، كما صارت المجتمعات والاقتصادات الآن قريبة من الدمار.

أثناء الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، عمل قادة مجموعة العشرين على تنسيق استجابة عالمية. وفي حالات طوارئ سابقة أخرى، مثل موجات التسونامي، والحروب الأهلية، والأوبئة، تحالفت دول لعقد مؤتمرات المانحين لتوليد الموارد اللازمة. واليوم، نحن في احتياج إلى الأمرين: فريق عمل من مجموعة العشرين لتنسيق الدعم الدولي، ومؤتمر للمانحين لجعل هذا الدعم فعّالا.

قبل عشر سنوات، تسنى لنا التغلب على الأزمة الاقتصادية المباشرة، عندما عولج ضعف رسملة النظام المصرفي العالمي. وهذه المرة، لن تنتهي الأزمة الاقتصادية إلى أن نعالج حالة الطوارئ الصحية، ولن تنتهي حالة الطوارئ الصحية بمعالجة المرض في أي بلد بعينه. بل لن تنتهي إلا عندما تتعافى كل البلدان من كوفيد-19 وتُـمنَع العدوى من العودة بشكل منتظم.

الواقع أن كل أنظمة الرعاية الصحية والمجتمعات، وحتى الأكثر تطورا وثراء بينها، تنوء تحت وطأة الضغط الذي تفرضه أزمة فيروس كورونا. ولكن إذا لم نفعل أي شيء بينما تنتشر العدوى في مدن أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ومجتمعات أصغر، لا تملك إلا القليل من معدات الاختبار، فضلا عن هشاشة الأنظمة الصحية لديها، وحيث سيكون تحقيق التباعد الاجتماعي مستحيلا؛ فسوف يُـحدِث هذا المرض الدمار، وسوف يستمر لفترة طويلة، بل وربما يؤدي حتما إلى تغذية فاشيات أخرى في مختلف أنحاء العالم.

تتلخص الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها إنهاء الأزمة، عاجلا وليس آجلا، في القيام بما أهملنا القيام به لسنوات: تمويل هيئات الصحة العامة العلمية والاقتصادية التي تحول بيننا والانزلاق إلى كارثة عالمية. وينبغي لقادة العالم أن يوافقوا على الفور على التزام أولي بمبلغ 8 مليارات دولار، منه مليار دولار لمنظمة الصحة العالمية لمواصلة عملها الحيوي خلال عام 2020، وبقية المبلغ لدعم التحالف من أجل إبداعات التأهب للأوبئة، لتنسيق الجهود لتطوير وتصنيع وتوزيع التشخيص الفعّـال، والعلاجات، واللقاحات. وسوف تكون هذه التطورات، إلى جانب تمكين كل البلدان على حد سواء من الحصول على ما يلزمها، بالغة الأهمية إذا كنا راغبين حقا في إنهاء هذه الجائحة، ومنع المزيد من المآسي في المستقبل.

لا بد أيضا من توفير التمويل لتلبية الاحتياجات العالمية من أجهزة التنفس ومعدات الحماية الشخصية. وبدلا من ترك الدول أو الولايات أو الأقاليم تندفع في التنافس على حصة من الناتج من القدرة الحالية، مع كل ما قد ينتج عن ذلك من دفع التكاليف إلى الارتفاع إلى عنان السماء، ينبغي علينا أن نعمل على زيادة القدرة بشكل كبير من خلال تنسيق عمليات الإنتاج والشراء العالمية لمثل هذه الإمدادات الطبية. وإذا أصبح اللقاح متاحا، فيجب تخصيص التمويل الكافي لتسليمه إلى الدول الأكثر فقرا، من خلال منظمات قائمة؛ مثل تحالف اللقاحات "جافي".

وفقا لأكثر التقديرات تفاؤلا من "إمبريال كوليج" في لندن، لن يقل عدد الوفيات عن 900 ألف في آسيا و300 ألف في أفريقيا. فالبلدان النامية لا تفتقر إلى أنظمة الصحة العامة الحديثة وحسب؛ بل إن شبكات الأمان الاجتماعي لديها أيضا غير كافية على الإطلاق. ويتطلب توفير الإمدادات الطبية الحيوية، وتوظيف العاملين الصحيين، وتعزيز قدرة الأجهزة الوطنية على الصمود، ما لا يقل عن 35 مليار دولار أميركي.

