القاهرة وقرار وقف الاستيطان: خدمات مجانية خاسرة لإسرائيل وترامب

القاهرة وقرار وقف الاستيطان: خدمات مجانية خاسرة لإسرائيل وترامب

24 ديسمبر 2016
السيسي بحث مع ترامب مشروع القرار (Getty)
+ الخط -
إن كانت إسرائيل قد خرجت بخسارة ساحقة، مساء الجمعة، بعد تمرير القرار الدولي رقم 2334 في مجلس الأمن الدولي، القاضي بوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية المحتلة، من ضمنها القدس، فإن مصر ربما تكون الدولة التي أصيبت بأكبر إحراج، على خلفية تعطيلها طرح مشروع القرار يوم الخميس، وعدم تقديمه أمس الجمعة، بالنيابة عن المجموعة العربية، في خطوة كرست سعي الرئيس عبدالفتاح السيسي لنيل رضا الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وإسرائيل بكل الوسائل، حتى ولو أدى ذلك لإفقاد مصر وزنها الإقليمي والدولي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وسجلت الدبلوماسية المصرية في الساعات الـ48 الماضية، مستويات غير مسبوقة في العمل لمصلحة الاحتلال عملياً، وعلناً، قبل أن تقوم دول غير عربية بما كان يفترض أن تقوم به القاهرة، فأقر القرار بموافقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وبدا أن مصر الرسمية لم تصوت لمصلحة القرار إلا عندما تأكدت بأنه يحظى بإجماع داخل مجلس الأمن، بين الدول دائمة العضوية والدول غير دائمة العضوية. وما الدليل على الموقف المصري الصادم، أو المتواطئ مع تل أبيب ومع فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا سحب مصر مشروع القرار، قبل ساعتين من قيام دول أخرى مثل نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال بطرحه على التصويت، ليبتنى مجلس الأمن الدولي القرار الوحيد الخاص بالملف الفلسطيني منذ ثماني سنوات. وبعد التصويت مساء أمس فقط، ظهر بالدليل القاطع لماذا استبسل السيسي وفريقه الدبلوماسي للمماطلة ولتأجيل طرح مشروع القرار في اليومين الماضيين، حمايةً لإسرائيل وتقديماً لولاء مبكر لإدارة ترامب التي بدت أكثر من غاضبة إزاء امتناع واشنطن عن استخدام حق النقض (الفيتو) المعتاد لمنع أي محاسبة لإسرائيل.

وقبل التصويت التي وصفته وكالات أنباء بأنه نادر لناحية أنه مرر قراراً ضد دولة الاحتلال، من دون أن تعيقه واشنطن، تضاربت الأنباء حيال ما سبق التأجيل المصري لطرح مشروع القرار؛ ففي حين كذّبت صحيفة "نيويورك تايمز" رواية الرئاسة المصرية حول الاتصال الهاتفي الذي قالت القاهرة إن ترامب أجراه مع السيسي، مؤكدة أن السيسي هو الذي اتصل بترامب وليس العكس، وذلك بهدف "مناقشة كيفية إرساء اتفاق سلام في الشرق الأوسط"، نقلاً عن أحد مساعدي ترامب، فإن مصادر "العربي الجديد" أشارت إلى أن ترامب اتصل بالفعل بالسيسي لكن قبل أن تطلب مصر تأجيل طرح مشروع القرار للتصويت، وليس بعده كما أوحى توقيت بيان الرئاسة المصرية، وأن ترامب طلب بوضوح من السيسي أن يطلب تأجيل طرح المشروع بعدما وصلته معلومات ترجح أن مندوب الولايات المتحدة لن يستخدم حق النقض ضد القرار بسبب الموقف السلبيي لأوباما من نتنياهو في الوقت الحالي". وعن هذا الموضوع، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أنّ ترامب وفريقه تلقوا اتصالات هاتفية من أركان إدارة بنيامين نتنياهو بهدف العمل على إعاقة مشروع القرار، حتى من خلال مصر. 
ونشرت بعض وكالات الأنباء أخباراً مفادها أن اتصالات عالية المستوى جرت بين مصر وإسرائيل لتأجيل طرح مشروع القرار للتصويت، إلا أن الرئاسة المصرية أعلنت في بيان أن السيسي تلقى اتصالاً هاتفياً من ترامب، "تناول مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن حول الاستيطان الإسرائيلي، واتفق الرئيسان على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل بشكل متكافئ مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية، بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية".

وبعد ساعات، أصدرت 4 دول في مجلس الأمن الدولي هي نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال مذكرة بالمشاركة مع فلسطين، تُبلغ مصر عزمها طرح مشروع القرار للتصويت من جانبها، من دون الحاجة لأن تطرحه مصر، على أن ترد القاهرة على ذلك خلال يوم 23 ديسمبر/كانون الأول (أمس)، وهو ما حصل بالفعل، لتقع الدبلوماسية المصرية في موقف مهين بدت فيه أنها حاولت تأدية دور الحامي لإسرائيل أكثر من الولايات المتحدة نفسها التي امتنعت عن استخدام "الفيتو" المعتاد في كل ما يتعلق بمحاسبة الدولة العبرية. 

