الفنّانون والتطبيل: ما بين الادّعاء والخوف والترويج

الفنّانون والتطبيل: ما بين الادّعاء والخوف والترويج

19 نوفمبر 2019
علامة: لبنان يحتاج لمثل محمد بن سلمان Getty)
+ الخط -
لا يكاد يمر أسبوع إلا وتخرج تصريحات لبعض المغنين العرب، تشعل السجالات. نُلاحظ، في السنوات الأخيرة، أن معظم المغنينـ/ات في العالم العربي، يعانون من ضعف ثقافة في أمور كثيرة، منها على وجه التحديد السياسة. قبل أيام، خرج المغني اللبناني راغب علامة (57 عاماً) من حفل في الرياض، محاولاً التملق بـ"بيع" موقف آخر لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عبر مهرجان حاشد، تنظمه هيئة الترفيه السعودية. قال راغب علامة إن وطنه لبنان، المنتفض منذ شهر على الفساد، يلزمه رجل مثل ولي العهد السعودي، ليسجن كل الفاسدين ويخرج مالهم، أو يعيده إلى خزينة الدولة المسلوبة.

يحاول راغب علامة "تبييض" صفحته مع ولي العهد، لكنه لم يكلّف نفسه وقتاً كافياً للتفكير جيداً في إمكانية تولي حاكم مثل محمد بن سلمان الحكم مهمّة القضاء على الفساد. اعتماد علامة على الرواية السعودية لسجن مجموعة من الأمراء والأثرياء في فندق داخل الرياض، قبل عامين، والطلب منهم إعادة أموال اتهموا بسرقتها، يبدو أيضاً جهلاً في واقع ما حصل.
كأنّ الحكاية ليست سوى محاولة إغراء السلطة لمواطنيها بأنها تعمل للقضاء على الفساد، وبالتالي تكريس صورة الحاكم، لكن ما قد يغيب عن علامة وغيره من الذين تغنّوا بفعل بن سلمان والحجز "الفندقي" وإعادة المال المسلوب، أن كل المتهمين أو الضالعين في الفساد، عادوا نهاية الأمر إلى مراكزهم، وربما أقوى مما كانوا عليه. الوليد بن طلال، مثلاً، يقود "الحراك" الفني الناشط هذه الأيام داخل المملكة، عبر ذراعه اليُمنى، سالم الهندي، مدير روتانا الذي عُين عضواً لدى هيئة الترفيه المنوط بها تنظيم وإقامة الحفلات والفعاليات الفنية، على امتداد المملكة.
الهندي كسب ثقة الوليد بن طلال منذ أكثر من 25 عاماً، وساند زميله رئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، في عمله، وذلك لإبراز القدرة السعودية على بلوغ أهداف "الثورة الفنية" القائمة على قاعدة إشغال السعوديين بالأمور الفنية، وصب جهدهم للدخول في منظومة فنية، حرموا منها لسنوات. هي اليوم ملكهم، من الرياض إلى محافظات المملكة التي فاضت خلال سنة ونصف السنة بالفعاليات المُستجدة التي تحاول استغلال الفنانين، وإجبارهم على بث المحبة لولي العهد أمام جمهور المملكة وخارجه، تماماً كما فعلت ماجدة الرومي قبل عام عندما وقفت في مهرجان شتاء طنطورة مسرح العلا، وقالت: "بكل الوفاء بقلبي وبكل الصدق، بتمنى تبقى الأرض الطيبة عاصمة للخير، وأتمنى تبقى دارها دار العز، وسيوفها سيوف النصر، ويبقى نخيلها مراوح الزمن، تبقى الأبية البهية العربية العزيزة على الله وقلوبنا جميعا، ويدوم عزكم".
لا يبدو كلام ماجدة الرومي أقل تعبيراً من فرح راغب علامة بضرورة إيجاد حاكم للبنان على طراز محمد بن سلمان، أو هو نفسه حتى، لكن الواضح أن مصلحة بعض الفنانين اللبنانيين تحديداً تجعلهم أكثر حماسةً من السعوديين أنفسهم لقبول أو تكريس منظومة الدعم لولي العهد محمد بن سلمان. في المقابل، تخضع بعض الحفلات، أو بعض الفنانين، لشروط، و"أجندات" خاصة، يصح القول إن "المزاجية" تحكم ولي أمر الحفلات داخل المملكة، تُركي آل الشيخ، وكيفية موافقته على بعض الفنانين في الحضور والغناء داخل المملكة، أو الرفض. شيرين عبد الوهاب، مثلاً، لم يكن مرحّباً بها داخل المملكة قبل سنتين. ثمة إشكالات وقعت بينها وبين شركة روتانا المؤثرة على قرار تركي آل الشيخ في استبعادها، لكن مع بلوغ الوقت قرّرت الهيئة استدعاء شيرين للغناء داخل المملكة. الفنانة الغارقة في عفويتها خانها التعبير مرّات على المسرح السعودي. قبل أيام، حاولت التفلّت من التصريحات الفنية الصادمة التي تعود عليها بالسوء، ومنها القرار الذي اتُّخذ بمنع حفلاتها في القاهرة بسبب تصريح قبل عامين، قيل إنه "يسيء لتاريخ مصر والنيل"، ليأتي اليوم وتقف فيه على أحد مسارح الرياض، وتهين، كما وصف المتابعون، النساء. شيرين أطلقت نكتة، قائلة: "ما دام منقدرش نستغنى عن الرجالة يبقى نسمع كلامهم".
يبدو أن نكتة صاحبة "آه يا ليل" أغضبت السعوديات، خاصة "النسويات" اللواتي أطلقن هاشتاغ "اخرسي يا شيرين"، و ما كان منها إلا الرد بـ جملة واحدة: "أنا ممتنة لشعب المملكة الذي حضر حفلي واستقبلني بشكل مبهر".
هكذا، يقع بعض الفنانين العرب في فخ العفوية المفترض أن تبقى حيادية، خصوصاً في ظل الخلافات السياسية القائمة اليوم داخل العالم العربي. هذا لوحده يكفي ربما لأن يلتزم بعضهم الصمت ويبتعد عن الأحادية في المواقف التي تستفز الرأي الآخر، وفق مفهوم يحرّك التفرقة بدلاً من أن يلغيها من قبل مغنيـ/ـة يبلغان حداً جيداً من الإجماع الجماهيري على النجاح، والإصرار المستغرب على الخروج باندفاع مدروس مسبقاً إلى الحرية، وبثها داخل المملكة، لكن لا يخلو ذلك من نشر بروباغندا معينة بين الناس، تتضمّن أجندتها التطبيل للحاكم، بعيداً عن مصالح تتأرجح بين الحين والآخر، وتجعلهم أدوات في يد السلطات، مقابل حفنة من المال، ومشاركة في مهرجان غنائي.

المساهمون