الفصل... مزيد من ترهيب الصحافيين المصريين

الفصل... مزيد من ترهيب الصحافيين المصريين

29 أكتوبر 2019
مصرية تحمل صحيفة "التحرير" عام 2011 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن النظام المصري لجأ إلى نهج جديد في سبيل سيطرته على منظومة الإعلام في مصر، من خلال فصل الصحافيين من الصحف القومية والخاصة، جملةً وفرادى. فقد أقدمت صحيفة "أخبار اليوم" المصرية على فصل الصحافي محمد عادل، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019 الجاري، بعد إيقافه عن العمل وإحالته إلى التحقيق من قِبل رئيس مجلس الإدارة. كان عادل في إجازة مرضية منذ 3 أشهر، وفوجئ بقرار فصله من الجريدة، بناءً على منشورات له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأن سبب إحالته للتحقيق وإيقافه عن العمل هو "تحريضه ضد الدولة"، مؤكدًا احترامه للقرار، ومثوله أمام جهة التحقيق.

وفي السياق، تمر أزمة صحافيي جريدة "التحرير" المصرية، بمنعطف خطير قد يزيد الأمور تعقيدًا ويؤدي إلى تسريح عشرات الصحافيين. حيث توجه، الأحد الماضي، وفد يمثل الصحافيين العاملين في جريدة التحرير إلى نقابة الصحافيين المصرية، وعقد جلسة مع عدد من أعضاء مجلس النقابة، وخلال الجلسة أبلغهم عضو مجلس النقابة، جمال عبد الرحيم، بأن النقابة استقرت على شطب ناشر جريدة "التحرير"، أسامة خليل، وأن نقابة الصحافيين أرسلت خطاباً إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تطالب فيه يإيقاف اعتماد قرار تعيين الزميل صلاح يحيى رئيساً لتحرير الجريدة. وهو ما يعني توقّف الجريدة عن الصدور بسبب خلو منصب رئيس التحرير، وبالتالي تجميد الإصدار المتبقي للمؤسسة، بعد حجب البوابة الإلكترونية للجريدة بشكل غير مبرر أو مفسر منذ عدة أشهر؛ لتزداد الأمور تعقيدًا، وينتج عن قرار النقابة إغلاق المؤسسة بالكامل، وتشريد الصحافيين العاملين والمعتصمين، وهذا ما يتخوف منه صحافيو الجريدة من البداية.

وكانت إدارة جريدة "التحرير" قررت تعيين صلاح يحيى رئيس قسم الرياضة رئيسا للتحرير، خلفا للزميل محمد فوزي الذي استقال بعدما حذّرته النقابة من إجراءات عقابية ضده. ويعتبر الصحافيون المعتصمون في مقر جريدتهم، صلاح يحيى، الابن المطيع، وفرس الرهان الأخير لأسامة خليل في معركته معهم".

أزمة صحيفة "التحرير" بدأت في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، عندما أصدرت مؤسسة التحرير، ويصدر عنها موقع وجريدة التحرير، بيانًا للصحافيين والعاملين، أعلنت فيه إقدامها على صرف مرتباتهم لمدة شهرين إضافيين فقط، إذا لم ترفع الحكومة قرار حجب الموقع.



قرار جاء بعد حوالي شهرين من حجب الموقع في منتصف مايو/أيار الماضي. وأعلنت المؤسسة في بيانها أن قرار الغلق مرهون بحجب الموقع، وقالت إن "قرار الغلق جاء بعد مخاطبة الجهات المعنية بالصحافة والجهات المختصة بالاتصالات، للاستفسار عن سبب الحجب ومعرفة الجهة التي تقف وراءه"، موضحًا أنه مع عدم تلقي أي إشعار يفيد بوقوع مخالفات استوجبت الحجب، قُرر إغلاق الجريدة لعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين بعد شهرين من الآن.

وبعدما أقدمت إدارة الصحيفة على تخفيض رواتب الصحافيين، ومحاولات التنكيل بهم، لإجبارهم على الاستقالة، تمهيدًا للغلق، لكن عددا من صحافيي الجريدة قرروا الاعتصام في مقرها، وأدخلوا نقابة الصحافيين طرفًا في الأزمة، من أجل محاولة إنقاذ الموقف.
يشار إلى أن موجة استهداف الصحافيين المعارضين للنظام في مصر، شهدت تصاعداً منذ يونيو/حزيران 2013 واستمرت إلى اليوم. وقد حصد هذا السلاح القاسي حياة الكثيرين وتسبب في فصلهم من العمل بدون أسباب، إلا أنهم معارضون للنظام، ولو كانت الأسباب المدونة للقرار تختلف، وفي بعض الحالات تم منعهم من القبول أساساً من العمل.