وأوضحت مصادر "العربي الجديد" أن "ترامب برر مطالبته للسيسي بعدم ترك الفرصة أمام أوباما ليتخذ قراراً قد يحمّل ترامب في مطلع فترة رئاسته مزيداً من الأعباء تجاه إسرائيل، لا سيما في ظل التعهدات الصريحة التي أخذها ترامب على نفسه خلال لقائه نتنياهو بعدم المساس بقضية المستوطنات إلا من خلال مفاوضات مباشرة سيحاول رعايتها بين الفلسطينيين وإسرائيل، وليس من خلال قرارات أممية". وقال المصدر المقيم في نيويورك إن "هذه الخطوة (سحب مشروع القرار وعدم طرحه من قبل القاهرة) هزت كثيراً صورة الوفد المصري لدى مجلس الأمن، سواء بين المجموعة العربية أو أمام دول عدم الانحياز وكذلك الدول التي لم تكن تنوي استخدام حق النقض وبينها فرنسا"، مشيراً إلى أن الوفد تلقى "أسئلة محرجة حول سبب تبنّي المشروع من الأساس طالما أن القاهرة لا تريد توريط نفسها في خلاف مع إسرائيل أو أزمة مبكرة مع ترامب". وأضاف المصدر أن "الوفد المصري يحاول إقناع الفلسطينيين حالياً بتأجيل طرح المشروع من خلال الدول الأربع، التي وجّهت مذكرة الطرح البديل"، مؤكداً أن "الإحباط يسيطر على الفلسطينيين، لكن لم تجر اتصالات بين السيسي وأي قيادة فلسطينية"، متوقعاً أن يزور الرئيس الفلسطيني محمود عباس القاهرة قريباً للتباحث حول الخطوات الباقية، التي يمكن لمصر اتخاذها لصالح القضية الفلسطينية من دون أن تسبب للسيسي حرجاً مع إسرائيل أو ترامب.


في غضون ذلك، قال مصدر في ديوان وزارة الخارجية المصرية، إن "هذا الارتباك المصري غير المسبوق يسيء لصورة الدبلوماسية المصرية"، مؤكداً أن حالة من الغضب العارم تسيطر على أروقة الوزارة وعلى المجموعات الإلكترونية المغلقة بين الدبلوماسيين على شبكات التواصل الاجتماعي. ووصف المصدر موقف السيسي بأنه "خنوع غير مسبوق لم يُقدم عليه الرئيس المخلوع، حسني مبارك، الذي كان حذراً في كل تفاصيل العلاقة بإسرائيل إلا في ما يتعلق بالمستوطنات وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران دون نقصان"، مؤكداً أن "السيسي بمثل هذه المواقف يقود مصر إلى الابتعاد عن صدارة الملف الفلسطيني وتسليمه لأطراف إقليمية أو عربية أخرى، تماماً كما حدث بتصفيره للدور المصري في الملف السوري على مدار عامين قبل أن يختار الانحياز إلى جانب روسيا".

ورجّح المصدر أن يكون السيسي قد أقدم على طرح مشروع القرار لجس نبض إسرائيل وترامب تحديداً، وكسب ثقتهم في حال استجابته للاعتراضات. وذكر أنه بعد اتصال ترامب بالسيسي جرى تداول معلومات في وزارة الخارجية عن صدور تعليمات رئاسية بالتنسيق مع البيت الأبيض من خلال السفارة المصرية في واشنطن، لتحديد موعد لزيارة السيسي إلى واشنطن خلال النصف الأول من العام المقبل، مرجحاً أن تكون الزيارة "المكافأة"، على حد تعبيره، في مارس/آذار أو أبريل/نيسان. 
وأكد المصدر أن السيسي "مؤمن تماماً" بضرورة استغلال التقارب الذي حدث بينه وبين ترامب خلال فترة الانتخابات والاتصالات التي تمت بين الدبلوماسيين المصريين وفريق ترامب للاستفادة من دعم الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة على صعد عدة، أبرزها دعم أفكار السيسي لنبذ وتهميش قوى الإسلام السياسي في مصر والشرق الأوسط، وتحسين العلاقات مع إسرائيل وإثيوبيا، وتأمين الاحتياجات العسكرية المصرية من أسلحة وذخيرة وقطع غيار ودورات صيانة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين البلدين بشأن سيناء وليبيا وقطاع غزة.
وهذه هي المرة الثانية التي تطرح فيها مواقف مصر في مجلس الأمن علامات استفهام حول السياسة الخارجية للسيسي، فالمرة الأولى كانت عند تصويته على مشروعي قرارين متناقضين حول حلب، أحدهما كانت تؤيده السعودية وفرنسا والثاني كانت تؤيده روسيا، وفي النهاية لم يصدر القراران وأدى ذلك لاحتدام الخلاف السياسي بين مصر والسعودية.