الفوضى في درعا: ما هو دور النظام وإيران وروسيا؟

الفوضى في درعا: ما هو دور أجهزة النظام وإيران وروسيا؟

23 ديسمبر 2019
هدد وجهاء حوران بإغلاق معبر نصيب (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
مع تواصل الاغتيالات وحالة عدم الاستقرار في محافظة درعا في الجنوب السوري، تثار تساؤلات حول حقيقة ما يجري في هذه المحافظة التي سيطر عليها النظام السوري "شكلياً" منتصف العام الماضي، بمساعدة روسية. وما بين حديث عن "ثورة جديدة" تلوح في الأفق، على غرار الثورة الأولى التي انطلقت من محافظة درعا، أو "فوضى مدروسة" تُشرف عليها أجهزة النظام الأمنية، فضلاً عن أذرع إيران في المنطقة، تُجمع التحليلات والتوقعات على أن للنظام وأجهزته دورا كبيرا في كل ما يجري هناك.


وفي أحدث الهجمات شبه اليومية في المحافظة، قتل مجهولون، مساء السبت الماضي، خمسة عناصر من قوات النظام والمليشيات الموالية لها على نقطة تفتيش، في المحافظة. كما اغتال مجهولون، يستقلون دراجة نارية أخيراً، رئيس بلدية الشجرة غرب درعا حسان العبد الله بالرصاص أمام منزله. والعبد الله معروف بمواقفه الداعمة لنظام بشار الأسد وللمليشيات الإيرانية. كما اغتال مسلحون ماهر إبراهيم اليوسف، الملقب بـ "ماهر القطة"، وسط مدينة جاسم، وهو من عناصر "التسويات"، فيما خرجت تظاهرة ليلية أخيراً في بلدة معربة بريف درعا الشرقي للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون قوات النظام. وكانت المحافظة شهدت تظاهرات مماثلة في بلدة حيط بريف درعا الغربي، وفي بلدة معربة بريف درعا الشرقي، فيما كتب مجهولون على بعض الجدران في مدينة بصر الحرير بريف درعا الشرقي عبارات تتوعد بمواصلة الثورة على النظام وتطالب بالإفراج عن المعتقلين.


عمليات الاغتيال

وشهدت المحافظة في الأشهر الأخيرة زيادة ملحوظة في الهجمات التي تعرضت لها قوات النظام السوري، وأشخاص يرتبطون بها، مقابل اغتيال قياديين وعناصر سابقين في المعارضة، لتشتعل المحافظة بتظاهرات شعبية غاضبة، تطالب النظام بالإفراج عن المعتقلين، ورفع قبضته الأمنية، وإبعاد إيران ومليشياتها عنها. وأبرز تلك الأحداث كان اغتيال القيادي السابق في فصائل المعارضة وسيم الرواشدة بعبوة ناسفة في بلدة طفس بريف إدلب، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليتحول تشييعه إلى تظاهرة غاضبة طالبت بإسقاط النظام وطرد المليشيات الإيرانية من المنطقة. كما طرد المتظاهرون دورية روسية كانت بالقرب من المكان، حسب مواقع محلية. وبعيد ذلك، قتل الشقيقان محمد وأحمد الصياصنة برصاص مجهولين وسط مدينة درعا البلد، وهما عنصران سابقان في المعارضة، لتشهد أحياء المدينة في اليوم التالي تظاهرة شعبية غاضبة، إذ شارك المئات في تشييع الشقيقين. كما شهدت مناطق عدة في درعا، خلال الأسبوعين الماضيين، تظاهرات ووقفات احتجاجية طالبت بإسقاط النظام ورفع القبضة الأمنية والإفراج عن المعتقلين، بالإضافة إلى التنديد بالأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية في المحافظة، كان أبرزها في بلدات تل شهاب واليادودة والمزيريب وطفس ودرعا البلد وجلين وبيت سحم وجاسم والكرك الشرقي.

ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عمليات الاغتيال في المحافظة، باستثناء عدد محدود من العمليات جرى تبنيها من قبل ما يوصف بـ"المقاومة الشعبية"، فيما لا يعلق النظام السوري على هذه الحوادث، في ظل اتهامات لأجهزته بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التي تطاول القيادات والعناصر السابقة في المعارضة. وبحسب "مكتب توثيق الشهداء" في درعا فإن المحافظة شهدت خلال نوفمبر الماضي 28 عملية ومحاولة اغتيال، أدت إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة سبعة، مشيراً إلى أن الإحصائية لا تتضمن الهجمات التي تعرضت لها حواجز وأرتال قوات النظام. كما سجل المكتب وقوع 35 عملية ومحاولة اغتيال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدت إلى مقتل 25 شخصاً وإصابة 10، وذلك من دون احتساب الهجمات ضد حواجز وأرتال قوات النظام.