ولكن على الرغم من الخطر المحدق، فإن ما يقرب من 30% من البلدان ليس لديها أي خطط للاستعداد لجائحة كوفيد-19 والاستجابة لها على المستوى الوطني، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ونصفها فقط لديها برامج وطنية للوقاية من العدوى ومكافحتها، وكثير منها تفتقر إلى المعايير الوافية في ما يتصل بمياه الشرب النظيفة، والصرف الصحي، والنظافة في مرافق الرعاية الصحية. وفي حين تشير التقديرات إلى أن الدول الأكثر ثراء لن يكون لديها سوى سرير واحد من أصل سبعة أسِرّة لازمة في المستشفيات للرعاية الحرجة، فإن النقص في الدول الفقيرة سيكون أعظم كثيرا، ولن تجد بلدان فقيرة كثيرة أي أسِرة للرعاية الحرجة على الإطلاق.

كما تحاول الحكومات الوطنية مواجهة انزلاق اقتصاداتها إلى الانحدار. ولكن لمنع أزمة السيولة من التحول إلى أزمة عجز عن سداد الديون، ومنع الركود العالمي الحالي من التحول إلى كساد في الغد، فنحن في احتياج شديد إلى تدابير مالية ونقدية وتجارية أفضل تنسيقا.

الواقع أن حزم التحفيز المالي التي يجري تنفيذها الآن في بعض البلدان ستكون أكثر فاعلية بأشواط إذا انضمت كل البلدان القادرة على الانخراط في هذا الجهد. ولكن إذا كنا راغبين حقا في الحد من إهدار الموارد بسبب تكرار الجهود دون داع (وهو ما يحدث بالفعل على نطاق مخيف)، فمن الأهمية بمكان أيضا أن تسارع البنوك إلى استكمال العمل على ضمانات القروض الحكومية، وتوفير الدعم النقدي الذي تحتاج إليه الشركات وعمالها.

تحتاج أفقر البلدان إلى مساعدة اقتصادية خاصة. وينبغي للمجتمع الدولي أن يبدأ بالتنازل عن أقساط الديون المستحقة على البلدان النامية هذا العام، بما في ذلك 44 مليار دولار مستحقة على أفريقيا. لكن الحقيقة هي أن ما لا يقل عن 150 مليار دولار أخرى من الأموال الجديدة ستكون مطلوبة لحماية الاقتصادات النامية من الانهيار.

ومن الممكن أن يزيد البنك الدولي من دعم البلدان بينما لا تزال تلبي سقف الإقراض. لكن هذا لن يكون كافيا. في عام 2009، خلال أزمة الركود العظيم، ارتفع إنفاق البنك الدولي من 16 مليار دولار إلى 46 مليار دولار. ويجب ضمان زيادة مماثلة في الموارد المتاحة الآن. صرح صندوق النقد الدولي بأنه يعتزم تعبئة كل الموارد المتاحة لديه. وينبغي لصندوق النقد الدولي أن يخصص نحو 500 مليار دولار إلى 600 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة.

إن الوقت يمضي سريعا، ويجب أن يتم الاتفاق على كل هذا والإعلان عنه هذا الأسبوع، والتأكيد عليه رسميا من قِبَل صندوق النقد الدولي ولجنة التنمية التابعة للبنك الدولي، عندما يجتمعان في الفترة من السابع عشر إلى التاسع عشر من إبريل/نيسان. ربما تكون هذه استراتيجية الخروج الأكثر فعالية المتاحة للعالم. وإذا كان الثمن يبدو مرتفعا، فإن العواقب المترتبة على التقاعس عن دفع ذلك الثمن ستكون كارثية.

(ترجمة: مايسة كامل)
_______________

* إيريك بيرغلوف كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، ويشغل حاليا منصب مدير معهد الشؤون العالمية التابع لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية حيث يعمل أستاذا.
*غوردون براون رئيس وزراء المملكة المتحدة ووزير خزانتها سابقا، وهو مبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي ورئيس اللجنة الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.
*جيريمي فارار مدير صندوق ويلكوم ترست
، وأستاذ طب المناطق المدارية في جامعة أكسفورد سابقا.

عن موقع "بروجيكت سنديكيت

المساهمون