الفردوس لم "يتورط" في الحرب

الفردوس لم "يتورط" في الحرب

17 مايو 2015
مشهد من الفيلم
+ الخط -

خلف الأحداث الكبرى التي عصفت، ولا تزال تعصف، بالشعب السوري منذ أربعة أعوام، تتراكم قصص الناس الصغيرة، التي يستقي المخرج السوري محمد عبد العزيز منها مادة فيلمه الجديد "الرابعة بتوقيت الفردوس" الذي يعرض هذه الأيام في "سينما سيتي" و"سينما الكندي" في دمشق.

أبطال الشريط السينمائي؛ بشير (الممثل محمد آل رشي)، رجل أربعيني يسعى جاهداً لإنقاذ زوجته من الموت، فيقف في وجهه الفقر، ومايا (الممثلة نوّار يوسف) فتاة ثلاثينية قتلها استبداد أبيها قبل أن يُقعدها السرطان في أحد أسرّة مستشفى "الأسد الجامعي"، وهاني (سامر عمران) الرجل الذي قضى نصف حياته في المعتقل، وحين خرج بدأ يبحث عن الموسيقى.

هؤلاء إضافة إلى أبطال آخرين؛ شبان أعاقتهم الحرب عن أي فعل؛ كنان وهلا ونانسي. كذلك لينا (الراقصة يارا عيد)، فتاة أوقفها الموت الطائش عن الرقص.

تشكّل القصص التي استقاها المخرج عبد العزيز من الواقع السوري، الأساس الذي يبني عليه رؤيته عن اللحظة الراهنة. لا جديد على صعيد بنية الحكاية فالحبكة بسيطة، تنطلق، تتعقد ثم تتصاعد لتصل إلى ذروتها. يتتبع عبد العزيز البعد الإنساني لحكايات فيلمه، يحاول ألا "يتورط" في الوضع السياسي، لكنه لا ينجح في ذلك تماماً.

الرابعة هي الساعة التي تنتهي عندها الأقاصيص كلها. لن تكون ساعة المسرح بالنسبة ليارا، لأنها ستموت بتفجير عبثي. الرابعة أيضاً هي الساعة التي تنتهي فيها المهلة الممنوحة لبشير لتأمين دواء زوجته، فلن يصل في الوقت المحدد لأنه قُتل طعناً. وهي الساعة التي سيظهر فيها هاني إلى جمهوره لأول مرة بعد خروجه من المعتقل، بدلاً من المسرح سيتمدد مع حبيبته مايا على بركة الماء في بيته الدمشقي، بعد أن أفصح له صديق عمره بأنه هو من وشى به.

في البداية، يحاول المخرج اللعب، عبر المونتاج، مع الزمن، دامجاً السابق باللاحق، لتتجه الخطوط إلى نهايتها تصاعدياً، من دون سبك درامي متين. بذلك ظهرت تقنية المونتاج غير مبرّرة في بعض مواقع الفيلم فأثّرت في بنيته وشتّتت المشاهد.

لا جديد في كاميرا عبد العزيز على صعيد الكادر، فما زال البيت الدمشقي هو العنصر الجمالي الذي ما فتئ المخرج يستخدمه منذ فيلمه "دمشق مع حبي"، وحتى هذا الأخير الذي ينتهي بصورة من الأعلى لسامر ونوّار ممددين في بركة تتوسط بيتاً دمشقياً في سوق "ساروجة".

الفارق الجوهري في الفيلم صنعه الممثل لا المخرج. كوادر عبد العزيز العادية اكتسبت قيمتها من الأداء المميز للممثلين. مثلاً يثبت محمد آل رشي نفسه كممثل من طراز رفيع ليس في المسرح فحسب، بل في السينما أيضاً. البؤس، الفقر، التشرّد والغضب صفات يحملها آل رشي على ظهره المحني، كما حمل في الفيلم زوجته على أوتستراد "المزّة" لينقذها من الموت، بكلماته الكردية القليلة وصمته المركّب هيمن على المَشاهد.

وفي السياق السابق نفسه، كان ضبط التفاصيل بمثابة مفتاح للممثل سامر عمران للوصول إلى أداء مميز يجعل من حوارات الفيلم الركيكة، أحياناً، مشهداً سينمائياً يمسّ المتفرج ويستثيره. في مشاهد أخرى، لمعت الممثلة الشابة نوّار يوسف، وصبّت طاقاتها الأدائية في الشخصية المكتوبة، فظهرت كما لو أنها اختبرت فعلاً مرض السرطان من قبل.

وأخيراً يأتي مشهد الفتيات الأربع في سوق "البزورية"، إنهن عرائس الحرية وصورة محفورة في ذاكرة السوريين الحديثة، جسدّتها الممثلات هلا بدير، وكندة حميدان، ونانسي خوري، وغفران خضور. في محاولة لاستعادة لحظة قامت فيها فتيات حقيقيات بالوقوف في المكان نفسه هناك يطالبن بحقن الدماء، انتهى أداء الممثلات الأربع بأخذهن في سيارة الأمن، تماماً كما حدث في الواقع قبل سنتين.

دلالات

المساهمون