القهر بين حكمين..

القهر بين حكمين..

18 ديسمبر 2014
القهر يأتيك من حيث لا تدري (أ.ف.ب)
+ الخط -

لا يدعك الظلم تتنفس لحظات، ليضربك ثانيةً الضربة الأكثر إيلاماً، لكن الأكثر منها وجعاً وإيلاماً إحساس القهر الذي يصاحب ضربات الظلم المتتالية. فالقهر لا يجعلك ترى، لا يجعلك تشعر، ولا يجعلك أيضاً تتنفس، هو أثقال تُكبّلك، تشدّك للأسفل من ربوة الحياة، يذبحك بذلك النصل الصدِئ ويتركك تنزف ببطء، لا تقوى على شيء غير آهة تخرج متحشرجة لا أكثر أو أقل.

وبعد أن يتحوّل القهر إلى مقتلةٍ لنفسك، يترك أثره السيئ عليها علاماتٍ لا يمحوها مرور الأزمنة، جرح بحجم روحك المتألمة. فمع الظلم والقهر، تنتفي للحظات روح الإرادة لديك، وتتعطّل كل وسائلك الاحتجاجية قبل أن تُعاود المحاولة مراراً ومراراً لمحو ذلك، فقط حين تنتزع حقك المسلوب وتنقش انتصارك فوق أحجار الوطن.

القهر يأتيك من حيث لا تدري، وحكم قضائي يُقهرك من حيث لا تدري، فأخي، يا سادة، لم يبلغ الثلاثين بعد، شابٌ في أول الحياة لم يبدأها بعد، يفقد من عمره عاماً و4 أشهر وراء قضبان المعتقلات العفنة و15 عاماً من الحياة، بسبب عدالة نجسة ارتضت أن تجور فأصدرت حكماً بسحقه دون أدلّة، في الوقت نفسه ارتضت العدالة النجسة ذاتها تبرئة رؤوس الفساد والقتل من تهم تطلب رقابهم والحيثيات انتفاء وجود الأدلة المُدينة!

تعتريك لحظات عدم التصديق، فرؤوس الفساد والقتل لهم من الجرائم السياسية أيضاً ما يتوجّب محاكمتهم عليه، كتدميرهم لاستقلال الإرادة الوطنية، وحلحلة المجتمع وإفقار الشعب، وأخي لم يرتكب جريمة سوى حب الوطن والحرية كمئات الآلاف من جيلنا.

فجاجة العدالة في بلادنا ووقاحتها غير مسبوقة الحالة، تقتل أخي وآلاف الشباب غيره وتستبيح أعمارهم ودماءهم ليقتات عليها رجال النظام المخلوع الفاسد والمجرم فيعود أكثر قوةً وعنفاً وإجراماً، ويعود للحياة ثمانينياً أو ستينياً لا فرق، يعود بماضيه ليطمس علينا مستقبلنا!

كيف تكون تهمة أخي تبديد أركان الوطن وإتلاف منشآته وتعطيل القانون وإضرار الغير وترويع الآمنين وتخريب المرافق العامة، ولا تهمة للرئيس المخلوع ورجالاته وزبانيته؟!

كيف لأخي أن يرتكب كل ذلك بجسده النحيل، دون عصبة، دون سلطة، دون سياسات ضحلة، وغايات تبرّر وسائله؟! كيف تكون العدالة وثغرات القانون والإجراءات مقصلة له ولجيلنا، في الوقت الذي تكون فيه رفاهية وانقاذاً لمَن قتل الوطن ببطء عقوداً ستينية قاحلة؟!

تُذهلك القدسية التي خلعها القضاء في بلادنا على نفسه وأركانه وأعضائه من دون الله، وكأن التعقيب على الأحكام أو المساس بمَن أصدرها تطاولٌ على آلهة المنصة، وإلحادٌ بحكمها المقدس، وتكذيباً بحيثياتها المنزّهة عن كل نقصٍ، وكأنها لم تظلم يوماً أو تظلم أحداً، أو أن حكمها يأتي مباشرةً من السماء!!

وبعد ما كان من العدالة والقضاء حتى هذه اللحظات، أضحت تسكننا حالة من الكفر بعدالات الأرض، وتحطيم أصنام المنصة، وتكذيب الأحكام وحيثياتها وإعلان بُطلانها، وتحرير أصحابها، وتبقى عدالة السماء هي الفَيصل والحَكم.

لم يضع الحق يوماً ولن يضيع، والمظلمة عند الله القاهر لا تُنسى ولا تُبدّل أوراقها أو تُزيّف حقائقها، فعند الله لا تضيع الخصوم، وهو القاهر فوق عباده.

المساهمون