ومن أكثر الأمثلة فجاجة على الفصل بسبب الرأي، كان قرار فصل الإعلامية في التلفزيون المصري، عزة الحناوي، عام 2015، التي تعرضت للإيقاف والتحقيق والخصم من المرتب والتنكيل، على مدار عامين كاملين، لأنها كانت تحاول أن تكون إعلامية، حتى تم إيقافها تماما عن العمل، بل وملاحقتها بالبلاغات القضائية المعتادة "خيانة الوطن" و"إهانة رئيس الجمهورية".

كما تم فصل أربعة صحافيين في جريدة اليوم السابع هم: سمر سلامة، وعبد الرحمن مقلد، وماهر عبد الواحد، ومدحت صفوت، وهم مقيدون في جداول نقابة الصحافيين ومعينون في الجريدة منذ ما يقرب من 10 سنوات، في يونيو/حزيران 2017، بعد أن استدعاهم رئيس التحرير، خالد صلاح، وأبلغهم بأنهم ينتقدون الرئيس بشكل علني عبر حساباتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كما أنهم من ضمن الموقّعين على بيان يرفض موقف الحكومة المصرية من توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية. وعقابًا على ذلك، طلب رئيس التحرير من الصحافيين الأربعة التوقيع على إجازة بدون مرتب لمدة عام، فلما رفض الصحافيون التوقيع أعلنت إدارة الجريدة فصلهم من العمل، بعدما لجأ الصحافيون للنقابة وقدموا شكوى ضد رئيس التحرير، كما حرروا محضر إثبات حالة في قسم شرطة الدقي، بعد أن وجدوا توجيهاً لدى الأمن بمنعهم من الدخول، وتوجهوا بشكوى إلى مكتب العمل، ومع ذلك لم تحل المشكلة واستمر الفصل التعسفي.



وكان للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) تعليقٌ قانوني على فصل الصحافيين والإعلاميين بسبب الرأي، في تقرير لها بعنوان "التجويع بسبب الرأي" صدر في مايو/أيار الماضي، تطرقت فيه إلى شقّين قانونين لمسألة انتهاك حق المواطن في العمل، وحمايته من الفصل التعسفي أو منعه من العمل، وفرض سياسات التجويع، الشق الأول متمثل في انتهاك معاهدات دولية موقّعة عليها مصر، والشق الثاني هو الدستور المصري نفسه.

وتنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان (من ضمنها الحق في العمل) دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي".

كما نص الدستور المصري، في مادته (53)، على "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب.. أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون".
وعلقت الشبكة "التجويع والمكارثية على الطريقة المصرية أصبح منهجيا، أو على الأقل ظاهرة بغيضة تطاول أصحاب الرأي المختلف، تماما مثل الملاحقة القانونية والتشهير والمنع من السفر والحبس الاحتياطي المطول. ولكل معارض حسب خلفيته أو عمله أو شهرته، وسيلة للتضييق والحصار".

كما قدمت الشبكة نظرة سريعة لمؤيدين تم الاستغناء عنهم، وكشفهم بشكل صريح أو غير مباشر عبر مقالات أو فيديوهات نشروها لهذا النهج أو الظاهرة البغيضة، قد يوقف استخدام سياسة التجويع والمزايدة الوطنية أو الاتهام بـ "خيانة الوطن" لمجرد انتقاد مؤسسة حكومية أو شخصيات مسؤولة، مثل لميس الحديدي، محمد الغيطي، تامر عبد المنعم، نائلة عمارة، أماني الخياط وغيرهم.

وقالت عنهم الشبكة "رغم أن كثيرا منهم كانوا من جنود المكارثية والمزايدة الوطنية، لا سيما بعد تولّي الرئيس السيسي الحكم في 2014، فإن ما حدث معهم من استبعاد رآه الكثير مهينا ونهاية سيئة، قد يدفع غيرهم إلى وقف عملهم في خدمة جوزيف مكارثي المصري".

المساهمون