القرار 2334... تأشيرة مفتوحة نحو المحكمة الجنائية الدولية

القرار 2334... تأشيرة مفتوحة نحو المحكمة الجنائية الدولية

25 ديسمبر 2016
أبلغت فلسطين الجنائية أن الاستيطان جريمة حرب(جاك غواز/فرانس برس)
+ الخط -

يرى سياسيون وخبراء في الاستيطان الإسرائيلي أن القرار 2334، الذي تبناه مجلس الأمن الدولي أول من أمس، بغالبية ساحقة، للمرة الأولى منذ 36 عاماً، يمكن أن يكون نقطة تحول سياسية كبيرة، إذا ما أحسنت القيادة الفلسطينية البناء عليه. كما يمكن أيضاً أن يتحول إلى مجرد قرار تتم أرشفته قرب قرارات كثيرة سبق وتبناها مجلس الأمن والجمعية العامة، ولم يحسن الفلسطينيون التعامل معها، وبل وفرغوها من محتواها الحقيقي عندما فضلوا المفاوضات الثنائية بدل الإصرار على تطبيق قرارات الشرعية الدولية.

ويعتبر مسؤولون سياسيون أن الخطوة الفلسطينية المقبلة يجب أن تكون نحو المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً أن دولة فلسطين سبق وقامت بتقديم تبليغ لدى المحكمة الجنائية الدولية بكون الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي جريمة حرب مستمرة. وبوجود القرار 2334، باتت تملك تأشيرة نحو المحكمة الجنائية لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن الاستيطان، الذي يعتبر جريمة حرب ماثلة للعيان. لكن مستويات سياسية أخرى تعبر عن خشيتها من إهدار القيادة الفلسطينية الوقت، وانتظار ما سيتمخض عنه مؤتمر باريس الدولي، الذي كان أحد الأسباب الرئيسية لتعطيل تقديم مشروع قرار الاستيطان أمام مجلس الأمن على مدار العام 2016.

وحول الخطوة المقبلة بعد قرار مجلس الأمن، قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "لقد حققنا إنجازاً وقراراً تاريخياً من مجلس الأمن، والمهم الآن النظر في كيفية العمل على تطبيق ما جاء فيه. سننظر في كيفية الاستفادة من الإنجاز الكبير على مستوى البدء في تقديم كل المسؤولين الإسرائيليين المشاركين في الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الدولية، وهذا أمر هام". وأضاف "سنبدأ بكافة الإجراءات ذات الصلة بهذا الموضوع، لأننا لا نريد أن نضيع وقتنا في هذا الإطار. سنبدأ فوراً في تقديم لوائح وتهم ضد مسؤولين سياسيين إسرائيليين ضالعين في البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وساهموا في تدمير الوجود الفلسطيني عبر الاستيطان"، موضحاً "اعتماداً على القرار 2334، يمكن لنا بكل سهولة التحرك الآن على المستوى القانوني الدولي. هذه ستكون خطوات أولى ستتبعها خطوات لاحقة".


وكان آخر قرار حول الاستيطان صدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن المستوطنات الإسرائيلية في العام 1979، وامتنعت الولايات المتحدة حينها عن التصويت، تماماً مثل ما فعلت الجمعة الماضي بشأن مشروع قرار مشابه حول الاستيطان، صوتت له 14 دولة. وحول التغيرات في الموقف الأميركي، قال المالكي إن "الامتناع الأميركي عن التصويت لا يعني الرفض. إن إشارة المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن، سامانثا باور إلى خطورة الاستيطان الذي يدمر حل الدولتين ولا يجلب الأمن لإسرائيل، هو نفس مضمون الكلام الذي كان يكرره وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. المهم في الأمر أن هذا المفهوم سيكون النقطة الأساس التي يجب أن تنطلق منها الإدارة الأميركية المقبلة بشأن التعامل مع الاستيطان الإسرائيلي". وتابع "بهذا القرار ارتفع منسوب الموقف الدولي، خصوصاً بالنسبة إلى الاستيطان، إلى مستويات عليا، في الوقت الذي كانت تحاول فيه الإدارة الأميركية الجديدة خفض سقف الموقف الأميركي من الاستيطان من خلال الحديث عن نقل السفارة إلى القدس، وتعيين سفير أميركي لدى إسرائيل يدعم الاستيطان وغيرها من الأمور. الآن ستجد الإدارة الأميركية الجديدة نفسها وسط موقف دولي يجبرها على رفع سقف التعامل مع موضوع الاستيطان إلى مستويات أعلى، وهذا هام جداً. كنا حرصاء على تحقيق هذا الإنجاز حتى نغلق الطريق أمام الإدارة الجديدة التي كانت تحاول، أو قد تحاول من خلال الإشارات التي كانت ترسلها، إضعاف الموقف الدولي من موضوع الاستيطان".