أما المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد أشار إلى أن مجموع ضحايا الهجمات ومحاولات الاغتيال، بأشكال وأساليب عدة، بين يونيو/حزيران الماضي وصل إلى أكثر من 195 شخصاً، قتل منهم 134 شخصاً، وهم 21 مدنياً و67 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و26 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا "تسويات"، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية و15 من المليشيات السورية التابعة إلى "حزب الله" اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 6 من "الفيلق الخامس" الذي أنشأته روسيا.

في المقابل، تزايدت الهجمات التي استهدفت ضباطاً وعناصر من النظام السوري في مناطق متفرقة من درعا، وسط تهديدات من أوساط المعارضين برفع مستوى العمليات على خلفية تردي الوضع الأمني. وكان التصعيد الأكبر ضد قوات النظام في 28 الشهر الماضي عقب اغتيال وسيم الرواشدة في طفس، حيث اغتال مجهولون أربع شخصيات أمنية في صفوف النظام، بينهم ضابط، فيما احتجزت فصائل المصالحات في درعا على طريق اليادودة – الضاحية في ريف درعا الغربي ضابطاً من فرع الأمن العسكري ونصبت عدة حواجز في المنطقة، بسبب عدم إفراج النظام عن معتقلي تلك المنطقة.

قضية المعتقلين

وتشكل قضية المعتقلين المطلب الأبرز لدى الأهالي في محافظة درعا، وهو ما دفع النظام إلى محاولة تنفيس الاحتقان من خلال إطلاق سراح عدد من المعتقلين، على دفعات، خصوصاً من تم اعتقالهم خلال الأيام والأشهر القليلة الماضية، وبينهم أطفال ونساء، لكن ذلك لم يوقف عمليات الاعتقال التي تقوم بها قوات النظام وأجهزته الأمنية بشكل دوري، وهو ما يفاقم من حالة الاحتقان. وأوضح الناشط محمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام، وإن كانت لم تدخل معظم قرى وبلدات درعا بموجب اتفاقات التسوية التي تمت برعاية روسية، فقد نصبت حواجز بين القرى والمناطق حيث تقوم بالاعتقالات، ما يعني أن روسيا نكثت بتعهداتها بعدم التعرض لمن دخل بالتسويات والإفراج عن المعتقلين، مشيراً، بشكل خاص، إلى اعتقال أشخاص خلال مغادرتهم درعا باتجاه دمشق.

وأوضح أن أجهزة النظام الأمنية المختلفة أعدت قوائم اغتيال للعسكريين والمدنيين ممن عملوا سابقاً في صفوف المعارضة، لتصفيتهم عن طريق بعضهم البعض، أي عبر المنتسبين منهم لأجهزة النظام، أو عن طريق العملاء، مشيراً إلى أن هناك عملاء يتواصلون مباشرة مع السفارة الإيرانية بدمشق، وآخربين تم زرعهم في معبر نصيب على الحدود مع الأردن. ولفت إلى الرسالة التي وجهها عدد من وجهاء حوران للمطالبة بالإفراج عن الضباط المعتقلين في سجن صيدنايا من أبناء المحافظة، والمقدر عددهم بنحو مائة، وهددوا بثورة جديدة، وإغلاق معبر نصيب، في حال لم يتم الإفراج عنهم. وبالفعل قامت مجموعات مسلحة بنصب حواجز في اليادودة ومساكن جلين بريف درعا الغربي، واعتقلوا عدداً من عناصر قوات النظام بهدف مقايضتهم مع المعتقلين.

