الفساد والمؤسسة العسكرية

الفساد والمؤسسة العسكرية

14 مارس 2015
+ الخط -
لم يعد خافياً على أحد أن عصر حسني مبارك (أو على الأقل النصف الأخير منه) كان مليئاً بالفساد، في كل مجالات الحياة في مصر. فهل أصاب الفساد المؤسسة العسكرية؟ كان الفساد في جميع الاتجاهات، سياسياً واقتصادياً وأمنياً وقضائياً وإعلامياً ورياضياً. لذلك، من الطبيعي أن يصيب الفساد المؤسسة العسكرية، كما أصاب غيرها من مؤسسات الدولة، لكن بعضهم يصرّ على استثناء المؤسسة العسكرية، فلماذا؟
ويدعي بعضهم أن نظام القوات المسلحة والطبيعة العسكرية، بما فيها من صرامة وضبط وربط تتعارض مع الفساد، وهي حصنها الذي يحميها من الوقوع فيه. لذلك، هي في منأى عن الفساد الذي أصاب المجتمع كله. بينما الحقيقة عكس ذلك، فالطاعة العمياء وتسلسل الرتب وغياب الديمقراطية وانعدام الرقابة الشعبية.. إلخ، كل ذلك من العوامل التي تساعد على الفساد وتعمل على انتشاره.
لا يمكن إطلاق الحديث على عواهنه (كما يقولون)، ولا يمكن الادعاء من دون دليل، وبفرض وجود فساد في المجتمع وعوامل داخلية تساعد عليه، ما هو الدليل الفعلي على وجوده؟ فالفساد في كلمات محددة، هو استغلال السلطة والكذب والغش والخداع والتدليس على المواطنين.  وسنكتفي بمثالين فقط.
الأول: جهاز علاج فيروس سي، والإعلان عنه من دون اتباع الخطوات العلمية الصحيحة، ومنح صفة طبيب ورتبة لواء (ولو بصفة شرفية) لشخص، من دون التحقق من مؤهلاته.
الثاني: وعود وزير الدفاع والمسؤول الأول عن المؤسسة (والرئيس فيما بعد) عن بناء القوات المسلحة مع دولة صديقة، الوحدات السكنية وتخصيص صناديق ومشروعات للشباب و...و.... ووعود كثيرة كاذبة، بغرض دغدغة مشاعر المواطنين والتكسب السياسي.
لم نتحدث عن التسريبات، لأن بعضهم يدّعي عدم صحتها، وإن كان وجودها (صحيحة أم كاذبة) في ذاته دليلا على الفساد بدرجة ما. كما أن هناك أمورا يمنع الدستور والقانون الحديث عنها.
وكيف يكون هناك فساد والإنجازات والإنشاءات العظيمة للقوات المسلحة ملء السمع والبصر، وتعتبر دليلاً على عكس ذلك؟
لا علاقة للمهارة الفنية والمهنية بالفساد، فالطبيب الذي يقوم بعمليات الإجهاض، مثلا، يخالف الشرع والقانون، وطبيب فاسد على الرغم من مهارته المهنية وكفاءته الطبية. والمدرس الذي يتكاسل عن التدريس لطلبته في المدرسة، ليفرض عليهم الدروس الخصوصية مدرس فاسد، لكنه متفوق علمياً، ولولا براعته المهنية، ما تزاحم الطلاب عليه في دروسه الخارجية.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "إن جند مصر هم خير أجناد الأرض"، فكيف يمكن اتهامهم بالفساد؟
تاريخياً، وكما نعلم جميعاً، قرأنا وسمعنا عن الأسلحة الفاسدة في 1948. وسواء كان الملك هو المسؤول أم الإنجليز أم كبار الضباط، فقد كان هناك فساد يحيط بالقوات المسلحة، ثم قامت ثورة 1952 على يد ضباط من القوات المسلحة. وبعد فترة جاء فساد من نوع آخر أدى إلى هزيمة 67.
وليس معنى وجود فساد في المؤسسة العسكرية أن الـ250 ألف ضابط وجندي المنتسبين إليها فاسدون، فهذا نوع من المزايدة مرفوض، ففساد النظام لا يعني فساد الأفراد، ومسؤولية القائد لا تنسحب على الفرد (لكن العكس صحيح)، فبالتأكيد، هناك أفراد شرفاء كثيرون داخل المؤسسة، ولكن، لا حول لهم ولا قوة في رسم خطة العمل، واتخاذ القرارات داخل المؤسسة.
وختاماً، كان الحديث حول مؤسسة لها دورها الوطني العظيم، لكنها تصر على السيطرة على مقدرات المصريين، وممارسة السياسة بأسلوب خاطئ.
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)