ويرى مستشار هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، محمد إلياس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة على الأرض لم تتغير، من حيث تسارع المخططات لبناء المستوطنات وتوسيعها من جهة، وما تقوم به الهيئة من مساعدة المواطنين الفلسطينيين على الصمود، سواء عبر المساعدة القانونية، أو بدعمهم وتعزيز صمودهم، أو توثيق هذه الانتهاكات اليومية ونشرها أمام الرأي العام العالمي". ورغم أنه من غير المتوقع أن يطرأ أي جديد إيجابي على الوضع الميداني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالنسبة إلى الاستيطان، إلا أن إلياس يرى ضرورة متابعة قرار مجلس الأمن، سياسياً وقانونياً. وقال "يفترض إعطاء هامش زمني محدود جداً للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ليتحول إلى مرحلة التحقيق في ما يخص الاستيطان، وإذا لم يحصل هذا فعلى دولة فلسطين أن تقوم بالإحالة الفورية للمحكمة، لأننا قدمنا بلاغاً، والآن مطلوب التوجه بالإحالة إلى النائب العام بضرورة فتح تحقيق، في ظل المعطيات الجديدة على الأرض حيث نشهد تسارعاً استعمارياً على الأرض من بناء وحدات استيطانية جديدة، فضلاً عن انزياح لافت للحكومة الإسرائيلية اليمينية عبر زيادة المخططات الهيكلية وأعداد المستوطنين ووحدات البناء، خصوصاً في القدس الشرقية، وكلها بيانات كافية لفتح التحقيق من جانب المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا". لكن إلياس يعبّر عن مخاوفه من عدم استثمار القرار 2334 فلسطينياً بالشكل الصحيح. ويقول "هذه ليست أول مرة يقوم العالم بتزويدنا بسلاح ويطلب منا إجادة استخدامه. على العكس، نحن نحوّل البندقية التي بين أيدينا إلى عصا، مثل ما حصل في موضوع قرار محكمة العدل الدولية في العام 2004، بما يتعلق بالجدار، إذ لم نجد استخدام هذه الفتوى القانونية المهمة، بل على العكس نحن كفلسطينيين ساعدنا في إفراغ هذا القرار من محتواه، ولم نقم بالبناء عليه. الخلاصة، إذا لم نكن رأس حربة فلن نحقق ما نصبو إليه من دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".

ورغم الانتقادات الفلسطينية التي خفتت، ليعلو صوت الترحيب بقرار مجلس الأمن، حيث لم تقم القيادة الفلسطينية بعرض نص القرار على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو التشاور حوله مع الفصائل الفلسطينية. وحتى إن الإعلام الرسمي الفلسطيني لم ينشره سوى ظهر أمس السبت، أي بعد تبنيه من مجلس الأمن، إلا أن مختلف الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي، رحبت بقرار مجلس الأمن، وطالبت القيادة الفلسطينية بالبناء عليه. وقالت القيادية في الجبهة الشعبية، خالدة جرار، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "صحيح أن النص لم يمر على اللجنة التنفيذية للمنظمة، لكن في آخر اجتماع، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أبلغ الرئيس محمود عباس اللجنة التنفيذية، بالتوجه إلى مجلس الأمن بشأن الاستيطان، واليوم لدينا قرار مهم وملزم من مجلس الأمن يجب البناء عليه". وحول الرؤية السياسية للاستفادة من القرار واستثماره في مؤتمر باريس الدولي للسلام، تقول جرار "المفروض أن تقوم القيادة الفلسطينية اليوم بالبناء على هذا القرار للمطالبة بمؤتمر دولي كامل الصلاحيات لتنفيذ وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وليس التفاوض عليها، وليس عقد مؤتمرات تعيدنا لدائرة المفاوضات الثنائية، مثل المؤتمر الدولي الذي تدعو له فرنسا مطلع العام المقبل". وأوضحت أن "هدف المؤتمر، الذي تدعو له فرنسا، هو توفير الأجواء المناسبة بهدف العودة إلى المفاوضات الثنائية، أي أنه خطوة لإعادة الدوران في نفس المسارات السابقة، مثل خارطة الطريق والرباعية الدولية، وهو أمر مرفوض. المطلوب أن يتم عقد مؤتمر دولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وليس التفاوض من جديد، وهذا ما يجب أن تقوم به القيادة الفلسطينية".