دور الأمن العسكري

من جهته، قال الضابط المنشق جميل أبو عبدو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن كل جهاز أمني في الجنوب السوري يعمل لحسابه الخاص، وليس لحساب النظام، معتبراً أن النظام أرغم على المصالحة في الجنوب من جانب روسيا. ورأى أبو عبدو أن "النظام، بشكل عام، لا يريد استقرار الجنوب على الطريقة الروسية، بل يريد أن تطلق يده هناك، كما كانت قبل الثورة، بحيث يستطيع اعتقال من يشاء وفعل ما يريد دون مساءلة من أحد". وأشار إلى أن "روسيا تسعى لتأهيل الفيلق الخامس شرق درعا ليكون قوة عسكرية وأمنية منظمة، وليست ثورية. مع ملاحظة أنه لا توجد في مناطق سيطرة هذا الفيلق حوادث أمنية تذكر، من اغتيال أو اعتقال أو خطف، أو حتى سرقة". وتابع "لذلك فإن النظام بقيادة اللواء كفاح ملحم، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وهو ضابط سابق في الحرس الجمهوري، أوعز للعقيد لؤي العلي مسؤول الأمن العسكري في الجنوب، بتخريب الاتفاق الروسي، بما في ذلك التفجير الذي طاول دورية روسية أخيراً. وكان الأمن العسكري هو المسؤول عن العملية، فضلاً عن سعيه لإغراق درعا بالمخدرات". وقال "في 23 أكتوبر الماضي، حضر عناصر من إدارة مكافحة المخدرات بدمشق إلى درعا، وصادروا كميات من المخدرات والدخان المهرب والنقود المزورة، فتصدى لهم الأمن العسكري بقيادة الرائد أسامة عباس، عبر بعض فصائل التسويات التابعة للأمن العسكري، والذين قاموا بتمزيق صورة رئيس النظام في معبر نصيب، لكي يقول إن عناصر مكافحة المخدرات هم المسؤولون عن تخريب الاتفاقات في الجنوب، وتمرد عناصر التسويات، وهو ما يعكس الدور الفاعل للأمن العسكري في تجارة المخدرات، وبث الفوضى بالجنوب".

واعتبر أبو عبدو أن "الأمن العسكري في الجنوب، بقيادة العقيد لؤي العلي المدعوم من إيران، هو المسؤول الأول عن معظم عمليات الاغتيال وحالة عدم الاستقرار، وهو في شراكة مع تجار المخدرات والعقارات والأسلحة، والكثير من أنشطته هدفها تحقيق مكاسب شخصية لرئيس وضباط الفرع، وشركائهم في دمشق. ويضاف إلى الأمن العسكري الفرقة الرابعة المدعومة من إيران أيضاً، والمخابرات الجوية، فضلاً عن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله". وأوضح أن "هذه هي الجهات التي تخطط للاغتيالات، والمنفذين غالباً من عناصر فصائل التسويات ممن يعملون لصالح هذه الجهات". وأشار إلى أنه "أحياناً تتداخل أنشطة هذه الجهات وتعمل ضد بعضها البعض، نتيجة حالة التنافس فيما بينها، حيث اعتقل الأمن العسكري منذ نحو شهر أخوين انضما للفرقة الرابعة وهما من عناصر التسويات سابقاً، وينحدران من بلدة نصيب، من عائلة الشريف، لتورطهما في اغتيال أشخاص يتبعون للأمن العسكري". وأضاف أن "اللواء كفاح ملحم سلم العلي العشرات من قادة داعش (فصيل خالد بن الوليد) الذي كان يعمل سابقاً في منطقة حوض اليرموك، بعد أن امضوا فترة من الاعتقال في دمشق. فبادر العلي إلى إطلاق سراحهم، وتسليمهم لأهلهم في المنطقة بحجة العفو عن المعتقلين، بينما الهدف هو خلط الأوراق وتوفير حجة لدخول المناطق التي لم يدخلها النظام بحجة محاربة الإرهاب".

وحول مستقبل محافظة درعا في ضوء ما يجري فيها اليوم، رأى أبو عبدو أن "من الصعب أن يعيد النظام سيطرته على المحافظة كما كان في السابق، لكن في المقابل من الصعب اندلاع ثورة جديدة، والأرجح هو تصاعد الفوضى، خصوصاً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي عمليات السرقة والاختطاف بهدف الحصول على فدية مالية". واعتبر أن "مسؤولي أمن النظام في المحافظة، خصوصاً العلي، هدفهم الرئيسي جمع الأموال من المخدرات والتجارة الأخرى"، فيما رأى المسالمة أن "المحافظة مقبلة على مرحلة أعلى من التحدي للنظام بعد كسر حاجز الخوف، وخروج الآلاف أخيراً في تظاهرات ضد النظام".