القدر الكوني لعتبة الحداثة

14 يونيو 2014
+ الخط -
قول المفكر المغربي، عبد الله العروي، إن الحداثة توجد حيث توجد الدولة، وحيث يوجد التاريخ، كفيل بإسقاط الفكرة القائلة إن العرب لم يعرفوا الحداثة، إلا بعدما غزاهم الغرب. ولكن، هناك من يشترط في الدولة أن تكون حديثة، حتى تتسم بالحداثة، وهنا يأتي مثال الدولة القومية في الغرب، لنجد أنفسنا نسقط في صحة الاتهام الغربي للعرب. لكن، إذا اعتبرنا أن الحداثة قدر كوني وعصر تقني، كما يقول الباحث محمد سبيلا، حينها يتأكد لنا أن وجود الغزو الغربي لم يكن ضرورياً لوجود الحداثة العربية، بل نفهم أن الحداثة احتضان للتقدم السياسي والنهوض الاجتماعي والرفاه المادي والعقل العلمي والتقني.
المراد قوله إن المغرب، حسب الفكر الاستشراقي الفرنسي، كان يعيش حالة من الغربة والتهميش عن باقي العالم. وكان لا يزال مرتبطاً بالتاريخ من دون قدرة على الاتصال بالحاضر المعصرن، فجاءت فرنسا مخلصاً من هذه الغربة وهذا التهميش، حسب الادعاء الفرنسي. في هذا الاتجاه، يدّعي أغلبية المفكرين الفرنسيين الذين اهتموا بالمغرب؛ أن المغرب وضع قدماً أولى فوق عتبة الحداثة، بمجرد ما وصلت إليه فرنسا، وأجرت إصلاحات قصدت الأرض ومن يسكنها.
سنحاول أن نحاجج، ما جاء على لسان صاحب كتاب "المغرب على عتبة الحداثة"، فرديريك وايسجربر، وغيره من الفرنسيين الذين ينظرون إلى المغرب، كمستعمرة دونية. فمن المتعارف والمتفق عليه عالمياً أن لكل بلد ثقافته، وهويته وحضارته المنفردة، ولا يمكن للفكر الحداثي أن يقوم بمهاجمة هذه الخصوصيات وإقصائها. ففرنسا قصدت أن تحدث انزياحا في هذه الخصوصيات، مدعية أنها تعصرن المغرب وتحدثه.
كنا قد ذكرنا أن الحداثة قدر كوني، فكان بذلك من الطبيعي أن يطرق المغرب أبواب الحداثة، ولكن، بطريقة لن تداس من خلالها الثقافة، ولا الهوية ولا الحضارة. فرنسا أرادت أن تسرع الرغبة الاستهلاكية لدى المغاربة، فأحدثت بذلك للحداثة معنى خاصاً بها، والحقيقة أن فرنسا أحدثت بالمغرب فعل التخريب، مدعية أنه التحديث. هنا، لا بد أن نستحضر المثال الذي ساقه جاك بيرك في أحد كتبه، عندما تحدث عن الفلاح المغربي الذي كان بمجرد ما يقابل أجنبياً، حتى يبادره بالسلام ودعوته لشرب كأس من الشاي. طبعا كان هذا في السنوات الأولى من الوصول الفرنسي، ولكن، مع مرور الوقت في المغرب، تحولت لغة الفلاح من السلام إلى "بونجور" وضحكة صفراء، وبدل دعوة الشاي يدعوك لتدخن سيجارة برفقته.
في هذا دليل يقدمه بيرك، ضمناً، على أن فرنسا خربت الإنسان المغربي، وحولته إلى هيكل أجوف من كل الخصوصيات المغربية، حتى أن ليلى أبو زيد تذكر، في روايتها "عام الفيل"، أن المغربي، الذي لا يعرف كيف يأكل بالسكين والشوكة، يواجه الاقصاء والتهميش من الحياة الاجتماعية والعامة. وتتحدث أبو زيد عن هذا المشهد كونه خلاصة للسياسة الفرنسية في المغرب في فترة الاحتلال، فهذا ما فعلته فرنسا بالمغربي.
لنعد إلى وايسجربر الذي يأتي على قول السلطان يوسف بن الحسن: "لولا المساعدة التي كانت من فرنسا لضاع المغرب، فبفضلها أمكن أن يستتب الأمن والنظام، وتقوى السلطة الشريفة، ويتكون مخزن جدير بهذا الاسم". إن هذا يدل على أن فرنسا أمكنها القيام بغسل دماغ للمخزن في المغرب، هي ليست مسألة قوة عسكرية فقط، بل مسألة تأثير هوياتي وثقافي وعلاقة هيمنة وقوة. هذا، وقد حاول وايسجربر أن يهاجم ويدوس قيمة كل من يعتبرون أبطال الوطن، أو من يحملون صيتاً وطنياً، كأحمد الهيبة وأحمد الريسوني، ومولاي عبد الحفيظ الذي يقول عنه: "أضاع الهيبة الشريفة، بتجاوزاته والتسيب الذي طبع حياته الخاصة، وما بدر منه في أواخر حكمه من استخفاف...". هذا الكلام يدل على أن وايسجربر كتب مؤلفه هذا بنزعة عنصرية وإقصائية، بعيدة عن الموضوعية والتأريخ الوازن.
كثيرة المؤلفات التي ترى أن المغرب أنقذته فرنسا، وأخرجته من الظلمات إلى النور، لكنها كلها مؤلفات اهتمت بالجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية-الاجتماعية، متناسية الجانب الثقافي، والهوياتي، والحضاري والسيكولوجي للمغاربة. ووايسجربر ممن أطربهم العسكر والساسة الفرنسيون، حتى جعله ذلك يعتبر أن المغرب ولج عالم الحداثة بفضل فرنسا، لكنه نسي أن الحداثة ليست فقط عصراً تقنياً، ولكنها أيضا حفظ للهوية والخصوصية ضمن مسيرة تطور تراكمية واعية.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي