الفقر الساكن في بيوت لبنان

الفقر الساكن في بيوت لبنان

22 اغسطس 2020
معدلات الفقر في لبنان مرشحة للتصاعد في ظل استمرار نظام حكم فاسد (تويتر)
+ الخط -

أن تسمع عن معدلات فقر عالية في الصومال واليمن والسودان وموريتانيا، فهذا هو النمط السائد الذي تعودنا عليه طوال سنوات طويلة مضت، خاصة أن بعض هذه الدول ذات موارد طبيعية ضعيفة، وبعضها حكمتها حكومات فاشلة وفاسدة.
صحيح رأينا خلال السنوات الأخيرة انضمام دول أخرى إلى قائمة الدول ذات معدلات الفقر العالية منها سورية ومصر والعراق وربما الجزائر وليبيا لاحقاً، وذلك لأسباب تتعلق باندلاع حروب أهلية ببعض هذه الدول كما هو الحال في سورية ما بعد 2011، واضطرابات سياسية وأمنية قوية امتدت لسنوات كما جرى في العراق، أو بسبب تطبيق سياسات تقشفية عنيفة بإيعاز من الدائنين الدوليين وصندوق النقد قذفت برامجها بالملايين إلى آتون الفقر والبطالة والأمراض كما حدث في مصر منذ العام 2016. 
أما وأن تسمع عن معدلات فقر مرتفعة في لبنان، فهذا ما لا يتوقعه كثيرون، فلبنان، عكس العديد من دول المنطقة، ظل لسنوات يتمتع بمعدل دخل مرتفع نسبيا للفرد، وساهمت عدة عوامل في ذلك منها قلة عدد السكان، تحويلات العاملين في الخارج حيث كان لبنان أكبر متلقٍ لتحويلات المغتربين بعد مصر، انتعاش قطاع السياحة، تدفق الاستثمارات الخارجية خاصة على أنشطة المال والتجارة والفندقة والعقارات.

أيضاً، تدفق المساعدات والمنح على لبنان خاصة من دول الخليج وأوروبا، وتمتع البلاد بقطاع خاص نشط يسانده انفتاح اقتصادي على العالم الخارجي، وكذا قطاع مصرفي قوي يعد المصدر الرئيسي لتمويل الدولة، ومعدل سيولة خارجية مرتفع، ومستوى تعليمي عالٍ، التزام كامل من الدولة بسداد ديونها الخارجية رغم الصعوبات التي واجهتها خاصة في فترة ما بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وحرب منتصف العام 2006. 
كل تلك العوامل وغيرها ساهمت في رفع مستوى دخل الفرد في لبنان، وبالتالي رفع مستواه الاجتماعي والاقتصادي، وساعده في التمتع برعاية صحية وتعليمية مقبولة إلى حد ما.
لكن فساد الأنظمة الحاكمة التي تعاقبت على حكم لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في بداية التسعينيات، ونهبها أموال خزينة الدولة وكذا المساعدات والمنح التي تتلقاها الدولة وتحويلها إلى أرصدتها المصرفية الخارج، أكلت كل هذه المزايا التي يتمتع بها المواطن والأموال المتاحة لدى الدولة، وحولت اللبنانيين إلى شعب من الفقراء والمعدومين والبائسين، وأدت إلى حدوث انهيار اقتصادي شامل ودين خارجي اقترب من المائة مليار دولار، مع عجز عن سداده. 
أحدث الأرقام الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا "الإسكوا" تقدر نسبة الفقراء في لبنان بنحو 55% من إجمالي السكان مقابل 28% في العام الماضي 2019، أي أنها تضاعفت مرتين في عام. 
والأخطر ما يتعلق بنسبة الذين يعانون الفقر المدقع والتي زادت ثلاثة أضعاف، من 8% إلى 23%، وهذه الشريحة تواجه صعوبة شديدة في الحصول على وجبة غذاء واحدة في اليوم. 
كما تحدثت الإسكوا عن تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان. 
معدلات الفقر في لبنان مرشحة للتصاعد في ظل استمرار نظام حكم فاسد في موقعه لسنوات رغم خروج اللبنانيين عليه في احتجاجات شعبية واسعة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتظاهرات أخرى عقب انفجار مرفأ بيروت، والأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي أوجدتها الأنظمة الفاسدة المتعاقبة تزداد عمقا يوما بعد يوم، وأدت إلى حدوث قفزات في معدلات التضخم، واختفاء بعض السلع المهمة تمامًا عن رفوف المتاجر، وتهاوي القوة الشرائية للمواطن وخاصة أنه أحيانًا تزيد أسعار بعض السلع ثلاث مرات في يوم واحد مع انهيار الليرة مقابل الدولار. 

والانفجار الأخير في مرفأ بيروت عمق الأزمة المعيشية والمالية بلبنان خاصة أن تقديرات تشير إلى أن خسائره تقدر بنحو 16 مليار دولار، وقبل الانفجار، كانت التقديرات تشير إلى نحو 1.6 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية وزراعية، أي 23.4% من مجموع السكان، وهذا الرقم سيقفز بالطبع عقب الخسائر الفادحة التي تعرض لها الاقتصاد والمواطن عقب الانفجار. 
النظام في لبنان بات عاجزا عن حل الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية الحادة، أو التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على قروض تخفف من وطأة تلك الأزمات في ظل افتقاده للمصداقية وثقة المجتمع الدولي، وبات عاجزا عن نيل ثقة المانحين الدوليين بمن فيهم السعودية وفرنسا.

وبات عاجزا عن تقديم حلول غير تقليدية لحلحلة الأزمة المالية، والأهم أنه بات رافضا للتنازل حتى ولو عن جزء من الميزات المالية التي اكتسبها والأموال التي نهبها خلال السنوات الماضية.
وبالتالي تظل أزمة البلاد في نخبتها الحاكمة وزعماء الطوائف والمليشيات الذين أفرغوا خزانة الدولة من السيولة طوال سنوات، وسرقوا أموال امنح والمساعدات والقروض، وللأسف، لا تظاهرات باتت تردعهم، ولا أحد قادر على خلعهم واقتلاعهم من جذورهم في ظل الاحتماء بقوة السلاح والطائفية، ولذا ستظل أزمة لبنان المالية والاقتصادية والمعيشية مفتوحة.

 

المساهمون